سكت وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني طيلة كل هذه المدة، وتحمل سماع الاتهامات التي تخص عرضه لكي ينفجر في النهاية في وجهي ويهددني بالمتابعة القضائية. فأنا أصبحت هو الحائط القصير الذي يريد وزراء بنكيران القفز عليه كلما عجزوا عن القفز على الحواجز الموضوعة أمامهم.
لقد كان على الشوباني، عوض أن يشتمنا في بلاغ رسمي، أن ينشر اللائحة الكاملة في موقع الوزارة الإلكتروني بأسماء الشركات ومبالغ الصفقات التي صرفها على حواره الذي لم يأخذ بنتائجه أحد.
لو فعلها الشوباني كان سيكفينا مشقة البحث والتنقيب، وكان سيعطي للجمعيات التي تطالبها الأمانة العامة للحكومة بجرد مفصل لمصاريفها، مثالا حيا على الشفافية والنزاهة.
كيف تطالب الحكومة الجمعيات بتبرير مصاريف الدعم الهزيل الذي تتوصل به بينما وزارة الشوباني ترفض إخبار دافعي الضرائب بأوجه صرف مليار و700 مليون من أموالهم؟
لماذا إذن يا ترى يستقوي علينا وزير العلاقات ويستعرض عضلاته؟
لأننا ببساطة نشرنا أسماء الشركات التي استفادت من «خبزة» الحوار الوطني حول المجتمع المدني، وظهر أن من بين الشركات ما تعود ملكيتها إلى إخوان للشوباني في العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح.
سعادة الوزير المكلف بالعلاقات لم ينف المعلومات الموثقة التي نشرناها بخصوص هذه الشركات، بل إنه أكدها، وكل ما وجده سعادته لتبرير اختيار وزارته لهذه الشركات المقربة، هو أنه لا دخل له في هذا الاختيار ملقيا بالمسؤولية على عاتق المصالح الإدارية والمالية لوزارته، معترفا في الوقت ذاته بأن هذه المصالح لديها كامل التفويض للقيام بذلك، وكأن التفويض أعطيته لهم أنا وليس هو.
السيد الوزير يقول إنه لا يقوم بالبحث في هوية أصحاب الشركات التي تتقدم للمشاركة في صفقات وزارته أو في انتماءاتهم الحزبية، وإنه لا يتلصص على هويات وانتماءات القائمين على هذه الشركات لأن ذلك ليس من أخلاق الإدارة الحريصة على النزاهة والمهنية.
طبعا لن نعلق على الشتائم التي ساقها «الحبيب شوشو» في بيان حقيقته، والتي جعلت مني مغرضا أفاكا «منخرطا في جوقة الإفك التي تزيد حرارتها مع اقتراب موعد المنازلات الانتخابية بهدف الإساءة إلى التجربة الحكومية وبهدف تنفيذ أجندات غامضة لجهات معادية للحكومة ولرئيسها ووزرائها» كما كتب السي الحبيب «رهيف القليب» في بيانه.
وكل ما سنناقشه مع وزير العلاقات هو الخبر المتعلق بكيفية صرفه للمال العام، أما الشتائم فلن نرد عليها بمثلها أو بأحط منها، لأننا لن نتفوق في ذلك عليه وعلى زملائه ورئيسهم في الحكومة، فهم قد تفوقوا في هذا الباب على الجميع ونالوا شهادة العالمية في سب وشتم كل من يخالفهم الرأي أو ينتقد طريقة تدبيرهم لأموال دافعي الضرائب.
ليسمح لنا السي الحبيب عاشق «المجهول»، التمر طبعا، والذي بالمناسبة ننصحه بعدم الإفراط في استعماله نظرا لتأثيره القوي على «النشاط» الجسدي، أن نثير انتباه سعادته إلى أنه مطالب بالفعل بالتلصص على انتماءات وهويات القائمين على الشركات التي تفوز بصفقات وزارته، مثلما نحن أيضا كصحافة مطالبون بالقيام بهذه المهمة، فهذه هي مهمة صحافة التحقيقات الجادة والباحثة في طرق صرف الموظفين العموميين لأموال دافعي الضرائب.
ولذلك، وعملا بهذا المبدأ الصحافي العالمي، فإننا باشرنا التحقيق، الذي يسميه الوزير تلصصا، على هويات وانتماءات أصحاب الشركات التي أوردنا أسماءها في مقالنا التحقيقي، واستنتجنا أنهم مقربون من الحزب الحاكم وحركته الدعوية، بل إن منهم من هم أعضاء فاعلون في الحزب والحركة.
والنتيجة هي ما قدمناه لدافعي الضرائب من معلومات لم يجد سعادة الوزير الحبيب «رهيف القليب» من حل سوى تأكيدها.
السي الحبيب «هشيش القليب»، نسي وهو يقول إن من يتحمل مسؤولية إعطاء الصفقات هي المصالح المالية والإدارية لوزارته، أنه بحكم القانون يعتبر سعادته الآمر بالصرف، وبالتالي فهو من يتحمل المسؤولية القانونية والسياسية عن كل ما يصرف باسم وزارته. «ولاش حاطينك نتا تما، توريست زعما»؟
ثم إن الوزير الحبيب عندما يقول إنه لا يتلصص على انتماءات وهويات أصحاب الشركات التي تتعامل معها وزارته، يكشف عن خلل خطير في تدبيره لمسؤولياته، إذ كيف سيكون موقف الوزير سياسيا عندما ستمنح مصالح وزارته صفقة لصاحب شركة ذي نزوع انفصالية مثلا، وهم موجودون؟
وعندما يقول سيد الحبيب إن الصفقات التي منحتها مصالح وزارته راعت مبدأ المنافسة، فإنه يمارس التضليل على الشعب، فنحن نعرف أن الصفقات التي تكلمنا عنها لم تخضع لقانون الصفقات العمومية حتى يتحدث لنا سعادة الوزير عن مبدأ المنافسة، ببساطة لأن قيمة هذه الصفقات لم تصل سقف المبلغ الذي يحدده القانون لكي تخضع لمسطرة الصفقات العمومية.
نحن هنا نتحدث عن طلبات خدمة، تندرج ضمن ما يسمى «Consultation»، حيث تبادر الوزارة إلى اختيار ثلاث شركات وتطلب منها تقديم عروض قبل أن تختار العرض الأقل من حيث السعر والأحسن من حيث الجودة.
وغير خاف عن أصحاب الاختصاص في مجال الصفقات العمومية، أن بعض المدراء في بعض المؤسسات العمومية يطلبون مشاركة شركتين معروفتين في الصفقة ثم يعمدون إلى حشر شركة ثالثة معهما تتقدم بالسعر الأقل، من عيار الشركات التي سماها عزيز رباح «الشركات الموجودة في الكراطن»، وبالتالي يتم اختيار الشركة الكارطونية في النهاية وتكون الشركتان الأخريان قد شاركتا في الكاميرا الخفية.
لقد كان سيسيئني أن يرفع وزراء هذه الحكومة دعاوى قضائية ضدي لو أن هذه الحكومة التي ينتمون إليها كانت مثالا للاستقامة والنزاهة ونكران الذات والرأفة بالبسطاء والمحرومين والكادحين، في مقابل الغلظة والشدة على الأقوياء الظالمين ولصوص المال العام.
أما وأن هذه الحكومة ورئيسها تركوا مقاضاة اللصوص والفاسدين الذين نهبوا خزائن الدولة وعاثوا في الأرض فسادا، وجاء ذكر جرائمهم في التقارير الرسمية وأصبحوا بفضل الحصانة التي منحهم إياها وزير العدل يتفاخرون بجرائمهم ويتطاولون على الأنقياء ويهددونهم بالرمي في السجون التي هي أولى بهم من أي شخص آخر، بعدما تركوا كل هذا وتفرغوا لمقاضاتي وجرجرتي أمام المحاكم لمجرد أنني أنغص عليهم حلاوة عيشتهم الجديدة، وكأنني أنا من يمنعهم من تطبيق الإصلاح الذي جاؤوا من أجله، فإنني والله لأشعر بفخر ما بعده فخر وبزهو ما بعده زهو وأنا أقف أمام المحاكم بسببكم.
فلو أنكم فعلا صادقون في ما تدعون وراغبون في محاربة الفساد والاستبداد لشعرت بالخجل من نفسي كلما أوقفني أحدكم أمام القضاء، ولكنكم كشفتم عن وجهكم المنافق وقلوبكم السوداء المليئة بالأحقاد، وأظهرتم أن محاربة الفساد والاستبداد كانت مجرد شعار غالطتم به الشعب في غفلة من الزمن، فلذلك كلما وقفت ضدكم في قفص اتهام داخل محكمة إلا وشعرت بأنني على صواب وأنكم على خطأ وأن التاريخ محاسبكم ومنصفي لا محالة.
لذلك فتهديداتك السي الحبيب بمقاضاتي لن تفلح سوى في تقوية عزيمتي على متابعة ما أنا فيه من مراقبة حركاتكم وسكناتكم طالما أنكم تتقاضون أجوركم وامتيازاتكم من ضرائب الشعب.
سيشرفني أن أقف في المحكمة ضد حكومة لا يجد وزير فيها غضاضة من إنفاق 300 مليون من أموال الشعب على إعادة تجديد مكتب وأثاث ديوانه وتخصيص سرير لشخصين وحمام في مكتبه.
كما سيشرفني أن أقف في المحكمة ضد وزير لم يتورع عن اقتناء صحن من الشوكولاته بمناسبة عقيقة ابنته من أموال الوزارة.
سيشرفني أن أقف أمام المحكمة ضد وزير لم يتورع عن أخذ مقعد دراسة كان أحق أن تجلس عليه طالبة فقيرة جاءت من الرشيدية تطلب العلم في الرباط.
وزير لم يترفع عن أخذ مكان طالبة في سلك الدكتوراه، فكيف يطلبون منه أن يترفع عن أخذ امرأة من زوجها ليزفها لنفسه؟