
الزهرة إبراهيم - مكناس / جديد أنفو
الجموح الثاني :
وأما الجدارُ...
فكان لمسؤولين عن المدينة وكان وراءه مآرب لهم
ألم يحفظ هؤلاء من سورة "الكهف" سوى "إقامة جدار"؟
قصة الجدار في المغرب العميق قصة وأية قصة!
كلما حار مسئولوها في تدبير نقاط تتطلب تهيئة لصالح المواطن يقيمون جدارات تذكرنا بالحرب الباردة، وبالجدار العازل في الأراضي المغتصبة.
لجدار برلين ما يبرره تاريخيا وسياسيا!
ولجدار صهيون ما يسوِّغه أمنيا!
أما ما نراه بين حين وآخر يتعالى بشكل مشوه وغير مدروس في الأحياء الهامشية، وعلى امتداد الأجزاء غير المهيئة في ما يسمى "مُدُناً"، يثير لدينا الكثير من الأسئلة الاستنكارية:
كيف يتم التخطيط لبناء هذه الجدارات؟ ما ميزانية بنائها؟ وكيف، ولماذا يتم هذا البناء؟
لاحظت في كثير من المدن المغربية أن المسؤولين يبنونها لستر المحظور، ولصرف أنظار الغيورين على هذا المغرب من رؤية مناظر كان ينبغي أن تُدبَّر بعمق، وتجد حلولا لها على المدى الطويل.
وأحيانا أخرى يبنونها بسرعة البرق لأن زيارة رسمية ستخصص لهذا الإقليم أو ذاك... ولا تمر أسابيع، حتى يكشر الرمل أنيابه، ويقضم ذرات الإسمنت التائهة هنا وهناك بين رُكامِه، فيتشقق، ويصير خطرا على سلامة المواطن، وقبحا ينضاف للمشاهد الكريهة في فضاءاتنا المتدهورة عمرانيا، وبيئيا، وجماليا، وأخلاقيا...
كل هذا التدبير الفذ حتى يُبنى الجدار مرة كل خمس سنوات... كل ولاية مجلس لا سيما وأن المجالس قد أقسمت أن لا تترك للاحقتها سوى الخراب والمصائب والثبور.
وهل يغيب على من يهمهم أمر البلاد والعباد أنه في كثير من الأحيان يكدسون أحزمة بشرية ظاهرها مواطنة واستقبال وهتاف، وباطنها فيه ستر لقنوات واد حار مُخَرَّبة أو أرصفة نُهِبت ميزانيتها، أو مناطق خضراء لم يُغرَس فيها شيء قط وقد بُرمِج تشجيرها وتعشيبها مرات ومرات؟
وكلما ارتفع جدار، تحول ما وراءه إلى مزابل ومراحيض في الهواء الطلق، وخدش للحياء العام من طرف مواطنين لا يستحون من التبول والتغوط في أماكن عامة... كما تتحول إلى نقاط سوداء يتجمع فيها السكارى والمتشردون والمجرمون...
أزور مدنا وقرى في دول تتنفس الديموقراطية وتطبقها في أبسط تفاصيل معيشها اليومي، فنجد إسفلتا يعود إلى بدايات قرون مضت، تبدو أحجاره كالمرمر الأسود من حسن إتقانه وجودة ترصيفه... أحس غصة لا أستطيع ابتلاعها لأن المواطن المغربي لا زال يخون نفسه كل حملة انتخابية حين يمنح صوته طمعا وتدليسا للصوص الوطن.. أو حين يتغيب عن التصويت معتذرا بقوله: « لم أعد أثق في أحد! لا أحد يستحق صوتي!»
لكن المغرب يطالبك بأن توقف هذا النزيف، لأن انتماءك إليه يفرض عليك تَحَمُّل مسؤولية تصحيح الوضع.
لست مطالبا بأن تقيم هذا الجدار!
أنت مطالب بنقضه لتعرية ما وراءه.. لفضح من يمتصون كنوز اليتامى والعاطلين والمواطنين البسطاء من خلال مسلسلات بناء الجدارات... مسلسلات مكسيكية طويلة وتافهة ولا تؤدي إلا للانحراف...
هل يمكننا أن نحلم بمدن وقرى ليس فيها جدارات، وشبابيك واقية من السرقة والسطو؟ بل تمتد، أمامها، حدائق من العشب الأخضر المزينة بالورود والأشجار؟
هذا الحلم هو حقيقة في الفضاءات المغربية الخاصة بالناس "الكبار" الذين يدبرون البؤس والضيق والقذارة للشعب، بينما يؤثرون أنفسهم وذويهم بالفيللات الراقية المطوقة بالعسس وكلاب الحراسة وثقافة اللامبالاة التي حولت المواطن المغربي إلى شكل هلامي سابح في العدم.