حسب أحد الناطقين باسم الملياردير القباج فسعادته لم يكن على علم بالكوارث البيئية التي تتسبب فيها شركته لساكنة منطقتي إيغود وخميس آنكًأ، وقال إن الملياردير تحمل المرض وضحى بحصة من «الدياليز» وجاء لكي يستمع إلى مطالب السكان بنفسه، وأن كل المشاكل التي تسببت فيها شركته هي من صنع أحد مساعديه الذي تخلى عنه والذي كان يقول للسكان إن شركة القباج هي شركة سيدنا.
يا سلام. منذ أشهر طويلة والسكان يعتصمون احتجاجا على تلويث هوائهم بالغبار والتسبب في أمراض تنفسية لأبنائهم وتدمير المجال البيئي المحيط بهم، أمام صمت الوزارة المكلفة بالبيئة، وطيلة كل هذه المدة لم يكلف الملياردير القباج نفسه المجيء للاستماع إلى مطالب السكان ومعاناتهم إلى أن رق قلبه اليوم وتحمل مشقة المجيء لمقابلة ممثلي السكان وإخبارهم بأنهم سيتسببون بعرقلتهم للمشروع في قطع الكهرباء عن الشعب المغربي سنة 2018.
وفي الواقع فسبب تهبيط القباج لكواريه ليس هو «هشاشة» قلبه وإنما هو كشف «الأخبار» لفضيحة قفز ولاية آسفي على جميع مساطر الترخيص للمقالع للقباج صديق الوزير الرباح.
وقد ظلت السلطات تنفي وجود هذه الاحتجاجات، ونسج بوق وزير التجهيز على المنوال نفسه عندما كتب أن احتجاجات الساكنة في من وحي خيال جريدة «الأخبار».
وإذا كانت هذه الاحتجاجات من وحي خيالنا فهل اللقاء الذي عقده الملياردير القباج الفائز بصفقة الميناء مع ممثلي السكان، والذي نشر موقع «فلاش بريس» تسجيله بالصوت والصورة، هو أيضا من وحي خيالنا؟
والمضحك في ردود فعل الوزير ولد العواوشة وناطقه الرسمي أنهما بمجرد ما ننشر خبرا يتعلق بسعادته حتى يصنفانه في خانة الإشاعات.
وإذا كنت كما قال لسانه الطويل مجرد بوق، فماذا نسمي تسارع وتيرة الأشغال بقنطرة السكة الحديدية بالزنقة 206 «الباساج» مباشرة بعد كتابتي حول التأخير في الأشغال بهذا العمود؟ الأفضل أن يسمى هذا العمود منغازا وليس بوقا. فلقد مرت على بداية الأشغال 24 شهرا ولا زالت الأشغال مستمرة لحد الآن رغم أن المدة المخصصة للمشروع 12 شهرا كما جاء في دفتر التحملات. وسكان الضفة اليمنى لنهر سبو لا زالوا يعانون طول المسافات للالتحاق سواء بالمدارس أو المؤسسات أو المحلات التجارية خصوصا منها الفلاحية بالزنقة 206 التي يعتمدها فلاحو المنطقة ناهيك عن تجار الحي الذين تضرروا كثيرا جراء قطع الرباح الطريق عليهم لأزيد من سنتين.
فهل هذا أيضا محض خيال؟
إن ما هو محض خيال في الحقيقة هو ما قاله الرباح حول مقلع آسفي وتلك التواريخ التي قدم حول مسطرة دراسات التأثير على البيئة، والتي يجب على اللجنة البرلمانية التي ستحل بآسفي للبحث في هذا الملف أن تنكب عليها.
إذا كان تاريخ التوقيع على القرار العاملي المتعلق بفتح البحث العمومي هو 29 يوليوز 2013، وبما أنه يجب قانونا نشر هذا القرار في جريدتين واحدة بالعربية وثانية بالفرنسية 15 يوما قبل تاريخ فتح البحث العمومي الذي يجب قانونا أن يدوم 20 يوما، فإنه منطقيا يستحيل أن يتم إغلاقه بتاريخ 3 شتنبر.
والجميع يعرف أنه عندما يغلق البحث العمومي يجب أن تجتمع هذه اللجنة، إذن هناك دعوات رسمية توجه لأعضائها لتجتمع بالجماعة وتحرر محضرها ويرسله القائد إلى رئيس الدائرة ثم إلى العامل ليرسله هذا بدوره إلى الوالي.
بعد ذلك يتم تحديد تاريخ اجتماع اللجنة الجهوية لدراسات التأثير على البيئة بناء على دعوات من الوالي والتي يجب أن تصل إلى اﻷعضاء 10 أيام قبل تاريخ الاجتماع.
وبناء على محضر اللجنة الجهوية يتم إعداد قرار الموافقة البيئية ليوقع عليه الوالي.
وحين يحصل صاحب المقلع على قرار الموافقة البيئية عليه أن يضع ملفا آخر عند المديرية الإقليمية للتجهيز ليتم بعد ذلك دعوة اللجنة الإقليمية للمقالع.
لذلك فالتواريخ التي قدمها وزير التجهيز يستحيل أن تكون واقعية.
الآن هناك أمر من اثنين، إما أن دراسة التأثير على البيئة قد تمت بالفعل قبل تسليم القباج رخصة بدء الأشغال، وهذا خطير لأن القباج لم يحترم معايير البيئة أثناء تنزيلها، وإما أن الدراسة لم تتم وهذا أخطر.
والنتيجة في الحالتين هي أن السكان يوجدون منذ أشهر بين كماشتي الماكينات والشاحنات الجبارة التي تطحن الحجر ويجني من ورائها القباج المليارات فيما يجني السكان الغبار والأمراض.
ما أثارني شخصيا في الفيديو الذي يوثق للحوار المكهرب الذي دار بين ممثلي السكان المتضررين والقباج هو مطالبة هذا الأخير السكان التعاون معه. وهذه أول مرة أسمع فيها مليارديرا شبعان فلوس يطلب من سكان أغلبهم فقراء ومرضى أن يتعاونوا مع سعادته لكي يربح المزيد من الأموال. فالقباج صاحب الشركة الفائزة بصفقة بناء ميناء آسفي لا يشتغل متطوعا لوجه الله بل مقابل غلاف مالي يساوي المليارات من الدراهم. ولذلك فهو عندما يطلب من السكان الفقراء أن يتعاونوا معه ويصبروا على الغبار والضجيج والأمراض التنفسية والجلدية التي يتسبب فيها المقلع، فإنه «يطنز» عليهم.
وإلى جانب ملف المقلع الذي لا يحترم البيئة، فإن اللجنة البرلمانية عليها أن تنكب أيضا على ملف الطريق السيار بآسفي الذي فازت بصفقته شركة تركية، أظهرت وثائق نشرناها أنها تغش في المواد الأولية لتوسيع هامش الربح.
وقد كنا ننتظر أن يقول الوزير الرباح، على عادته، أن الوثائق التي نشرنا والتي تؤكد أن الشركة التركية غشت في المواد الأولية المستعملة في بناء الطريق السيار بآسفي غير صحيحة، إلا أن الوزارة فاجأتنا وأكدت صحة هذه الوثائق، وكان تحفظها الوحيد هو كون الوثائق التي نشرنا ليست سرية بل عادية، وكأن مثل هذه الوثائق الصادرة عن مختبر علمي يمكن أن تعثر عليها عند بائعي «الزريعة».
«أسيدي سرية ولا هرية ماشي سوقنا»، المشكل هو «شنو دارت الوزارة مع الشركة التركية»؟
يعني بالعربية تاعرابت، ما هو الإجراء القانوني الذي اتخذته وزارة التجهيز ضد الشركة التركية عندما تناهى إلى علمها تقرير المختبر العلمي الذي يؤكد غش هذه الشركة في المواد الأولية التي تستعملها في بناء الطريق السيار بآسفي؟
لقد اعترفت الوزارة بما جاء في وثائق المختبر ولم تنف ذلك، إذن ما هو الإجراء الذي تم اتخاذه؟
فإما أن المختبر توصل إلى نتائج غير صحيحة واتهم الشركة التركية بالغش، وهذا عمل خطير يجب أن تترتب عنه محاسبة المختبر ومهندسيه، وإما أن المختبر «عندو الصح» وبالتالي فالوزارة ملزمة باتخاذ التدابير القانونية تجاه الشركة التركية المتهمة بالغش.
يبدو أن وزير النقل والتجهيز «بقا يفايل على راسو بالبيصارة» إلى أن وجد نفسه وسطها.
والآن، مع دخول البرلمان على الخط، يبدو أن «بيصارة» سعادة الوزير «غاديا وتحماض».