فجأة أخبرتنا الصحافة الناطقة باسم رئاسة الحكومة أن شعبية عبد الإله بنكيران ارتفعت، هكذا وبدون مقدمات أو مسببات.
والحال أن الذي ارتفع هو كلفة المعيشة في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، وليس هذا فحسب، الذي ارتفع أيضا، وهذا ما نسيت صحف الطبالة والغياطة ذكره، هو المديونية. فخلال الثلاث سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية للبلاد احتل المغرب الرتبة الأولى عربيا وإفريقيا من حيث حجم الديون، حيث وصلت نسبة المديونية إلى 64 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.
فكيف يمكن لرئيس حكومة أن يغرق البلاد في مستنقع الديون ويتخذ قرارات لا شعبية تنزل بسببها القدرة الشرائية للمواطنين وفي الوقت نفسه ترتفع شعبيته؟
لا بد أن في الأمر خطأ ما، فإما أن من يروجون هذه الإشاعات أغبياء، وإما أنهم يعتقدون أن الرأي العام غبي.
ويبدو، والله أعلم، أن رئيس الحكومة عندما يتحدث عن ارتفاع شعبيته يقصد بالتحديد شعبيته لدى أصحاب البنوك وشركات التأمين ومالكي الشركات القابضة الكبرى، وليس شعبيته لدى الطبقات الوسطى والفقيرة.
والدليل على ذلك أن الأموال التي استنزفها بنكيران من جيوب الفقراء والكادحين عبر الزيادة في المواد التي كانت تستفيد من دعم صندوق المقاصة، والتي مكنت الحكومة من توفير 13 مليار درهم، صبها في حسابات الشركات، خصوصا شركات التصدير، كأموال عن فارق الضريبة على القيمة المضافة من 2004 إلى 2013، عندما وقع لها على شيك تفوق قيمته سبعة مليارات درهم.
طبعا فهذه المبالغ التي حصلت عليها الشركات هي من حقها قانونيا، والحكومات السابقة ظلت تتماطل في دفعها، لكن منح رئيس الحكومة لهذا المبلغ دفعة واحدة وبأثر رجعي يغطي حوالي عشر سنوات يجعلنا نشك في أن وراء هذا السخاء دوافع انتخابية.
فرئيس الحكومة يعول كثيرا على رفع شعبيته في أوساط طبقة رجال الأعمال، الماسكين الحقيقيين لأسباب السلم الاجتماعي، وأيضا بأسهم شركات استطلاعات الرأي. ولذلك اقتطع لهم هذه الكعكة من الأموال التي جمعها من جيوب دافعي الضرائب الذين أقنعهم بأنه سيزيد عليهم في الأسعار لمصلحتهم، وها هم اليوم يكتشفون السبب الحقيقي لسعي رئيس الحكومة لتوفير كل هذه المليارات من الدراهم، فهو لم يطلق بها مشروعا ضخما للتشغيل، رغم أن البطالة استفحلت في عهده، ولم يطلق بها مشروعا لتجهيز القطاع الصحي بوسائل العمل، وكل ما يشغل بال رئيس الحكومة هو أرباب الشركات الكبرى فوزع عليهم شيكات سمينة تعود إلى عشر سنوات خلت، رغم أن الدولة نفسها لديها سنويا 450 مليارا من الغرامات غير المؤداة.
وليس هذا فحسب، فحوالي 70 بالمائة من الشركات التي أهداها بنكيران شيكات بالمليارات تصرح سنويا أنها في حالة عجز وأنها لا تحقق أرباحا سنوية، ومع ذلك فهذه الشركات تواصل نشاطها، مضيعة على خزينة الدولة أكثر من 10 مليارات درهم سنويا بسبب التصريحات الكاذبة حول حالة العجز.
وبمناسبة الحديث عن العجز، فقد صرح رئيس الحكومة بأنه لا يملك شيئا آخر غير شركة لصناعة مواد التنظيف يشترك فيها مع أحد إخوته، وأن كل ما يربحه من هذه الشركة ليس سوى عجز بمقدار خمسة ملايين سنويا، وأنه مع ذلك يصر على بقاء المقاولة ضمانا لخبز العاملين بها.
«ودابا دخلنا عليكم بالله هادا ما قدرش يسير شركة ديال جافيل غادي يقدر يسير بلاد»؟
وطبعا فليس بسبب هذه الهدايا التي قدمها رئيس الحكومة للشركات الكبرى أطلقت النساء المشاركات في مسيرة الثامن من مارس زغاريدهن عندما مررن بالقرب من بيت بنكيران بحي الليمون. فقد قال في آخر خرجاته أن نسوة شاركن في المسيرة التي نظمتها «الحركة النسوانية» بمجرد ما مررن ببيته «عطاوها للتزغريت»، وليس هذا فحسب بل إنهن بدأن يصلين ويسلمن على النبي.
هكذا أصبح بنكيران يتخيل نفسه وليا من أولياء الله الصالحين تأتي النساء للتبرك به والتمسح بجدران بيته بسبب كل الكرامات التي ظهرت في عهده، ومنها الأمطار التي أصبحت تسقط في موعدها، جارفة معها مدنا بحالها، ومنها الربيع العربي الذي «حشه» بنكيران من «الجاديرا» وأطلق قطعانه ترعى فوق بقاياه، فأنجانا الله من ويلاته ولم يحدث لنا ما حدث لجيراننا، وكل هذا بفضل رجل صالح اسمه بنكيران لا يتكلم إلا والسبحة في يديه.
وللرفع من شعبية الرجل الصالح الذي جاء لإنقاذ البلاد من الفوضى بدأ يدعي أنه يتلقى تهديدات بالقتل، وأنه مستعد للموت في سبيل الله طالما أن عبد الله باها مات في سبيل الله، وأنه لا يريد أن يكشف المستور، مما يعني أن هناك جوانب معتمة في ملف موت باها لا يعرفها الرأي العام ويعرفها رئيس الحكومة، لكنه لا يريد، حاليا، الكشف عنها.
وإذا كان رئيس الحكومة الذي لديه وزير للعدل يتحكم في النيابة العامة صاحبة الحق في تحريك الدعوى العمومية، ولديه وزير الداخلية الذي توجد كل الأجهزة الأمنية طوع أمره، يشكو من التهديدات بالقتل فماذا ترك للناس العاديين كي يقولوه؟
لكن عندما عاد بنكيران في المساء إلى بيته قادما من الدشيرة الجهادية، حيث فتح ملف موت باها وقضية تلقيه تهديدات بالقتل، أحس بأنه «زاد فيه شوية»، فأوحى إلى خادمه لكي ينشر على صدر جريدته توضيحا يفضح جبن رئيس الحكومة، حيث قال إنه لم يكن يقصد التشكيك في ظروف موت باها وأن كلامه تم تحريفه.
وللمزيد من الشرح تطوع رئيس شبيبة العدالة والتنمية لكي يقول إن التهديدات التي تحدث عنها رئيس الحكومة إنما يقصد بها تهديدات سبق لشباط والعمري أن أطلقاها، وأن أحدهما قال بأنه يعرف عائلة بنكيران وأن هذا وحده يشكل تهديدا لسلامة بنكيران وأفراد عائلته.
وكم هو مضحك هذا التفسير، خصوصا إذا عرفنا أن بنكيران لم يترك جريدة أو مجلة لم يزودها بصورة جماعية لجميع أفراد عائلته صغارا وكبارا، كما أنه لم يترك مناسبة لم يعط فيها عنوان بيته بحي الليمون لكل راغب في زيارته أو حمل مظلمة إليه.
فما الداعي لخوف بنكيران على نفسه وعائلته من أن يتم التعرف عليهم طالما أنه يعرض نفسه وعائلته لأضواء وسائل الإعلام بمناسبة وبغيرها؟
وإذا كان رئيس الشبيبة قد ساق شرحا متهافتا لتشكيك بنكيران في وفاة عبد الله باها، فإن محمد الهيلالي، القيادي بحركة التوحيد والإصلاح الذي «بلصه» رئيس الحكومة في منصب مدير الشؤون القانونية بوزارة الرفيق نبيل بنعبد الله، خرج لها «طاي طاي» واتهم شباط بالوقوف وراء وفاة عبد الله باها.
ولعل هذا الاتهام وحده يدل على أن الرجل لا يستحق منصب مدير الشؤون القانونية بوزارة السكنى، لأن مسؤولا عينه رئيس الحكومة في منصب كهذا لا يحق له أن يرمي الاتهامات بدون دليل، وإلا فإن منطق «التشيار» الذي يتبناه الهيلالي في الحزب والحركة سينعكس على طريقة تدبيره الإداري للملفات القانونية لوزارة السكنى.
عندما خرجت النساء في مسيرة الثامن من مارس يتقدمهن شباط بوحمارة وباحماد لشكر، سخر منهما بنكيران وقال إن المعارضة عندما عجزت عن مواجهته استعانت بـ«العيالات».
ونسي بنكيران أنه عندما عجز عن تقديم إنجازات ملموسة أمام الجمهور الذي حضر للاستماع إليه في الدشيرة، عدا إنجاز الزيادات في الأسعار، استعان بجثة عبد الله باها لكي يستجدي عطف الناس بدموع التماسيح.
وبهذا المعنى فما تقوم به المعارضة يقوم به رئيس الحكومة بشكل آخر. كلاهما عاجز عن تقديم أشياء ملموسة للمغاربة ويلجؤون إلى الدجل و«تحضير الأرواح» والكذب والبهتان من أجل دفع الناس للتصويت عليهم في الانتخابات حتى يستمروا في التمتع بالامتيازات «المشروعة» كما يسميها رئيس الحكومة.
ألم يقل بنكيران إنه لم يكن من هواة السياحة، وأنه اليوم منذ أن أصبحت هذه الهواية مضمونة «بيليكي» بفضل المنصب الحكومي فقد أصبح من ممارسيها.
ولماذا لا يستمتع رئيس الحكومة بالراحة والسياحة، فقد ضمن له وزيره في الاتصال «السلم الإعلامي» بعدما استطاع ترويض أغلب مدراء النشر ووضعهم في جيبه بفضل كل تلك الزيارات «الميدانية» واللقاءات السرية التي نظمها مع الناشرين.
هذا طبعا دون الحديث عن اللقاءات التي ينظمها له عمر المرابط في فرنسا، الذي يشتغل بديوان عمدة في باريس، والذي لا يضيره أن ينتمي إلى العدالة والتنمية الإسلامي وحزب فرنسي علماني في الوقت نفسه، والذي كان المرور الكارثي لوزير الاتصال بإذاعة «أوروب1» من بنات أفكاره، مثلما كانت كارثة دعوة الصهيوني «عوفير برانشاين» للمؤتمر السابع للعدالة والتنمية من بنات أفكاره أيضا.
واليوم يتصل خليل الهاشمي «مول» وكالة الأنباء بنفسه بمدراء نشر لكي يطلب منهم دعم رئيس الحكومة، والنتيجة أننا أصبحنا نقرأ افتتاحيات تهاجم المعارضة وتلقي الورد على الأغلبية الحكومية، فهل رأيتم في مكان ما من هذا العالم صحافة تترك مراقبة من يسير الشأن العام ويتصرف في أموال دافعي الضرائب وتهتم بمن يعارض وينتقد الحكومة؟