زايد جرو - تنغير / جديد أنفو
الإعلام الإلكتروني ثورة في نقل المعلومة وتداولها وثورة في التواصل، وثورة في خلخلة قوى المؤسسات الإعلامية االورقية، ولا يمكن بودج يراع منتفخ أو بخربشة على قرطاس، أن نقزم فعله وإنجازه، ولولا ذاك الإعلام ما عرف الناس الشهادات المحكية، عن المخلوقات الخفية بالجنوب الشرقي العميق، المنطقة الممتدة طولا وعرضا على امتداد واحات خضراء، وجبال احمر واسود لون جنادلها صبرا ومقتا وانتظارا، استوطنتها قبائل يشهد لها الزمان والمكان بالوجود والتواجد، فدونت إنجازاتها كتب تاريخ الشعوب، وكتب تاريخ الملوك، ولم تبخس ملاحمها كتب الأحكام السلطانية ، وهي منطقة مهمشة بامتياز اقتصاديا وثقافيا وعمرانيا وإعلاميا ، وفي السنوات القليلة التي مرت على تبني الحداثة مع التطور التقني والتكنولوجي والإعلامي في المشهد السمعي البصري والمكتوب ظهرت منابر، إعلامية ورقية وإلكترونية أعطت للجنوب الشرقي حظوة الإثبات والكينونة فنمت النقطة، وكبرت المحبرة، واتسعت العبارة، وتزايدت الحرية، لكل الكتاب وغير الكتاب وتطورت القراءة العادية والعالمة وأصبحت الخاصة والعامة من القوم، يتابعون الأحداث ويفهمون ما وراء الأحدث.
والتطور الإعلامي الإلكتروني نور المشهد الثقافي واللغوي والفكري في كل المناطق الظاهرة منها والباطنة فتولدت بانتشاره معاجم لغوية وتراكيب إعلامية حديثة بديلة لتراكيب إعلامية كانت وما زالت متداولة فظهر مصطلح "صحافة المواطن " التي قد يعني أن كل مواطن "وقد هنا تفيد التوقع والتقليل لا التحقيق" بإمكانه أن يحصل على خبر وينشره ، وقد يحمل المصطلح بعض معاني الراوي الذي يُجمع على رواة والذي وضع له النقاد القدامى شروطا لتصح روايته لما جمعه من أخبار، حول لغة وثقافة ونمط عيش قبيلة من القبائل، فصنف النقاد الرواة بين رواة صحت أخبارهم بالمتن والسند، وبين رواة هزلت أخبارهم وضعفت، فلا يعتد بروايتهم فدون التاريخ رواياتهم معا : الصائبة والزائفة. لكنهم لم يحاكموا ولم يعاقبوا، حسب ما أعلم من نتف الأدب والتاريخ ، راويا بالسجن أو الرجم لأنه اجتهد ولم يصب .
وما نلاحظه حاليا أيضا من خلال التطور اللفظي والتركيبي دائما في المشهد الإعلامي بروز لفظة "الإعلامي" "والصحفي " فتنعت بها الأشخاص : الإعلامي فلان...الصحفي فلان ، وفي العديد من المنابر الإعلامية نقرأ: توصلنا من الصحفي فلان بمقال إعلامي في موضوع كذا، .... والصفة لا يمكن أن يحملها المعني على بطاقة هويته إلا بناء على وثائق تقدمها إدارة الأمن الوطني، تثبت من خلالها المهنة ولا تسلم هذه الوثيقة الصفة، إلا بناء على شهادة مسلمة من المعهد العالي للصحافة بعد سنوات من الدراسة أومن معاهد خاصة بعد سنوات من التكوين أيضا، وربما تتطلب هذه الشهادة المطابقة بناء على قوانين مؤسسة المعهد العالي للصحافة. فحينما أقول أنا صحفي وإعلامي، ولا أحملها على بطاقتي الوطنية، فأنا أخالف القانون وأنتحل صفة أخرى، لأن القانون لا يسمح لي بممارسة مهنتين .فما هي عقوبتي في هذا الانتحال ذي القضية الجنحية في القانون الجنائي؟ ، فحسب ما قرأت في عدد جريدة الصباح ليوم الثلاثاء، 08 أكتوبر 2013 تحت عنوان : "انتحال صفة.....جريمة ذات أبعاد خطيرة "، تقول الجريدة :
"إن المشرع المغربي أقر بخطورتها ( انتحال صفة) وخصص لها فرعا كاملا في القانون الجنائي، عنونه بجرائم انتحال الوظائف أو الألقاب أو الأسماء أو استعمالها بدون حق، واعتبر في الفصل( 380) منه أنه من تدخل بغير صفة في وظيفة عامة، مدنية كانت أم عسكرية، أو قام بعمل من أعمال تلك الوظيفة، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، ما لم يكن فعله جريمة أشد."
وفي الفصل الذي يليه أن من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون أو شهادة رسمية أو صفة حددت السلطة العامة شروط اكتسابها، دون أن يستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب أو تلك الشهادة أو تلك الصفة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد"
فحين نقرأ ما كتبته الجريدة من عقوبات وغرامات ندرك مما لا مجال للشك فيه بأن كل التغطيات التي ننجزها أو نتوسط فيها ما لم نكن محميين بقانون، فإننا لا محالة في المحاكم واقفون، وسنعاقب بقضايا جنحية حسب القانون الجنائي السالف الذكر .
قد تمنحنا بعض الجرائد الورقية بطاقة مراسل، وهي موقعة من إدارتها، فيها الرقم والسنة ، ولا يمكن بأي حال أن نقول: " نحن صحفيون "، فكيف نحمي النفس من القانون؟ وكيف نحمي أنفسنا من الاستجوابات مع السلطات المعنية وتجنب تسجيل المحاضر باسم انتحال صفة؟ .
الإجابة على السؤال طبعا تكمن أساسا في ضرورة أن نوجه كتاباتنا نحو الاحترافية في العمل من أجل إخراج قانون الصحافة الإلكترونية الذي بقي رهين الرفوف منذ مدة، في كتاب أبيض، ففي الوقت الذي تقوم به الصحافة الإلكترونية بدور فعال في كل المجتمعات ولا يمكن إقصاء دورها فلا بد إن كانت الحكومة تقر بدولة المؤسسات فيجب الإسراع في إخراج القانون الذي سيحمي المشتغلين في الميدان .
ومن بين ما قرأته في الكتاب الأبيض أن أي جريدة إلكترونية أرادت أن تشتغل بشكل قانوني يجب أن تتحول إلى شركة إعلامية أولا...: ومن بين شروط الإشراف ألا يكون المعني موظفا لأنه لا يسمح له بمزاولة مهنتين، والشركة لابد لها من مقر واسم و"بطانطا "واعتماد مالي وعنوان، ومسير ولابد من مدير له شهادة تثبت تخرجه من معهد الصحافة وأن يكون مزاولا للمهنة مدة من الزمن وغير ذلك كثير ..
و المفارقة غير القابلة للاختزال في كون العديد منا لايستطيع في تغطياته الانفصال كليا عن مجتمعه التقليدي المتجلي في القيل والقال البعيد عن العمل المهني، مما يورطنا أكثر في عواقب الفصل ( 380 ) وما بعده فنتسابق في الإعلان المبكر عن الحدث دون أن نضبط ما نكتب، ويحرضك القراء على الجرأة الزائدة ويريدون توريطك أكثر ويرددون نحن نريد إعلاما حقيقيا وهم يعرفون الكتابة ولا يستطيعون فعل ذلك خوفا من تبعات القانون، فيحللون لأنفسهم الصمت والكتمان والخذلان ويكتبون تعاليق السب والشتم على ما تكتب ويدفعون بك للتهلكة والخسران وهم يعلمون بأن بطاقة الموقع الإلكتروني هي مصنوعة " بالفطو شوب أو فوطو فيلتر" ودون توقيع ولا بصمة إشهاد...إلا بعض البطائق المسلمة من الرابطة ولا أدري قانونيتها .... والله هي الخطورة بعينها والحل طبعا في كل أنحاء الوطن أنه يجب تقنين العمل الصحفي والنضال والصمود من أجل إخراج القانون المنظم للصحافة، أما أن نشتغل بهذه الخطورة فليس من المعقول في شيء، وأسأل نفسي وإياكم هل يستطيع منبر إعلامي إلكتروني أن يتحمل مسؤولية الوقوف بجانبك في المحكمة أمام القاضي ليقول أنا الذي كلفته بالتغطية الإعلامية ؟ طبعا لا يمكن، سيكتفي بنشر الخبر التالي : نتضامن مع الإعلامي فلان ونندد بمحاكمته غير القانونية، وهذا تعسف في حق الإعلام الحر وصحافة المواطن... ومن سيقف في المحاكم أمام منبر إعلامي عندما يسيء للناس وللشخصيات العادية وغير العادية ؟ الفعل الوحيد الذي ستقوم به هذه الجرائد هو التنديد بقمع الحريات وتصدير حق المواطن في الحصول على المعلومة وستصدر الرابطة بيانا تنديديا تضامنيا مع الموقع المتهم .... وستسمع في المحاكمة وبعدها الكلام الذي يفتق السمع واللوم والتقريع والتعنيف من الناس الذين كانوا يقرؤون لك ويتابعون أخبارك وأمام أبصارك يصرحون علانية لا سرا : ما كان عليك يا صاحبي ، ويا ابن أمي، أن تفعل ما فعلت، ولا أن تقترب من ذلك، ومن الذي رمى بك في الكتابة، فأنت صاحب مهنة، وبيت وعيال ، فانتبة لمهنتك وأبنائك، وذاك ما ستحاسب عليه في الدنيا والآخرة.
ختاما الإعلام لا يمكن ولا ينبغي أن ينعزل أو يبتعد على المجتمع و يجب ألا نستسلم وراء الطلب الملحاح لإخراج قانون الصحافة لحماية كل المشتغلين في الميدان، لنبني إعلاما حقيقيا، ومثل هذه المواضيع هي التي يجب أن نوسع فيها النقاش أكثر تجنبا لانتحال صفة.....وهي جريمة ذات أبعاد جنحية في القانون الجنائي .