بناوي عبد الرحيم *
تعيش المنظومة التعليمية في المغرب على صفيح ساخن بسبب الاحتجاجات التي يخوضها نساء ورجال التعليم ومن بينهم أطر الأكاديمية او الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد المطالبين بالإدماج الصريح في الوظيفة العمومية، والذين يستمرون لحد الساعة في إضرابات أفرغت الفصول من تلاميذها لأكثر من شهر رغم مناشدة عدة جهات والتي تحمل المسؤولية للوزارة أحيانا وللمضربين أحايين أخرى، هو وضع جعل الوزارة الوصية ومعها مصالحها الخارجية في حيص بيص من أمرها بين حدود الحق في الاحتجاج وحق التلميذ في التعلم، لتجعل مصلحة المتعلم هي الفضلى حسب قولها وتعمد في البداية إلى استفسار المعنيين ثم إعذارهم فإنذارهم ثم توقيفهم عن العمل مع توقيف مرتباتهم إلى حين عرضهم على مجالس تأديبية إعمالا للمادة 100 من النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية بتهمة ارتكاب خطإ فادح بسبب عدم مسك نقط التلاميذ الذي حرمهم من التوصل ببيانات نتاىئجهم ومن شأنه أن يفوت الفرصة على العديد منهم في ولوج معاهد ومدارس ذات الاستقطاب المحدود على الخصوص كما تقول الإدارة.
هي إجراءات أججت الوضع ودفعت الأساتذة الى تمديد أشكالهم الاحتجاجية، قابلتها الإدارة بقرارات توقيف مستندة على المادة 100 والمشابهة في نصها للفصل المشؤوم 73 من النظام الأساسي الخاص بالوظيفة العمومية وهو قانون لا يشملهم لحد الساعة.
وباتخاذها لقرار التوقيف الذي رفضته النقابات التعليمية ووصفته بالمعيبب وغير المجدي لكونه يقطع أمل عودة هؤلاء المدرسين إلى مقرات عملهم حتى أجل غير مسمى وهو ما يحرم التلاميذ من تعلماتهم و لكون المجالس التأديبية التي دعي المعنيون للمثول أمامها غير تامة الأطراف ويشترط فيها أن تضم وبشكل متساو أعضاء من الإدارة وممثلي الموظفين أو مايسمى بلجان الأطر يتم انتخابهم في انتخابات اللجان الثنائية المتساوية الأعضاء .والحال أن أطر الأكاديمية لم يشاركوا ولم ينتخبوا ممثليهم بسبب وضعية التدريب التي كانوا عليها آنذاك لأنهم لم يجتازوا امتحان التأهيل المهني، وبهذا تفتقر هذه المجالس الانضباطية الى ركن قانوني يتمثل في ضرورة حضور ممثل الماثل أمام المجلس التأديبي ليؤدي دور الدفاع، وإن اعتمدت الاكاديميات على تعديل أنظمتها الأساسية بالمادة 88 مكرر والتي تعطي للإدارة حق تعيين ممثلين عن الموظفين من هيئة الادارة فسيكون هذا شططا صريحا في استعمال السلطة في غياب شروط 'محاكمة' عادلة وهو ما سيبطل لا محال مااتخذ من قرار إن لجأ المعاقبون إلى القضاء الإداري وهو كذلك ما سيجرح من هيبة الادارة.
ولنفرض جدلا أن هذه المجالس التأديبية سليمة من حيث الشكل فمهما كانت العقوبات الصادرة عنها ومهما كانت مدة التوقيف المقترحة ضد أساتذة متدربين ستحتم عزلهم قانونيا، وهو ماسيكون وقودا لمزيد من الاحتقان و سيكرس خصاصا مهولا في الموارد البشرية لن تستطيع الوزارة تداركه، وسيزيد من هدر زمن المتعلمين الذين يترقبون كل صباح عودة اساتذتهم الى الأقسام، وينتظر آباؤهم وأمهاتهم بشغف بيانات التنسيقيات والنقابات علها تأتيهم بجديد ويحصون بأسف عدد الأيام والحصص المهدورة .
إننا اليوم أمام نزاع، وعندما يتنازع الثيران على البساط فالضحية هو العشب كما يقال، والعشب هاهنا هو منظوتنا التعليمية التي تحتاج الى الحكمة والرجاحة وجعل مصلحة الوطن والتلميذ هي الفضلى، فسياسة شد الحبل لن تجدي، وسياسة لي الأذرع و صم الآذان لن تنفع، فالوزارة مطالبة اليوم وبدل نهج مقاربتها الزجرية بإعمال الحوار والحوار فقط وفق المذكرة 103/17 لفض هذا النزاع مركزيا مع النقابات الأكثر تمثيلية والذي يستوجب عزما وإرادة إدارية وجرأة ووضوحا في المواقف النقابية لتجاوز هذا المناخ التربوي المتوتر الذي يرهن حال ومآل المدرسة العمومية، بطي هذا الملف الذي عمر طويلا وأثر كثيرا ويكبر ككرة ثلج فوجا بعد فوج، لنرفع الحرج على الأكاديميات والمديريات التي وجدت نفسها في موقف حرج لا تحسد عليه،بين الحرص على سير المرفق العمومي وحق التلاميذ في التمدرس وحق الموظف في الاحتجاج السلمي للمطالبة بحقوقه وتحسين أوضاعه المادية والمعنوية.
أخيرا ،إذا ارتكب أساتذتنا "هفوة خطيرة"ستزج بهم في مجالس انضباطية فإن الذي أملى على الأكاديميات الجهوية هذه التعليمات يكون قد ارتكب حماقة خطيرة قد تعصف بموسم دراسي شارف على نهايته ونحن مقبلون على استحقاقات إشهادية إقليمية وجهوية ووطنية مهمة و مصيرية.
* فاعل تربوي