الزهرة إبراهيم - مكناس / جديد أنفو
الجموح السابع
"جْبَلْ الْمَلْحْ" أو الوَقْفُ الْحِرِّيفُ
من القضايا الملتبسة في تاريخ زاوية آل سيدي عبد الجبار تدبير استغلال "جبل الملح"، وهو وقف يبعد عن فجيج بما ينيف عن 80 كيلومترا على طريق سد "الصفيصف" إلى اليسار، ويتكون من منجم للملح، وعدد من أشجار النخيل على طول الوادي الممتد، هناك، عبر منعرجات شقتها المياه على مدى القرون.
ولعل استغلال ملح هذا المنجم، وكذا غلال النخيل، في مواسم إثمارها، باعتبارها العائد الذي يفترض استفادة الزاوية منه، هو ما بقي على الدوام مرتبكا وغير واضح المداخل والمخارج. فكيفية تنظيم هذا الاستغلال، وتوجيه عائداته لصيانة ما يجب صيانته من معمار المسجد الكبير، وضريح العلاّمة المحاذي له، وكذا التفكير في تأسيس مرافق جديدة مثل كتاتيب قرآنية، وخزانة مهمة، ودُور لاستقبال طلبة العلم وإيوائهم، وتعيين مدرسين يتعهدونهم لتعزيز الدور التربوي والتعليمي للزاوية، كما كانت خلال عهد مؤسسها وبنيه ما بين القرنين التاسع والعاشر الهجريين... حتى أن استعادة اسم "دار العُدّة" كذكرى علمية لعهد ساد ثم باد، لم يكن قط عملا يمت لبني هذه الزاوية بصلة، وكان على تاريخهم المعاصر أن يظل شاهدا على تبدد إرثها العلمي الباهر الذي سرت بذكره الركبان قرونا وقرونا. لقد ظلت "دار العدة" على حالها المتردي حتى العقد الأخير من القرن الماضي، ليشهد مبادرة لأحد الدارسين المهتمين، فيؤسس خزانة يَسِمُها بنفس الاسم، ويعيد شبه حياة لقلب القصر، علما بأن تلك المبادرة قد لاقت العديد من الإكراهات والعراقيل المبيتة، ولا تزال. والغريب في الأمر أن عددا من الأمور المتعلقة بالمسجد تأتي من متطوعين محسنين، كفرش المسجد بالزرابي، وتثبيت مكيفات لاتقاء الحر، لا سيما خلال شهر رمضان الذي بدأ، منذ أربع سنوات، يصادف رمضاء الصيف.
من أجل إضاءة المسألة، ورد الكثير من التأويلات، ثمة أسئلة يحق لنا طرحها:
1. هل توجد وثائق قانونية تنظم استغلال هذا الوقف؟
2. بأية صفة استمر استغلال منجم "جبل الملح" لعقود طويلة؟ وأين صرفت مداخيل ذلك الاستغلال؟
3. مَنْ هي الأطراف المعنية بالاستفادة من هذا المنجم؟ وما هي النِّسَبُ المقتسمة إذا كانت هنالك نِسب؟
4. هل صحيح أن مستخرجات "جبل الملح" تحتوي على أحجار شبه نفيسة كما يروج هنا وهناك خلال السنين الأخيرة؟ وما علاقة هذه الإشاعة بالحرص المفاجئ لمجموعة من أعضاء الرابطة بمباشرة ملف "جبل الملح"؟
5. ما علاقة المستثمر الأجنبي بـ "جبل الملح"، كيف جاء؟ وماذا استنفد؟ ولِمَ غادر؟
6. ما هي صيغة التعاقد القانونية بين أصحاب الوقف وبين مستثمري هذا المنجم ؟ وبأية آليات قانونية؟
7. هل هناك أرشيف محفوظ لهذه لوثائق لدى إدارة مّا والأطراف المعنية طيلة تاريخ استغلال "جبل الملح"؟
8. هل تتدخل، مثلا، جهات معنية في مراقبة سيرورات استثماره كوزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة؟
9. من يمتلك سلطة فتحه، حينا، وغلقه حينا آخر؟
10. ما هي التدابير التي سمعنا عنها في أحد اجتماعات الرابطة سنة 2011، وأين وصلت؟ نتساءل: لم انقطع صداها، على الأقل، على عدد منا؟ علما بأن الإجراءات، كما علمنا من مصادر موثوقة، جارية، منذ زمن، مع نظارة الأوقاف؟ لا سيما بعد إنشاء السد وما ترتب عنه، كما قيل، من اجتزاء أراضي من هذا الوقف؟!
11. كيف تخطط رئاسة الرابطة لاستثمار العائدات وفق مقاربتها الجديدة؟ وما حظ المَعْلَمَة العلمية منه، بشكل يخدم الصالح العام للمعالم الدينية لقصر المعيز الذي آل إلى السقوط حتى في محيط المسجد الكبير، عوض أن تنحدر إلى حسابات لم تكن أبدا واضحة في أرقامها، قبل الفاصلة ووراءها.
12. ما هي السيرورات التواصلية والإعلامية المعتمدة من طرف رئاسة الرابطة لإخبار المعنيات والمعنيين بهذه المسألة، أولا بأول، بواسطة محاضر، وتقارير، ومتابعات، لأن الحق في المعلومة مكسب لا مجال للمساس به، وذلك، حفاظا على ما تم التبشير به، في العهد الجديد من شفافية في التخطيط، والتدبير، والتسيير، والتقويم، درءا لما يترتب عن هذا التعتيم من تفكيك عُمُدِ الرابطة ودحرها نحو الارتجاج والنُّثَار.
13. اقتراح عملي : في زمن التواصل والاتصال، لا بأس من أن تفكر رئاسة الرابطة في فتح صفحة للتواصل الاجتماعي، عبر الشبكة العنكبوتية خاصة ببناتها وأبنائها، ليجد، كل من رغب في متابعة الشأن الداخلي، فرصته في التعرف على تاريخ الزاوية، والتداول حول القضايا الأساس بشكل مباشر ومداوم، وفي طرح السؤال، كلما جد جديد، قصد الاستفسار، والحوار، والإقدام على نقاش صريح ومسؤول يسعى إلى تدارك الهنات، ورأب التصدعات مهما باعدت بين هؤلاء المسافات، كيما ليشكلوا قوة اقتراحية، وإن اختلفت الآراء بينهم والمرجعيات، حتى يكون أمرهم شورى بينهم، لا همسا ومناجاة "مُكَوْلَسَة" بين فئة منهم، لأن الاختلاف رحمة وتنوع، وفيهما يكمن الغنى الحقيقي في تدبير إشكالات الوجود البشري، خاصِّها، وعامِّها.
يحتاج الوضع إلى تحرر من هيمنة الرموز، والذهنيات التي أثبت التاريخ اضمحلالها، حتى تتأتى خلخلة إعادة إنتاج النماذج، كما يستدعي تفعيل "حس مشترك"، نحو "حس عملي" بمفهوم سوسيولوجيا بيير بورديو، أعني، شروط تَمَثُّل، وقراءة، وتحليل مغايرة لواقع هذه البنية المرتبكة في تجاذباتها، فتتحرر، بالتالي، من سلطة المقولبات، ومكبوتات اللاوعي المشترك، بمفهوم كارل غوستاف يونغ، وذلك لاستيضاح ما تخفيه عتمات واحدة من واجهات مغرب عميق يتآكل في بنياته المادية، ويتعثر في اشتغالاته الفكرية... فلربما يلتمع نجم ثاقب يبين للأبصار وللبصائر المسالك الحقيقية للتغيير... نحو الأفضل...
( يتبع ...)