الزهرة إبراهيم - مكناس / جديد أنفو
الجموح الخامس
يخرِّبون بيوتهم بأيديهم... فاعتبروا يا أولي الأبصار
ماذا عن "إسْقِيفَنْ" وخراب العمران بقصور فجيج؟
من الإجراءات المتخذة من طرف المسؤولين المركزيين والمحليين، وبمساهمة جهات معنية بالعمران في بلادنا- بعد الأمطار الطوفانية بفجيج سنة 2008، وكذا سلسلة الانهيارات التي عرفتها عدة مدن مغربية سواء في أحياء بعض المدن القديمة، كفاس، ومكناس، والدار البيضاء، والقنيطرة... أو في بعض التجمعات السكنية ذات البناء العشوائي أو المغشوش، مما أودى بحياة العديد من الأفراد والعائلات والعمال- افتحاص وضعية المعمار القديم خصوصا، من مساجد، وأزقة، ودور سكنية، وكل المرافق التي يغشاها المواطنون حفاظا على أرواحهم وممتلكاتهم.
وعلى غرار ما تم، على سبيل العد لا الحصر، من تدعيم لأزقة المدينة القديمة بفاس، شاهدنا منذ ثلاث سنوات تقريبا وجود عمد من خشب في بعض من أزقة قصور فجيج. وحتى أقدم نموذجا محددا، أحيل على الزقاق الذي يربط بوابة قصر المعيز من "تميزرت" باتجاه الجامع الكبير، وتحديدا عند المنعطف الثاني، فقد تم تثبيت ركائز من خشب لدعم السقوف، على وجه الخصوص، لا سيما وأن سلسلة الانهيارات التي ردمت عددا مهما من دور القصر لم تكن بعيدة عن هذا الشريان الحيوي الذي ما زال المصلون المواظبون، على الأقل، يعبرونه خمس مرات يوميا للصلاة بمسجد العلامة سيدي عبد الجبار نفعنا الله بعلمه.
وأثناء مرحلة الدعم هاته، وفي انتظار ترميم وإصلاح شروخ بعض الجدران، واهتزاز عدد من السقوف، لاحظت الساكنة اختفاء لافتا للنظر لعدد من العمد التي لا يعرف أحد بالتحديد مآلها. فكثرت الاحتمالات والتأويلات.
لكن ثمة دروب لم يتم الاهتمام بها، ولا حتى دعمها، حتى أنها أصبحت غير سالكة من جراء الردم الناجم عن تهاوي الجدران والسقوف، وبالنسبة إلى بعض المنازل التي لا زالت قائمة، يحصل، في أحسن الحالات، إسكان بعض البدو بها، للحفاظ عليها من السقوط، لكن، يساهم بعض منهم في التسريع بتدميرها، وذلك بإزالة خشب سقوف بعض الغرف أو أجزاء من الفناء الفائض عن الحاجة، ليستعملوها كحطب للتدفئة أو الطهي.
فمشاريع الترميم الذي خص مجموعة من معالم المدينة، لم يلتزم بالخطة المبدئية للترميم كما حدث بالنسبة إلى مأثرة "أجدير"، حيث بدأته مهندسة فرنسية، لكنها لم تكمله كما كان منتظرا، بل تم تحويل العملية إلى طرف آخر. وداخل عملية التحويل هاته، نقط غامضة تُفَرِّع قضايا عدة في التخطيط، والتسيير، والتدبير، ثم مصير نسيج عمراني عريق إذا تصدع، تصدعت معه ذاكرة فجيج!.
إن حالة المعمار الطيني بقصور فجيج تستدعي حرصا أكبر على متابعة شروط السلامة فيها، تجنبا لكوارث محتملة، وأيضا، عناية مركزة بنمط من البناء ذي الخصيصات الهندسية، والإيكولوجية، والثقافية المتميزة.
وبما أننا لسنا في "المدينة الفاضلة"، وبما أننا لا نقبل بتشييد تمثلات وهمية ومُوهِمَة عن واحتنا، فنقدسها تَعَصُّباً وعزة جاهلية، وبما أن أزمنة المسكوت عنه قد ولت، لغير رجعة، لصالح زمن المقاربات الموضوعية، ومواجهة معضلات الأوضاع المختلة، بطريقة عقلانية بعيدة عن الانفعال والحمية التي لاتقدم نفعا يذكر، والقصد السليم هو التفكير في تحليل الإشكالات والبحث عن بدائل ناجعة، للرقي بها نحو الأفضل، فإن غياب أو تغييب خطة صيانة هذا المعمار تبدو عاجزة عن تأهيل شامل للقصور يبوئ فجيج مكانة معتبرة لدى المنظمات الدولية المتخصصة في صيانة التراث الإنساني وتصنيفه. ولعل واقع جزء من "قصر المعيز" و "الحمام الفوقاني" و "أولاد سليمان" يؤكد تراجع مجموعة من القناعات والقيم لدى الساكنة، أولا، قبل المسؤولين. ذلك أنهم يفضلون أن يبقى الردم والانهيار على حالهما، إلى الأزل، بذريعة مشاكل الإرث، عوض الترخيص لجهات معنية بالترميم في إطار شراكات وطنية ودولية، ومنح هذه الفضاءات حلة جديدة ووظائف حيوية تفيد المجتمع. وفي هذا السياق، أنوه بالموقف الحكيم لورثة منزل "آل كودان" الذين قدموا جزءا مهما من بيتهم الكبير لهذه الجهات قصد رأب صدوعه، وتحويله إلى مرافق وأوراش يحتاجها الشباب والأطفال والنساء. بل وتحافظ على تاريخ عريق للأسر في منابعها الأصل.
في زمن الآباء والأجداد، حين كان يسقط جدار، أو يخرب طريق أو ساقية أو قبو بسب الأمطار أو غيرها، كان الكل يسارع بروح "التويزة" لبناء "تماسخت"، لكن في الوقت الحاضر، يعود الخلف إلى موروثهم، يتأملون خرابه واندثاره فلا يحركون ساكنا، ويسهل لديهم إيجاد أعذار شتى لهذا التهاون في حق نمط معماري يمثل قمة في الخبرة بنوعية السكن المناسب لجغرافيا المنطقة وتاريخها. ناهيك عن اللغو الذي يتعالى هنا وهناك من دون أن يفيد قيد أنملة.
ومن الغرائب المتصلة بهذه القضية، أن بعضا من أبناء قصر المعيز الغيورين العاملين بالخارج، قد تطوعوا وجمعوا اعتمادا من أموالهم الخاصة، فأصلحو ورمموا جزءا من أزقة القصر المتصل بمساكن آبائهم وأجدادهم، فعاد إليها رونقها ودفؤها. لكن واحدا من ذوي الأطماع الانتخابية، روّج في حملته أنه هو صاحب الفكرة وصاحب الإنجاز، وقال وردد بأن فضل هذا الإصلاح لولاه ما كان؟؟!!.
يحق لنا أن نتساءل: أي مستقبل لتسيير الشأن المحلي بفجيج، وبعض من الذين يطمحون إلى النجاح في الانتخابات يؤسسون مشروعهم الانتخابي، بادئ ذي بدء على الكذب والادعاء المفضوح؟
حري بكل من له انتماء صحيح إلى القصور أن يسلك مسلك الشباب المهاجرين، وأن يشجب سلوك الـ "مشروع منتخب"، ويقوِّم سلوكه بوسائل شتى، بإعادة التكوين، وبدروس الأخلاق والمواطنة، وشجب الكذب والادعاء، الذي، للأسف، يطغى على سلوك الكثيرين داخل وسط عُرِف منذ القديم باستقامة أهله وتقواهم، فسرت بذكرهم الركبان، كما يقال.
إن ترك هذا المعمار يلقى مصيرا من الخراب الشامل نوع من الظلم وإعاثة الفساد في حق موروث إنساني، واستخفاف بأوضاعه الهشة، ثم إن السكوت عن هذا الوضع، من طرف أصحابه، أولا، ومن طرف الجهات المسؤولة، ثانيا، بما أفرز، ثم ما سيستتبع من تداعيات جسيمة، يعرِّض، لامحالة، مقدرات القصور وتاريخها إلى ريح صرصر عاتية... حذار! ثم حذار، فنحن، نُدان ألف مرة، كل ثانية، من مناظر الخراب.. وأعجاز النخل الخاوية! .