اكتشف رئيس الحكومة حلا سحريا لجميع الصناديق المنهوبة من طرف لصوص المال العام.
فلإنقاذ صندوق التقاعد من الإفلاس، سيجبر رئيس الحكومة الموظفين العموميين على العمل خمس سنوات إضافية بعد وصولهم سن التقاعد القانوني.
ولكي ينقذ صندوق المكتب الوطني للماء والكهرباء من الإفلاس، فرض رئيس الحكومة زيادات في فواتير استهلاك الماء والكهرباء على المواطنين، للمساهمة من جيوبهم في تعويض الأموال المنهوبة من ميزانية المكتب.
وهكذا فكل الكوارث التي تسبب فيها لصوص المال العام، الذين أصدر عنهم بنكيران عفوه العام، يتحمل مسؤوليتها المواطنون وحدهم. وحتى حوادث السير ينفي بوليف مسؤولية الوزارة وطرقها فيها ويحملها كاملة لمستعملي الطريق.
هكذا لم يحرق رئيس الحكومة أعصابه ولم يجهد تفكيره في البحث عن حلول عبقرية لإنقاذ صناديق الدولة من الإفلاس، بل لجأ إلى الحل السهل الذي من الممكن أن تلجأ إليه جدتي لو أنها كانت رئيسة حكومة مكانه.
ولعل مأساة بنكيران هي أنه يعتقد أنه بلجوئه إلى الحلول السهلة، أي جيوب المواطنين، فإنه سيعالج جميع مشاكل الموازنة العامة. ومن فرط غباوة مقاربته التدبيرية أصبح رئيس الحكومة يعتقد أن بالكسكس و«البصطيلة» والشواء وحدها يستطيع المغرب أن يجلب السياح، متناسيا أن هذه الأطباق أصبحت عالمية وبمستطاع السياح أن يأكلوها في كل عواصم العالم، وقد فات رئيس الحكومة أن يعلم أن الكسكس مثلا أصبح هو الطبق الرسمي لفرنسا.
ومن يدري، فقد تصبح غدا «البصطيلة» الطبق الرسمي لإسبانيا.
والحقيقة أن الأفكار «الجهنمية» لرئيس الحكومة حول إصلاح صندوق التقاعد لا تحظى بموافقة الجميع، حتى لا نقول إنها لا تحظى سوى بموافقة بنكيران وحزبه.
وقد وصلتني رسالة من الأستاذ مولاي نصر الله البوعيشي تلخص محنة المقبلين على التقاعد بشكل أوضح ارتأيت أن أنشرها كاملة في هذا العمود، حتى تكون رسالة مفتوحة من شعب المتقاعدين إلى رئيس الحكومة.
«اتفق الجميع على أنه لا مفر من إصلاح صندوق التقاعد، وأن هذا الإصلاح بات ضرورة ملحة وعاجلة مع اختلاف في من سيتحمل تكلفته. فالحكومة الموقرة ترى في الموظفين الحائط القصير الذي يسهل القفز عليه، وبعض الأحزاب والنقابات ركبت على الملف لتصفية حساباتها مع الحزب الذي يترأس الحكومة. وتحول النقاش من جوهر هذا المشكل بأبعاده الاجتماعية المتعددة، إلى صراع سطحي في السر وفي العلن أقحم فيه البعض شخص الملك وظهرت فيه النوايا الحقيقية لبعض الأحزاب والنقابات المختبئة وراء خطابات سياسوية وانتخابوية لم تعد تنطلي «صباغتها» على أحد.
إنها دعوة لكل الشرفاء أن يراعوا الله تعالى بالفقراء من الموظفين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن، والذين تجري في عروقهم دماء «نشفتها» هموم الأبناء العاطلين ومسؤولية الوالدين والإخوان والأخوات، وعكر صفوها شطط الإدارة وقضت على مناعتها الأمراض وشفطت ما تبقى منها شركات القروض.
وعلى الحكومة، التي تدعي أنها من الشعب، أن تلتفت قليلا للمترفين و«المرفحين» الذين يعتقدون أن عروقهم تجري فيها دماء زرقاء، وإلى أصحاب الرواتب السمينة الذين تكفي الأجرة الشهرية لبعضهم لإعالة 100 أسرة، كالسيد مدير هذا الصندوق المغربي للتقاعد المهدد بالإفلاس، والذي يحكى، والعهدة على الراوي، أن أجرته الشهرية تفوق 25 مليون سنتيم ويتقاضى 150 مليون سنتيم كعلاوات نصف سنوية، إضافة إلى خمس سيارات فخمة موضوعة رهن إشارته وإشارة أفراد أسرته. كما يتكلف الصندوق المغربي للتقاعد بإقاماته المتعددة بالفنادق الفخمة ذات الخمسة نجوم، وسفرياته في الدرجة الأولى في الطائرة.
عليهم أن يلتفتوا إلى أصحاب الامتيازات والعقود والمقاولات والمرخص لهم بنهب خيرات هذا الوطن، الذين «يتغدون» في لندن و«يتعشون» في باريس ويفطرون على شواطئ جزر هاواي ولا يقضون عطلهم إلا في ماربيا وجزر هنولولو، حيث يملكون إقامات خاصة، والذين لا يؤدون للدولة سنتيما واحدا، بل ويهضمون حقوق «العبيد» المسخرين لخدمتهم.
الحكومة عاجزة عن محاربة التهرب الضريبي وعن ضمان حقوق مواطنيها من تسلط وشطط «الأسياد». ولكنها بالمقابل «حاذقة» في الإجهاز على حقوق السواد الأعظم من الموظفين الفقراء والمطالبين بتحمل فاتورة الإفلاس، وتجميد أجورهم المثقلة بالضرائب، والتي لا ترقى إلى ما ينفقه بعضهم شهريا على طعام وتطبيب قططهم وكلابهم المدللة .
أرفض كموظف بسيط تأدية ضريبة إصلاح نظام المعاشات المدنية للصندوق المغربي الناتج أساسا عن عدم دفع الحكومات المتعاقبة لمستحقاتها لهذه الصندوق وعن سوء استثمار احتياطاته المالية.
أرفض ببساطة لأنني كنت أؤدي واجباتي المالية بانتظام، منذ تاريخ التحاقي بالوظيفة العمومية، فكيف أعاقب بجريرة غيري؟
فلتلتفت الحكومة ورئيسها إلى امتيازات البرلمانيين ومصاريف تنقلاتهم ومختلف التعويضات والمعاشات التي يستفيدون منها على مدى الحياة، والتي تكلف خزينة الشعب المغربي ما يناهز 50 مليارا سنويا، هذه التكلفة السنوية الباهظة، التي يتحملها المغاربة، يمكنها خلق أكثر من 130 ألف منصب شغل باعتماد راتب شهري يقدر بـ3000 درهم شهريا.
والأدهى من هذا كله أن كل شخص حمل صفة برلماني له ألف درهم عن كل شهر حمل فيه هذه الصفة خلال فترة التقاعد، فأنا أرفض تمويل التقاعد المريح للبرلمانيين والوزراء والأثرياء من تقاعدي الذي قضيت 40 سنة وأنا أجمعه قطرة قطرة .
ماذا يقدم هذا البرلمان بغرفتيه كخدمة للشعب مقابل هذه الأموال الطائلة، غير أرائك وثيرة فارغة و«تبوريدة» عقيمة تبعث على الغثيان؟
لماذا لا نجرب برلمانا ينتخب أعضاؤه من الشرفاء المتطوعين لخدمة وطنهم بدون راتب، أو على الأقل مقابل التغذية والإيواء والتنقل أثناء فترات الدورات البرلمانية؟
سيحطمون هذا الجيش من مصاصي دماء الشعب وسيجعلون المغرب بلدا راقيا بخيراته الطبيعية والبشرية الهائلة، ليتبوأ المكانة اللائقة به بين الأمم بدل وجوده، بسبب السياسات الفاشلة للحكومات والبرلمانات المتعاقبة، في رأس القائمة في مجال حوادث السير وفي اقتناء السيارات الفخمة وفي الرشوة وفي الفساد الإداري، وفي الأمية وفي التعليم وفي التملص الضريبي وفي تهريب الأموال إلى الخارج، وفي عدد سيارات الخدمة ««M.ROUGE أو «ج» التي يبلغ أسطولها حوالي 115.000 حسب إحصائيات 2011، في حين يبلغ عدد هذه السيارات في دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية 72.000 سيارة وكندا 26.000 سيارة واليابان 3400 سيارة، وهو الأمر الذي يدل على أن الإدارات المتخلفة والأكثر بيروقراطية هي التي تتوفر على عدد أكبر من سيارات الخدمة التي تشكل في مثل هذه الدول مصدرا مهما لهدر وتبذير المال العام.
الحكومة، التي تنازلت طواعية عن الشعارات التي حملتها إلى سدة الحكم، لم تقل إلا نصف الحقيقة وهي تصرح باحتشام بوجود الصندوق على حافة الإفلاس، وأن المواطن البسيط هو من سيتحمل المسؤولية الكاملة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك في المغرب. ففي كل مرة يصل فيها الاقتصاد مستوى كارثيا يبحثون عن الحل في جيب المواطن. فالمواطن البسيط هو الوحيد المُطالب دوما وأبدا بسداد فاتورة السياسات الفاشلة، حدث ذلك في الثمانينات مما أدى إلى فرض برنامج الإصلاح الهيكلي وما نتج عنه من خوصصة زادت في تفقير الفقراء وفي ضرب الطبقة الوسطى وإغراق البلاد في المديونية .
أما النصف الآخر للحقيقة الذي لم تصارح به الحكومة المغاربة، هو أين ذهبت مدخرات هذا الصندوق وغيره؟ ومن المتسبّب في وصوله إلى هذه الوضعية الكارثية؟ وما هي خطتها لمحاسبة الفاسدين الذين يتعاملون مع ميزانية الدولة بمنطق الغنيمة؟ وما هي سياستها الحقيقية لوقف التجاوزات ووضع حد لسوء التصرف و للسرقات وللتلاعب بالمال العام، من طرف بعض المؤتمنين على أموال الشعب الذين تعوّدوا على التعامل معها على أنها «خبيزة جابها الله»؟ ما هو برنامجها لتصبح المساءلة عن المال العام تقليدا سياسيّا في المغرب؟ وما هو السبيل إلى تشغيل هذه الجيوش من العاطلين من حاملي الشهادات وغيرهم؟ ما هي خطط الحكومة لمعالجة ظاهرة المتسولين والحمقى والمشردين الذين لا مأوى لهم والذين تعج بهم مدن وقرى المملكة؟
جواب الحكومة الجاهز دائما هو أنها لا تملك عصا سحرية لمعالجة كل هذه القضايا.
نعم، الحكومة ليست لها عصا سحرية، لكنها تملك عصا «بيزبول» تضرب بها على رؤوس الموظفين البسطاء وتهش بها على حقوقهم ومكتسباتهم، وطبعا لها فيها مآرب أخرى.