قراءة في أرشيف المرحوم : محمد العيدي
ارتباطا بتوجهاتنا الذاتية المرتبطة بالاهتمام بالتاريخ المحلي لمنطقة تنغير والجنوب الشرقي عامة، اغتنمنا فرصة حصولنا على مجموعة من الوثائق للإدلاء بثلة من الملاحظات حولها، وذلك لإرساء معالم بحوث محلية تعتمد على الوثيقة بعيدا عن اجترار الأفكار المتوفرة في الأصل والتي تفتقر إلى نوع من الجدية والجديد والدقة التاريخية كذلك، وارتباطا بالأفكار المتنوعة التي تمت الإشارة إليها في المقال السابق، المرتبط بأرشيف (محمد العيدي)، هذه التيمات التي تتراوح بين ما هو سياسي وفكري وفني، ثقافي تعطينا فكرة عن تنوع توجهات المرحوم، كنموذج للإنسان التنغيري المتميز، والذي سنحاول من خلال الوقوف عند سيرته الوقوف عند أجمل ما جادت به أرض المجتمع التنغيري في أحد أبرز مميزاته (نظرية المؤامرة).
هذه الأخيرة تقتضي في أحد تعاريفها البسيطة النظر بنوع من السلبية لكل مستجد يعرفه مجتمع معين، وكل عمل يقتضي إحياء موروث قديم كيفما كان، سواء أكان هذا المستجد اقتصاديا أو اجتماعيا،أم فنيا...فهو يقترن دائما بخلفيات، أقل ما يقال عنها أنها سلبية ومشككة ، مهما كانت سريرة ونية الفاعل صافية.
نظرية المؤامرة في تنغير متفشية بشكل كبير، فهي ترتبط بأشخاص ماديين أو معنويين، فنرى أي مستجد، أو أية مبادرة يقوم بها شخص معين يتم ربطها بجوانب أكثر مأسوية، و نرى أغلب مبادرات الدولة عبارة عن تصرف مخزني مشين هدفه الاحتواء أكثر من التنمية، فأغلبها تهدف إلى طمس الهوية، وخلق قلاقل ومشاكل على المستوى المحلي، (وإغفالها الدولة دائما) للتنمية عمل ممنهج هدفه التهميش والتنكيل بمجتمع تنغير خاصة و الجنوب الشرقي عامة. وبالتالي فنظرية المؤامرة تقتضي هنا اعتبار كل ما يأتي من الدولة (المخزن) وجهين لعملة واحدة يرتبط في التمثل الذهني بالعمل الممنهج المخطط له مسبقا لإلحاق الأذى بالتنغيري.
مبادرات المجتمع المدني تعتبر سبق انتخابي، والتعبئة من أجل جمع الأصوات قبل الحراك الانتخابي، ومبادرات الأشخاص تعتبر بمثابة تهليل وتبجيل للمخزن... فأن تكون كاتب مقالات ذو نظرة متفائلة ، أو أن تكون مصورا فطوغرافيا للأعمال المنجزة بتنغير، أو أن تنتقد مبادرات أو أشخاص أو مؤسسات، أو أن تكون صاحب مبادرة، فأنت دائما ضمن المطبلين المزمرين. ضمن الراغبين في جمع الأصوات للانتخابات أو تهدف إلى تحقيق مأرب أخرى دائما في سياق نظرية المؤامرة. وحتى أكبر المعارضين للدولة ولسياساتها وتوجهاتها يتهمون بالخضوع لأجندة سياسية، أو أجندة أجنبية، ولعل أخطرها عندما يتهم المرء في عرضه أو شرفه أو حتى دينه فقط لكونه معارض، فأن تكون معارض من طينة الكبار يقتضي تصنيفك مباشرة ضمن أشرس الأوصاف وأخطرها.
ولعل أبرز مثال على هذه المعطيات التي سقناها هنا، تلك التي صادفنها في وثائق المرحوم محمد العيدي، والمرتبطة بجوانب متعددة ( سياسية ، محلية، ثقافية)، وسنقتصر فيها على الجوانب المرتبطة بالثقافة، مخافة الإتيان بأمثلة سياسية (وهي كثيرة) ونتهم بالسبق الانتخابي، أو التطبيل لأشخاص وإن كانوا في عداد الموتى رحمهم الله.
عملت الدولة المغربية في إطار اهتمامها بالموروث الثقافي للمغرب على تنظيم سباق المدن 1986 لرد الاعتبار للجوانب الثقافية والفنية التي أصبحت تتأثر بعوادي الزمن. وقد عمل العيدي في سياق المسؤولية التي كان يتحملها آنذاك - ارتباطا بالوثائق التي نتوفر عليها - بإعادة الاعتبار لرقصة أسراد (رقصة الهدية)، عبر إشراك مدينة تنغير في هذا السباق اعتمادا على الفلكلور المحلي الصرف.
ورقصة أسراد لمن لا يعرفها حسب العيدي دائما: "هي من الرقصات الشعبية الأصيلة بواحة تودغى، وهي فلكلور يقام بمناسبة حفل الزفاف، حيث يقوم أهل العروسة بهذه الرقصة للتعبير عن فرحتهم بالهدية التي تقدم بها العريس لعروسه".
معالم نظرية المؤامرة ستتضح معالمها، وإن كان الأمر مقتصرا هنا فقط على الجانب الفني، بعد ردود الفعل تجاه إشراك مدينة تنغير في سباق المدن بناءا على هذا الفلكلور (أسراد)، وسنحاول التطرق لبعض عناصرها في أحد المقالات التي أرسلها أحد أبناء تنغير لتبخيس هذه الفكرة، واعتبارها فنا دخيلا، وأطلق عليه وصفا قدحيا (الفلكلور اللقيط)، على اعتبار أن تنغير لا تتوفر على فلكلور محلي، "وإن كان هذا الحكم السطحي يدل على شيء، فإنما يدل على أن (صاحب المقال المعارض للفلكلور) تطفل على تراث المنطقة وعلى أبنائها الغيورين عليه" حسب تعبير العيدي دائما.
معالم نظرية المؤامرة كذلك تتجلى في السلاح الخطير الفتاك الذي يوجه دائما للسياسيين (الاستعداد لماراتون الانتخابات)، وكذلك التركيز على شكل النساء اللواتي كلفن بتأدية هذه الرقصة، والتمحيص في السيرة الذاتية، والجانب السلوكي الأخلاقي، على اعتبار أنه يستحيل إشراك النساء المحليات في هذه الرقصة خلال تلك الفترة.
هذا التمحيص للسيرة الذاتية للمشاركات أطلق عليه الكاتب المعار ض ( المسخ المصطنع)، والذي يتنافى مع هيئة المكلفات بهذه الرقصة اللواتي يرتدين أزياء محلية محافظة ومحتشمة، ويظهرن (أو يتظاهرن على الأقل حسب تعبير العيدي دائما بالحشمة والوقار.)".
معالم المؤامرة تتشابك عندما يتدخل المندوب المكلف بالثقافة للسباحة ضد تيار هذه المبادرة، لكن في سياق قراءتنا للوثائق المتوفرة لدينا، نكتشف بأن الأمر لا يمكن تفسيره إلا لكون هذا الأخير يتوفر على فرقة أخرى عملاقة في ورزازات ، تخشى المنافسة لنتوه في سياق المؤامرة والمؤامرة المضادة.
في الأخير يتضح بأن نظرية المؤامرة في تنغير متجدرة منذ القدم، وكل طرف يسعى إلى النيل من الطرف الأخر بالضرب في حيثيات لها علاقة إما بالأخلاق، الذوق العام، الشرف، أو العمل لتحقيق مصالح شخصية...ولعل هذه الأمور من أكثر الأساليب الهدامة للفكر الثقافي وللموروث الشعبي والجوانب التنموية لكل منطقة فلا أحد يتمنى أن يضرب يوما ما في هذه المبادئ العامة المهمة في حياة الإنسان.
إن نظرية المؤامرة التي تعشش في مخيلتنا الفردية أو الجماعية إنما هي تصرف مشين يقتل المبادرة الفردية، وروح الابتكار، فكم من موهبة في تنغير تم قتلها في المهد بسبب نظرية المؤامرة؟؟ وكم من مبدع تم القضاء على آماله وطموحاته بهذه التصرفات المشينة التي لاتسمن ولا تغني من جوع ؟؟ في حين نجد مبادرات ناجحة في مناطق أخرى فتحت أبوابها وشجعت إرادة أبناءها للمضي قدما في تنمية وتثمين مواردها الثقافية والفكرية بل والاقتصادية . فشكلت إرادة أبناءها وإسهام مكوناتها الاجتماعية بمختلف توجهاتها لبنة من لبنات بناء المجتمع الحضاري المتسم بالمرونة في الوسائل والدقة في رسم معالم المستقبل وتجاوز كل ما يشكل عقبة نحو النهوض بالمنطقة تنمية وازدهارا....ألم يان للذين لازالت قلوبهم مريضة بالضغينة والحقد الدفين (علماء المقاهي خاصة) كما يصطلح عليهم محليا أن يستفيقوا من سباتهم ليلحظوا ما تعيشه شعوب العالم عامة بل وما تسير إليه في تقدم وازدهار؟؟ ألم يان لأبناء تنغير أن ينظروا إلى مستقبل بلدهم ......؟؟؟