ما بين رقصة أحواش في أكادير ورقصة كناوة في الرشيدية يبدو والله أعلم أن رئيس الحكومة سيؤدي أمام الحشود كل الرقصات المغربية المعروفة قبل وصول موعد الانتخابات، ولسان حاله يقول ما قاله الشاعر «لا تحسبوا رقصي بينكم طربا فالطير يرقص مذبوحا من الألم».
رئيس الحكومة لم يرقص فقط بل إنه قال في خطاب الدشيرة الجهادية «قاصح حسن من كذاب»، أي أنه يفضل أن يقول الحقيقة القاسية للشعب على أن يكذب عليه، ولذلك قال إنه لا يملك شيئا آخر غير مشروع لصنع «جافيل» يكلفه عجزا سنويا يصل إلى خمسة ملايين وأنه يتشبث به مع ذلك حرصا على أرزاق العاملين به.
وقد نسي رئيس الحكومة أن يكمل خيره ويخبرهم أيضا أنه يتوفر على مطبعة في ملكيته.
ويبدو أنه تجنب الحديث عن المطبعة حتى لا يجلب عليه أسئلة الفضوليين الذين يحبون حشر أنوفهم في كل شيء، ولو أن المكلفين بالإجابة نيابة عنه حاولوا أن يقنعوا الرأي العام بأن المطبعة ليست في ملكيته وإنما في ملكية حركة الإصلاح والتوحيد وأنهم سجلوها باسمه لأن الحركة لم يكن معترفا بها آنذاك وأيضا لما عرف عن بنكيران من أمانة واستقامة وغير ذلك من الصفات الحميدة.
لكن نحن الصحافيين لا نأخذ بالنوايا بل بالوثائق والمستندات، وما تقوله الوثائق الإدارية والقانونية هو أن المطبعة مسجلة باسم عبد الإله بنكيران، مما يعني أنه قانونيا مسؤول عنها، فضلا عن أن المبرر الذي تم تقديمه متهافت وغير مقنع، فإذا كانت الحركة اختارت وضع المطبعة باسم بنكيران بسبب عدم حصولها على الاعتراف القانوني فلماذا لم تبادر إلى تصحيح هذا الوضع وتسجيل المطبعة باسمها بعد حصولها على الاعتراف قبل سنوات خلت؟
وحتى عندما يقول بنكيران إنه كان رئيسا لحركة الإصلاح والتجديد واضطر لتسجيل المطبعة باسمه، لأن الحركة لم يكن معترفا بها قانونيا، فهذا بدوره كلام لا يستقيم، خصوصا إذا عرفنا أن المطبعة، حسب السجل التجاري، مسجلة سنة 1998، وفي تلك السنة لم تكن هناك حركة الإصلاح والتجديد التي انتهت سنة 1996 باندماجها مع حركة رابطة المستقبل الإسلامي، وتشكيل حركة التوحيد والإصلاح التي تأسست بشكل قانوني، فلماذا لم يتم تسجيل المطبعة باسم حركة التوحيد والإصلاح و«مريضنا ما عندو باس»؟
وبما أن الفضول هو المحرك الأول للصحافي، وبسبب هذا الفضول الزائد بحثنا عن اسم المطبعة وقانونها الأساسي فعثرنا على أشياء مهمة تكشف أن رئيس الحكومة لم يقل الحقيقة كاملة للرأي العام بخصوص ممتلكاته.
وليس هذا فحسب، بل إن رئيس الحكومة استفاد لصالح مطبعته من دعم وزارة الثقافة من أجل نشر كتب، أغلبها لأعضاء في حزبه وحركته الدعوية.
المطبعة اسمها «طوب بريس» ومقرها يوجد بمدينة الرباط، وقد حصلت هذه المطبعة التي تهتم أيضا بالنشر حسب قانونها الأساسي، من وزارة الثقافة، على عهد ولد الباشا الصبيحي خلال السنة الماضية والسنة الحالية على دعم عمومي يفوق 21 مليون سنتيم من أجل طبع كتب ومنشورات قادة حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح.
ما قام به رئيس الحكومة ينطوي على مشكلتين، الأولى أنه أخفى أمر امتلاكه لمطبعة، حتى ولو كان رأسمالها متواضعا فإنها تبقى مطبعة، وهو ما يتعارض مع شعارات الشفافية والتخليق التي يرفعها رئيس الحكومة، أما المشكلة الثانية فهي حصوله على دعم عمومي لمشروعه التجاري علما أن القانون التنظيمي للحكومة يمنع استفادة أعضائها من إعانات وصفقات الدولة.
وحسب السجل التجاري لشركة «طوب بريس» المتخصصة في الطبع والاستيراد والتصدير، والذي يحمل عدد 1170 بالمحكمة التجارية بالرباط، فإن الشركة مازالت إلى حدود الآن مسجلة في اسم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ويوجد مقرها بزنقة كالكوتا بحي المحيط بالعاصمة الرباط، وحصلت هذه الشركة خلال السنة الماضية على 15.5 مليون سنتيم من وزارة الثقافة في إطار الدعم المخصص لدور النشر، وأغلب الكتب التي طبعها بنكيران من أموال دافعي الضرائب هي لقادة حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، بالإضافة إلى مجلة يصدرها البرلماني الاتحادي، حسن طارق، المقرب جدا من زميله في الكلية عبد العالي حامي الدين.
وبالعودة إلى نتائج دعم النشر والكتاب والذي خصصت له وزارة الثقافة مليار سنتيم من أموال دافعي الضرائب، فقد استفادت مطبعة بنكيران من دعم بلغ مجموعه 15.5 مليون سنتيم، خصصت لطبع كتاب «آفاق الحوار الإسلامي العلماني» لمؤلفه محمد جبرون، وكتاب «الإعلام الجديد وتحديات القيم» لمؤلفه هشام المكي، وكتاب «مقاربات في المسألة اللغوية» لمؤلفه فؤاد أبو علي رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية التابعة للعدالة والتنمية، وكتاب «المرأة في الاتفاقيات الدولية» لمؤلفته البرلمانية جميلة المصلي عن حزب العدالة والتنمية، وكتاب «مراجعات الحركة الإسلامية المغربية» لمؤلفه بلال التليدي القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، وكتاب «في الموقف من العلمانية» لمؤلفه سلمان بونعمان، وكتاب «مسارات في تاريخ الحركة الإسلامية» لمؤلفه محمد يتيم عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح.
وقد بلغت قيمة الدعم 15 ألف درهم عن كل كتاب، كما استفادت مجلة «الفرقان» التي يديرها محمد طلابي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، من دعم قيمته 2 مليون سنتيم، واستفادت المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يديرها البرلماني الاتحادي حسن طارق، من الدعم، وكلا المجلتين تطبعهما «طوب بريس».
أما خلال السنة الحالية، وحسب نتائج دعم الكتاب والنشر برسم 2015 التي أعلنتها وزارة الثقافة مؤخرا، فقد استفادت مطبعة بنكيران من دعم بلغ مجموعه حوالي 9 ملايين، خصصت لطبع كتاب «قضايا تربوية ولسانية» لمؤلفه المصطفى بنان، بقيمة 10 آلاف درهم، وكتاب «القيم والإنسان في ضوء التدافع الحضاري المعاصر» لمؤلفه الحسان شهيد، بقيمة 8 آلاف درهم، وكتاب «تأملات في الحريات الفردية» لمؤلفه البرلماني المقرئ الإدريسي أبو زيد، بقيمة 10 آلاف درهم، وكتاب «الأمازيغية: تحولات الخطاب والفاعلين والعلاقات في المغرب الراهن» لمؤلفه محمد مصباح، بقيمة 12 ألف درهم، وكتاب «انشقاق الهوية جدل الهوية ولغة التعليم بالمغرب» لمؤلفه محمد جبرون بقيمة 8 آلاف درهم، وكتاب «الأسرة والقيم بين المقاربتين الوضعية والمرجعية» لمؤلفه محمد إبراهيمي، بقيمة 8 آلاف درهم، واستفادت المجلة المغربية للسياسات العمومية التي يديرها البرلماني الاتحادي حسن طارق للسنة الثانية على التوالي بدعم قيمته 30 ألف درهم، وتطبع في مطبعة بنكيران.
وقد كان سيكون هذا الدعم المالي حلالا على مطبعة بنكيران لولا أن القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانون لأعضائها، ينص في المادة 33 على أنه يتعين على أعضاء الحكومة أن يتوقفوا، طوال مدة مزاولتهم مهامهم، عن ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري في القطاع الخاص، ولا سيما مشاركتهم في أجهزة تسيير أو تدبير أو إدارة المنشآت الخاصة الهادفة إلى الحصول على ربح، وبصفة عامة كل نشاط قد يؤدي إلى تنازع المصالح، باستثناء الأنشطة التي ينحصر غرضها في اقتناء مساهمات في رأس المال وتسيير القيم المنقولة.
لقد قال رئيس الحكومة أنه الرجل السياسي الوحيد في المغرب الذي لا يكف عن الاعتراف بأخطائه، فهل سيعتذر للرأي العام عن خطأ إخفائه خبر امتلاكه لمطبعة عن الرأي العام، وهل سيذهب إلى ما هو أكبر من مجرد الاعتراف بالخطأ ويعيد إلى خزينة الدولة الأموال العمومية التي حصلت عليها مطبعته في خرق سافر للقانون؟
«هيا بقات فالشطيح»؟