مساهمة منا في إماطة اللثام على بعض جوانب تاريخ المغرب العميق، وبهدف الحد من عملية التهميش التي طالت حيثيات عديدة من ماضي وحاضر هذا المجال الجغرافي المغربي، سنحاول إلقاء إطلالة بسيطة على حقبة سنوات الرصاص وآثارها على هذا المكان من خلال شخصية المناضل المرحوم علي أوطالب.
شكلت سنوات الرصاص أحد أحلك مراحل تاريخ المغرب الراهن، والتي تم فيها صب جم غضب المخزن على مجموعة من المناطق المشاكسة، فقط لكونها رفضت الخنوع لمظاهر الظلم والإقصاء الذي شملها، ولعل تنغير من أكثر هذه المناطق تأثرا بهذا الحيف السياسي والاقتصادي والذي لازالت تدفع ضرائبه إلى حد اليوم، رغم بعض الإشارات المبذولة من طرف الدولة المغربية لتجاوز أثار هذه المرحلة.
حسب إفادة ابنه (عبد العزيز أيت الطالب)، ولد علي أوطالب بتاريخ 1926، في سياق عمل السلطات الفرنسية على فرض التهدئة على مجال الجنوب الشرقي، أب لخمسة أبناء، ترعرع بدوار حلول على بعد كيلومترات معدودة من مركز تنغير، وبعد طفولة صعبة شأنه في ذلك شأن أغلب أطفال هذا المجال الجغرافي، أصبحت تتفتق الميولات الثورية لدى (علي) الشاب، الذي جنح إلى العمل السري الرافض للخنوع.
كان من المؤسسين لخلايا العمل السري بتنغير لمقاومة المستعمر وأذياله، لقبه الحركي (بعريف)، امتهن العمل التجاري في أغلب مراحل حياته، وهو الشئ الذي كان يسمح له بالحركة أكثر والتنقل بكل حرية في أرجاء تنغير الكبرى، لتبادل المعلومات والتنسيق مع المناضلين الآخرين (تودغى، أيت عطا، أيت مرغاد).
عمله السري هذا يقتضي منه شراء الأسلحة، والمساهمة في عملية التدريب، بل والمساهمة كذلك في صنع القنابل التقليدية بتنسيق مع سيدي موح أودريس (أيت زيلال).
كان كذلك من الحاضرين في اللقاء السري الذي عقده المقاوم لحسن حنفي رحمه الله بدوار حلول سنة 1954، انتقل إلى الرباط في مراحل العمل الفدائي، وانخرط في خلايا المقاومة مع عبد القادر بن يوسف و الزرقطوني و بلافريج وأسماء عديدة، وفي سياق هذه الظرفية ألقي عليه القبض وتم نقله إلى مدينة مراكش، وبعد ذلك إلى سجن بومالن دادس بالسفح الجنوبي للأطلس الكبير، وقضى فيه أكثر من ستة أشهر، وهنا ذاق كل أنواع الإهانة والتنكيل والتعذيب، ليتم بعد ذلك نقله إلى سجن تنغير في 30 مارس 1955 تحت رقم 127.
بحصول المغرب على استقلاله 1956 واصل عمله النضالي في سياق المستجدات التي عرفها المغرب آنذاك، وكان من مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (unfp) فرع تنغير 1961 ليعود بعد ذلك إلى غياهب السجن بتنغير.
كان مندوبا للإتحاد الوطني للقوات الشعبية دائرة أيت الحاج علي للمرشح عبد العليم حمو (حموا أوباعلي)، بعدما استبشر الكل خيرا بحلول العهد الجديد، لكن كانت الصدمة قوية بعد تزوير إرادة المواطنين لصالح (باسو علي)، لتتوالى بعد ذلك الأحكام السجنية،هذه المرة حيث قضى شهرا في سجن تنغير جراء معارضته لنتائج الانتخابات المحسومة سلفا.
شكلت سنة 1962 سنة فاصلة في نضال علي أوطالب الشاب، والذي أبدى معارضة للدستور في سياق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية التي اعتبرته دستورا ممنوحا يكرس هيمنة الطبقة السياسية المحافظة. هذه المعارضة أدت إلى إيداعه السجن مرة أخرى لمدة 35 يوم تجرع خلالها كل ألوان التعذيب.
تطورت الأحداث بعد ذلك وبالضبط بعد سنة 1965، ونظرا لما عرفه المغرب من بدايات الدخول في سياق سنوات الرصاص، والتي أفضت إلى المواجهة المباشرة مع المخزن، خاصة بعد اغتيال المهدي بن بركة. توج الأمر بعدها بأحداث 1973 على مستوى تنغير، والتي تعرض فيها المناضل (علي) للسجن مرة أخرى مع مجموعة المناضل الكبير حمو أوباعلي الذي قض مضجع المخزن لعقود من الزمن.
توفي المناضل علي أوطالب في شهر أكتوبر 1990، حاملا معه سجل ملئ بالنضال والمثابرة، وكان هدفه في ذلك المساهمة في تحقيق مغرب ديمقراطي يؤمن بحق الجميع في العيش الكريم، ودون أن يستفيد حتى من رد الاعتبار له لكونه لم يحصل على صفة مقاوم لأسباب سياسية عديدة، ولتوجهات ذاتية تحكمت في القائمين على الوضع آنذاك.
ورغم عمل الدولة المغربية على طي ملف ضحايا سنوات الرصاص بفتحها لملفات شائكة ابتداء من سنة 2004،ومن بينه ملف المناضل (علي) الحامل لرقم 2684، المقرر التحكيمي 1905 بتاريخ 30 نونبر 2005، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مستوى تعويض أنين سجون المغرب في سنوات الستينات والسبعينات وآهاته.
وبالتالي وجب التفكير في سبل جديدة رهينة برد الاعتبار لكل ضحايا سنوات الرصاص، ومنح صفة المقاومة لكل المغاربة الأحرار الذين ضحوا بالغالي والنفيس بعيدا عن منطق المزايدات السياسية والمحسوبية والانتماءات الحزبية والمكانية.