عفاف كوثر صابر
تعزيزا للدور الذي توليه الدولة لقطاع الصناعة التقليدية وحماية لهذا القطاع الذي يشغل ما يقارب 2.4 مليون صانع وصانعة ويساهم بنسبة مهمة في الدخل الوطني الإجمالي.
عمل المشرع المغربي عل إحاطته بسياج من الضوابط القانونية التي تهدف أساسا إلى حسن تنظيمه وتدبيره. نتحدث في هذا الإطار عن مقتضيات القانون رقم 50.17 المتعلق بمزاولة أنشطة الصناعة التقليدية والصادر بتاريخ 25 يوليوز 2020.
والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار :
إلى أي حد يمكن القول إن المشرع المغربي قد توفق في إعادة هيكلة هذا القطاع وتأهيله بشكل يستجيب لشروط المنافسة. وهل استجاب هذا القانون فعلا للانتظارات الحقيقية لمختلف الفاعلين في هذا القطاع؟
من خلال قراءة متأنية لمقتضيات هذا القانون الذي تضمن 38 مادة موزعة على 5 أبواب يتضح أن مضامينه تهم خمس نقاط أساسية وهي كالتالي :
-
- أحكام عامة تتعلق بتعريف نشاط الصناعة التقليدية وأصنافها وفئات الفاعلين في هذا القطاع.
-
- إحداث السجل الوطني للصناعة التقليدية وشروط التقييد به.
-
- إحداث المجلس الوطني للصناعة التقليدية وتحديد اختصاصاته.
-
- الامتيازات الممنوحة للصناع التقليدين.
-
- أحكام زجرية وانتقالية وختامية.
بخصوص المقتضى التشريعي الأول فقد عمد المشرع إلى تصنيف فئات الفاعلين بقطاع الصناعة التقليدية إلى أربع فئات أساسية لكل فئة نظام خاص، يتعلق الأمر أساسا بكل من:
-
- الصانع التقليدي لمعلم
-
- الصانع التقليدي
-
- تعاونيات الصناعة التقليدية
-
- مقاولات الصناعة التقليدية
نشير إلى أن هذا التصنيف من شأنه أن يضبط شكل الانتساب لهذا القطاع.
أما بخصوص المقتضى التشريعي الثاني والمتعلق بإحداث السجل الوطني للصناعة التقليدية فالواضح من خلال المواد من 4 إلى 10من القانون رقم 50.17، أن المشرع قد أسند مهمة مسك وتدبير السجل الوطني للمديريات الجهوية والاقليمية للصناعة التقليدية كسلطة حكومية وصية، أيضا جعل عملية التسجيل تتم عبر منصة الكترونية.
نتساءل في هذا الإطار لماذا لم تسند مهمة مسك السجلات الجهوية لغرف الصناعة التقليدية، علما أن هذه الغرف أبانت عن تجربة ناجحة في مسك السجل الحرفي وخير دليل على ذلك أن المعطيات والإحصائيات الواردة لدى السلطة الحكومية الوصية مصدرها قاعدة البيانات المسجلة لدى غرف الصناعة التقليدية، أضف إلى ذلك أن هذه الغرف تتوفر على إمكانيات ووسائل تقنية مهمة وموارد بشرية وأطر في تخصصات مختلفة.
كان الأجدر بالمشرع أن يسند تدبير ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة بالسجلات الجهوية لغرف الصناعة التقليدية وفي المقابل يسند مهمة تدبير ومسك قاعدة المعطيات المتعلقة بالسجل الوطني للسلطة الحكومية الوصية، بدل أن يقصي دور الغرف ويجعل مهمتها في هذا الإطار وحسب المادة 36 من القانون تقتصر على المواكبة والدعم والتحفيز.
أما بخصوص المقتضى التشريعي المتعلق بهيات أنشطة الصناعة التقليدية والواردة في الباب الثالث من هذا القانون نشير إلى أن المشرع صنف هذه الهيات إلى هيئات حرفية إقليمية، جهوية ووطنية وأعطى فيها دورا محوريا لأمين الحرفة.
بالاطلاع على الاختصاصات المسندة إلى هذه الهيات بمقتضى المواد 14-15-16 من هذا القانون نقول أن العبارة التي أوردها المشرع في بداية هذه المواد تحمل تناقضا تاما مع فحواها، فالعبارة تنص على أنه " مع مراعاة المهام والاختصاصات المسندة لغرف الصناعة التقليدية بموجب القانون رقم 18.09 بمثابة النظام الأساسي لغرف الصناعة التقليدية تناط بالهيأت الحرفية .....المهام التالية.....".
نتساءل في هذا الإطار عن الجدوى من هذه العبارة مادامت المهام المتحدث عنها هي نفسها اختصاصات الغرف المهنية المسندة لها بمقتضى المادة 03 من قانون 18.09 لذالك كان على المشرع أن يكون أكثر وضوحا . ذلك أنه وبإحداثه لهاته الهيات يكون قد قزم الدور المحوري الذي تقوم به غرف الصناعة التقليدية كشريك أساسي للسلطة الحكومية المختصة وخلق هيات منافسة في مهامها لمؤسسة دستورية وبذلك فتح المجال لتضارب الاختصاصات .
فعلى سبيل المثال منح أمين الحرفة الحق في منح شهادة ممارسة الحرفة وسحب هذا الاختصاص من مؤسسة دستورية تتوفر على هيئة منتخبة من الصناع وفق أحكام القانون رقم 9.97 الخاص بمدونة الانتخابات .
نشير في هذا الإطار إلى أن إلغاء دور الغرف المهنية كمؤسسات دستورية في منح شواهد ممارسة الحرفة واعتماد شهادة أمناء الحرف كبديل يحط من القيمة الإثباتية لهذه الشهادة الإدارية المعتمدة لدى العديد من المؤسسات ( الأبناك، القنصليات، إدارة الضرائب..........) وذلك بحكم توفر الغرف على جهاز إداري له طابع رسمي.
أيضا هذا المقتضى التشريعي لا يصب في مصلحة الصانع لمجموعة من الأسباب أهمها :
-
- إسناد الاختصاص لأمناء الحرف سيفتح المجال للصراعات السياسية والشخصية.
-
- البث في طلب الشهادة من قبل أمين الحرفة في ظرف 30 يوما يعطل مصالح الصانع، مع العلم أن هذه الشهادة تمنح حاليا من طرف غرف الصناعة التقليدية في أجل أقصاه 48 ساعة .
-
- عدم توفر الشهادة التي يعطيها الأمين على ختم الإدارة يحط من قيمتها القانونية و الإثباتية كوثيقة إدارية.
لذلك نقول أنه كان على المشرع أن يسير في اتجاه تقوية صلاحيات الغرف كمؤسسات دستورية بدل تقزيم دورها وإحداث هيأت حرفية منافسة .
أما بخصوص المقتضى التشريعي الخاص بإحداث المجلس الوطني للصناعة التقليدية والمنصوص عليه في المواد من 20 إلى 23 من هذا القانون فالملاحظ أن اختصاصات هذا المجلس مشابهة لاختصاصات المسندة لجامعة غرف الصناعة التقليدية بمقتضى المادة 52 من القانون رقم 18.09 بمثابة النظام الأساسي لغرف الصناعة التقليدية .
لذلك نرى أنه كان على المشرع تقوية الاختصاصات الممنوحة لجامعة غرف الصناعة التقليدية بدل خلق هيئة مشابهة في الاختصاص تكلف الدولة أعباء مالية إضافية.
أما بخصوص المقتضى التشريعي الخاص بالامتيازات الممنوحة للصناع التقليدين وتعاونيات ومقاولات الصناعة التقليدية والمتمثلة حسب الباب الرابع من هذا القانون في :
-
- أنظمة التغطية الاجتماعية
-
- برامج الدعم والمواكبة التي تخصصها الدولة لقطاع الصناعة التقليدية والمتمثلة أساسا في :
-
- الدعم التقني والخبرات والاستشارات
-
- المشاركة في المعارض داخل وخارج المملكة
-
- الاستفادة من برامج ترويج وتسويق منتجات الصناعة التقليدية
-
- المشاركة في الجوائز والمسابقات التحفيزية التي تنظم لفائدة القطاع.
-
- الاستفادة من مناطق الأنشطة الحرفية التي تحدثها الدولة.
فباستثناء ما يمكن قوله حول الاستفادة من أنظمة التغطية الصحية والاجتماعية فباقي الامتيازات ليست جديدة ويستفيد منها الصناع التقليديون وتعاونيات ومقاولات الصناعة التقليدية بمقتضى مجموعة من القوانين وخاصة القانون رقم 18.09 بمثابة النظام الأساسي لغرف الصناعة التقليدية والقانون رقم 12.00 بشأن إحداث وتنظيم التدرج المهني ونصوصه التطبيقية.
ويبقى التساؤل مطروحا عن كيفية استفادة الصناع التقليدين من التغطية الاجتماعية والصحية فهل سيقتصر الأمر على الصناع المنضوين في مقاولات وتعاونيات الصناعة التقليدية أم سيتسع ليشمل أرباب العمل أيضا؟
أما بخصوص المقتضى التشريعي الذي جاء في الباب الخامس من هذا القانون تحت عنوان أحكام زجرية وانتقالية وختامية.
فالواضح من خلال قراءة المواد الأولى من هذا الباب أن المشرع أضفى الطابع الزجري على المخالفات المرتبطة بالسجل الوطني للصناعة التقليدية وهذه مسألة منطقية لأنه من خصائص القاعدة القانونية كونها قاعدة سلوكية عامة ومجردة وملزمة، وتعد خاصية الإلزام من المكونات الرئيسية لأن الفرد الذي يتجاوز القانون عن قصد وعمد يعرض نفسه للعقوبة القانونية والتي يطلق عليها لفظ الجزاء، وبانتفائه تبقى القاعدة بدون قيمة .
غير أن هذا الجزاء يجب أن يكون متناسبا مع حجم المخالفة المرتكبة والضرر الذي تلحقه بالمجتمع.
بالرجوع إلى النص القانوني نجد أن المشرع قد فرض غرامة مالية تتراوح بين 1000 و5000 درهم على كل شخص ذاتي أو اعتباري أدلى بسوء نية ببيانات غير صحيحة قصد التسجيل أو إدخال تغيرات أو معلومات تكميلية في السجل الوطني للصناعة التقليدية، أشير في هذا الإطار إلى عدم التناسب بين الفعل المرتكب والعقوبة الزجرية ذلك أنه وحسب الفصل (361) من القانون الجنائي المغربي فمن توصل بغير حق إلى تسلم إحدى الوثائق المشار إليها في الفصل 360(وثائق تصدرها الإدارة) إما عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة وإما عن طريق انتحال اسم كاذب أو صفة كاذبة وإما بتقديم معلومات أو شهادات أو إقرارات غير صحيحة يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 200 إلى 300 درهم .
فالنص القانوني واضح وموجود لذلك كان على المشرع أن يكتفي بالإحالة على مقتضيات القانون الجنائي.
أيضا وفي باب الأحكام الزجرية نص المشرع في المادة 34 من القانون رقم 50.17 على أنه "يعاقب بغرامة من 500 إلى 1000 درهم كل صانع تقليدي أو صانع تقليدي معلم لم يرجع للإدارة البطاقة المهنية المسلمة له بعد حذفه من السجل الوطني طبقا لأحكام المادتين 9و10 من هذا القانون" .
نتساءل في هذا الإطار عن مدى تناسب العقوبة مع الفعل المرتكب ذلك أن هذا الفعل لا تكتمل فيه أركان الجريمة في نظر القانون الجنائي. أيضا نتساءل عن الجدوى من هذا الإجراء مادام لكل صانع تقليدي أو صانع تقليدي معلم رقم تعريفي حرفي لا يمنح إلا مرة واحدة فحسب، ولا يمكن إعادة منحه لأي شخص أخر ولا يجوز استعماله إلا من قبل صاحبه وذلك حسب مقتضيات المادة 5 من هذا القانون ؟.
لماذا تفرض الغرامة في حالة الحذف من السجل الوطني وعدم إرجاع البطاقة المهنية مادام الحذف يتم من طرف الإدارة التي تملك قاعدة البيانات الالكترونية وبالتالي فهذه البطاقة تصبح لاغيه بقوة القانون.
أيضا نتساءل عن المسطرة التي ستسلكها الإدارة في تحصيل هذه الغرامات؟ فهل ستسند الأمر إلى القضاء فتتقل كاهله بدعاوى من نوع أخر أم أنها ستضع الموظف في الواجهة؟
أيضا من ضمن التناقضات التي يحملها هذا القانون، الفقرة الأخيرة من المادة 36 منه والتي تنص على أن " تسليم البطاقة المهنية للصناع التقليدين والصناع التقليدين لمعلمين المسجلين في السجل الوطني يكون من طرف غرف الصناعة التقليدية.
فالسجل تمسكه السلطة الحكومية الوصية وتقوم بتدبيره جهويا ووطنيا وتمتلك قاعدة المعطيات، وفي المقابل البطاقة المهنية الحاملة لهذه المعطيات تصدرها غرفة الصناعة التقليدية، وفي حالة الحذف من السجل ترجع البطاقة للسلطة الحكومية الوصية .
نتساءل ما فائدة إسناد إصدار البطاقة المهنية للغرف في هذه الحالة؟
الواضح أن هذا القانون فتح المجال لكثرة المتدخلين والاختصاصات المتشابهة لدرجة أن الصانع التقليدي في حالة احتياجه لوثيقة إدارية يحتاج لدليل عملي مبسط ليعرف أي إدارة يخاطب.
ختاما نتساءل عن فلسفة المشرع المغربي في سن قانون 50.17 الخاص بمزاولة أنشطة الصناعة التقليدية .
وأي دور سيبقى لغرف الصناعة التقليدية بعد أن كانت شريكا محوريا للسلطة الحكومية الوصية ؟ لماذا سحب منها اختصاص منح الشواهد المهنية والسجل الحرفي، وأسند لأمناء الحرف والسلطة الحكومية الوصية، هل الأمر يتعلق فعلا بمحاولة إعادة هيكلة القطاع أم انه يسير في اتجاه تقزيم دور مؤسسة دستورية وبالتالي الاستغناء عنها.