اعتبرت ميلودة حازب، برلمانية الأصالة والمعاصرة المراكشية، أن ما تلفظ به رئيس الحكومة ردا عليها عندما خاطبها قائلا: «حتى أنا غانجاوبك، ديالي اللي كبير عليك»، خطابا جنسيا مبطنا موجها إليها قائلة إن بنكيران يفكر بعقلية الممارسة الجنسية.
ميلودة حازب، التي انتهت في الأصالة والمعاصرة بعدما كانت إلى جانب أرسلان الجديدي في الحزب الوطني الديمقراطي قبل أن تنتقل إلى جانب شاكير الطاهر، رئيس الفريق في البرلمان، وبعده القادري الذي انتهى الحزب على يده، اعتبرت أن ما تلفظ به رئيس الحكومة لا يصدر إلا عن سكران.
وبالفعل فالرجل سكران منذ ثلاث سنوات بفعل نبيذ السلطة، وقد وصل في الأيام الأخيرة، خصوصا بعد تحرره من سلطة الراحل باها وشعوره بهزالة المعارضة وتفاهتها، إلى مرحلة الثمالة التي تعكسها ضحكاته الغريبة في البرلمان، وهي المرحلة الأخطر في السلطة.
وكثيرا ما يلجأ السياسيون في كل بلدان العالم إلى التلميح والغمز واللمز مستحضرين «الخلفية» الجنسية في خطاباتهم دون التصريح بها بوضوح من أجل خلق الغموض والالتباس. فالسلطة والجنس لديهما المفعول ذاته، فهناك المكبوتون بسبب عدم القدرة على التعبير عن مواقفهم أو إشباع طموحهم، وهناك الفحول الذين يقودون القطيع، وهناك العاجزون عن الوقوف والصمود على مواقفهم.
وحتى عندما برر رئيس الحكومة قوله «دايالي اللي كبير عليك» بكونه كان يقصد حجم حزبه بالمقارنة مع حجم حزب الأصالة والمعاصرة، فإن ما وقع قد وقع، وتم استحضار الخلفية الجنسية للجملة في المقام الأول.
وليست هذه المرة الأولى التي يزل فيها لسان رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، ويذكر له حواريوه، وخصوصا بسيمة حقاوي التي كانت بجانبه، كيف أنه تحمس أثناء الحديث عن برنامجه السياسي في ما يخص المرأة، فقال إنه لن يشغل نفسه بالبحث في ما تلبسه النساء، مضيفا ما معناه «اللي بغات تلبس شي حاجة تلبسها، واللي بغات تحيد سروالها شغلها هداك».
مثلما أن بنكيران ليس أول سياسي يستعمل الإيحاء الجنسي في خطابه، ففي السودان كانت نائبة عن الحزب الشيوعي «تفرع» دائما رأس المحجوب رئيس البرلمان، وذات جلسة استعملت النائبة الشيوعية جملة «لا ناقة لي ولا جمل»، وبما أن الجمل في السودان يعني في المتخيل الشعبي العضو التناسلي للمرأة، فقد قال لها رئيس البرلمان: «أما الناقة فقد عرفنا أنها ليست لك، وأما الجمل فيجب أن نسأل راكبه».
أما البرلمان المصري فليس أحسن حالا من السوداني أو المغربي، وقد كان أحد البرلمانيين معروفا بشذوذه الجنسي، وذات جلسة «حامية» أخذ الكلمة وقال مستغلا موقع البرلمان لمخاطبة ناخبيه «أعاهدكم أنني سأدافع عن دائرتي ومصالح سكانها»، فأغاظ ذلك نائبا من المعارضة فأخذ الكلمة وقال موجها كلامه إلى النائب الشاذ: «أما دائرة النائب المحترم فلنا اليقين التام أنه لن يستطيع المحافظة عليها، وأما مصالح ساكنيها فنحن نشك في قدرته على ذلك». وطبعا فالقصد من ذكر «الدائرة» في كلام النائب الشاب ليس هو القصد في ذكرها من طرف النائب المعارض.
وفي سنوات الثمانينات كادت جريدة «العلم» أن تتسبب في وقوع أزمة دبلوماسية بين المغرب ومصر عندما نشرت تقريرا خبريا حول استقبال السفير المصري وحرمه بالرباط، وصادف أن تزامن خبر الاستقبال مع وصول سفينة تجارية كبيرة إلى ميناء الدار البيضاء، فاختلط الأمر على الصحافي فحرر الخبر كالتالي «ويظهر في الصورة السيد محمد بوستة في استقبال السفير المصري وحرمه التي تزن حمولتها 200 طن». وكان طبعا يقصد حمولة السفينة الراسية في الميناء، غير أن الفأس وقعت في الرأس، واعتبر السفير المصري الخبر إهانة له ولحرمه التي كانت لسوء حظ الصحافي سمينة بشكل كبير.
أما لغتنا نحن المغاربة فمليئة بالإيحاءات والمعاني التي يمكن تفسيرها حسب الموقف وطبيعة المخاطب. فكثيرا ما تتحول اللغة إلى أداة لقياس حرارة المخاطب، الصديق، الخصم، أو الغريب الذي نريد أن نؤسس معه لعلاقة مفترضة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعلاقة الرجل بالجنس الناعم.
وعلى كل حال يمكن التغاضي عما قاله رئيس الحكومة ووضعه على حساب الأخطاء المطبعية وزلات اللسان التي تعتبر من أكبر أعداء السياسيين والصحافيين والمعلقين، والتي كان رئيس الحكومة نفسه أحد ضحاياها عندما وصفه معلق في نشرة أخبار القناة الثانية برئيس الحومة عوض رئيس الحكومة.
ففي رمشة عين تتحول كلمة الإطراء من فم مشرف على البروتوكول إلى شتيمة مخزية، وفي ثانية واحدة يحتل شخص آخر في قصاصة خبرية مكان الشخص الذي يصنع الحدث.
ولعل وكالة الهاشمي للأنباء تستحق أن تنال جائزة أكثر المؤسسات الإعلامية اقترافا للزلات والأخطاء، فقد أسقط اسم الأمير مولاي رشيد ووضع مكانه اسم الأمير مولاي هشام عند الحديث عن افتتاح المعرض الفلاحي بمكناس، ومنحت في قصاصة أخرى جائزة في مهرجان سينمائي للمخرج المغربي داود أولاد السيد في الدورة 30 لمهرجان الإسكندرية السينمائي، في حين أن الأمر يتعلق بالمخرج المصري داود عبد السيد.
ويذكر الذين اشتغلوا في جريدة «العلم» جدة الصحف في المغرب، واقعة طريفة تسبب فيها الشخص الذي كان يركب حروف كلمات المقالات حرفا إلى جانب حرف بالرصاص، فالمطبعة كانت بدائية شبيهة بالمطبعة الحجرية وليس كما هو عليه الحال اليوم بحيث تطورت المطابع وتخلفت الجرائد، فسبحان مبدل الأحوال.
وكان رئيس التحرير قد أرسل إلى الطبع تعزية وكتب أسفل عبارة «أسكنه الله فسيح جناته» عبارة «إن وجد له مكان»، وكان يقصد طبعا أن تنشر التعزية في عدد الغد إن وجد لها المصفف مكانا في الصفحة.
لكن العبقري الذي كان يركب الصفحة نشر التعزية دون أن يحذف الملحوظة، فصدرت في الغد هكذا «انتقل إلى عفو الله فلان الفلاني، أسكنه الله فسيح جناته، إن وجد له مكان».
وطبعا فأهل الفقيد وأصدقاؤه اعتقدوا في الأول أن الجريدة تسخر منهم ومن فقيدهم، وإلا كيف يمكن أن تشكك في كون فقيدهم سينال نصيبه من الجنة دون أن ينتظر دوره للحصول على مكان.
آخر ما سمعناه من عثرات لسان كان خلال تقديم المكرمين لنيل الأوسمة الملكية بمناسبة عيد الشباب، وبمجرد ما جاء دور البريني، المدير السابق لـ«الأحداث المغربية»، حتى قدمه المكلف بالبروتوكول واصفا إياه بالإعلامي «ذو رصيد من الإنجازات في مجالي الصحافة و«النصب». وطبعا كان الرجل يقصد «النشر» عوض «النصب»، وقد تدارك المعلق على الحفل هذا الخطأ غير المقصود وصححه على الفور.
وبالعودة إلى النائبة ميلودة التي تأثرت كثيرا بما قاله لها بنكيران، فما عليها سوى أن تطلب مساعدة ابن أختها «الخاسر» الذي يطلق على نفسه لقب «بيغ» والذي يقضي وقته في تأليف ألبومات غنائية مليئة بالشتائم و«الكلام الخاسر»، حتى يفرجها فيه.
غير أن الأحسن، وبعد الاندحار الذي عرفه الاستقلال والاتحاد على يد شباط بوحمارة وبا حماد لشكر، هو أن يطلب الأصالة والمعاصرة من العدالة والتنمية يدي بعضهما البعض ويركبا الخواتم استعدادا لليلة الدخلة المنتظرة سنة 2017.
وعوض أن يدخل بنكيران في جدال عقيم وملاسنات مع نساء الأصالة والمعاصرة، فما عليهم سوى أن يجلسوا ويتفقوا «باش يدخلو شي فشي»، أقصد الحزبين طبعا، ويكونا تحالفا سياسيا متماسكا لكي يستمر بنكيران في الحكم لولاية مقبلة مرتاح البال.