يعتبر تاريخ المقاومة المسلحة المغربية من المواضيع التي قيل فيها الكثير، وسبق أن تم تناولها من وجهات نظر متعددة، فهذه الأخيرة تارة تميل إلى التاريخ الرسمي المرتبط بإظهار محاسن السلطة والمخزن، و تارة أخرى تميل إلى إظهار معالم الحدث التاريخي بنوع من الحيادية قدر المستطاع، واعتمادا على الوثيقة التي تعتبر مصدر مهم للخوض في الكتابة التاريخية.
غالبا ما ترتبط المقاومة بأشخاص مشهورين، كانوا في الواجهة بشجاعتهم أو رغبت فرنسا في ذلك بناءا على معطيات عدة، لذلك نرى جل المعارك التي خاضها المغاربة ترتبط بأسماء زعمائها، في حين يبقى الجنود الحقيقيين مطية للإهمال، وتبقى النساء عرضة لتذوق مرارة فقدان الزوج أو الأبناء أو هما معا.
وارتباطا برغبتنا الملحة في إماطة اللثام عن جوانب من تاريخ الهامش المغربي، ونظرا لعامل ندرة الوثائق وقلتها، ارتأينا كلما سنحت الفرصة في ذلك العمل على سبر أغوار هذه الوثائق ومحاورتها لعاملين:
* الأول يتجلى في الإيمان بضرورة المساهمة ولو بقليل من المعلومات في إغناء جوانب مظلمة من تاريخ الهوامش المنسية (تودغى نموذجا).
* العامل الثاني يتجلى في السعي لرد الاعتبار لأشخاص ضحوا بالغالي والنفيس من أجل تحرير الوطن الذي أعطاهم بالظهر بعد تحقيق الهدف المنشود.
ولد عدي علي بن الحسين موضوع الدراسة بدوار حلول بمنطقة تودغى 1920، في الوقت الذي كانت فيه رحى المعارك تدور في (القوس نتازولت)، بين السلطات الفرنسية المدعومة من الكلاوي وبين مقاومة الجنوب الشرقي الباسلة.
تتحدث الوثائق التي بين أيدينا عن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبالضبط في مرحلة الخمسينات من القرن 20 عندما كان عمر المقاوم عدي علي يناهز الثلاثينات، لاسيما وما عرفته تلك الفترة من احتكاكات مباشرة وساخنة مع السلطات الفرنسية وأذيالها بمنطقة تودغى.
رغم الجهود المبذولة من طرف المقاوم عدي علي إلى أن الوطن تنكر له بعد بزوغ فجر الاستقلال، وبعد تقسيم غنائم المقاومة على المقاومين الحقيقيين والمنتحلين لهذه الصفة لقربهم من سدة القرار أو لكونهم من الأعيان الكبار...ليظل المقاوم عدي على يجابه هو وأبناءه من بعده من أجل الاعتراف به كمقاوم ضحى بالغالي والنفيس من أجل الوطن.
الغريب في الأمر هو أن عدي على لم يحصل على صفة مقاوم والتعويضات التي ترتبط بها من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ليطرح بالتالي هذا المعطى مجموعة من علامات الاستفهام حول علة حرمانه من هذه الصفة؟ رغم أن ملفه يتضمن مجموعة من الشهادات في حقه من طرف المقاومين في تنغير، رفقاء السلاح ودرب المقاومة.
فعلى سبيل المثال هناك وثيقة تعود إلى سنة 1983 تتضمن شهادات كل من (مومو محمد بن بامو) رئيس الفرقة للمقاومة بتنغير، (حنافي لحسن ) من دوار حلول، (أفلين موحى أزيد) من دوار أيت أوجانا، (أعبدي الحسين)،( عدنان محمد)، (الإدريسي سيدي محمد).
وقد نصت شهادات هؤلاء على أن عدي على بن الحسين نايت داود كانت له صلة بالمقاومة، ومنخرطا مع أفراد الفرقة المقاومة ومساهما في شراء الأسلحة ويقوم بتنفيذ جميع الأوامر الملقاة على عاتقه، وفي إحدى المناورات سلم له مسدسين اثنين من نوع الرحة، وسلمهما للحسن حنافي، أعماله هذه توجت بإلقاء القبض عليه من طرف السلطات الفرنسية وتمكن من الفرار إلى حين عودة محمد الخامس من المنفى.
ليتضح بالتالي أن المقاومين الذين ضحوا بالغالي والنفيس كثر، ولكن لم يتم الاعتراف بالجميل الذي أسدوه للدولة المغربية، ونجد في النقيض كذلك أشخاص لم يسبق لهم أن حملوا السلاح، ولا يعرفون التفريق بين أنواع الأسلحة المستعملة آنذاك لكنهم حاملين لصفة المقاومة.