كتب الوزير الرباح على صفحته الفيسبوكية، أنه سئل يوما لماذا أتحامل عليه، فكان جوابه أن نيني اختار أن يكون بوقا مسخرا لأشخاص يعملون في الخفاء ولا يقوون على المواجهة العلنية، ولمعارضة فاشلة بائسة يعرفها الخاص والعام بالقنيطرة، ولأقلام مسعورة لصحفيين يسترزقون بالكذب ويبحثون في المقاهي عمن يزودهم، ولمسؤولين في بعض الإدارات التي قطع عنهم سبل المال العام بالبلدية والوزارة، ولموظفين فاشلين لا أمل لهم في الوصول إلى مناصب المسؤولية بالوزارة، ولمسؤولين سابقين تم إعفاؤهم ويتم التحقيق في ملفاتهم، ولشركات لم تعد تحصل على الصفقات والامتيازات بالأساليب الخبيثة، كل هؤلاء وجدوا في نيني ومراسليه أحسن سند وقد رضي بذلك، حتى ولو تحول البحر إلى مداد لقلمه، لن يضرني إلا أذى ولن يجد ملفا واحدا للفساد وأتحداه هو ومن وجدوا فيه ضالتهم، أما مراسلوه فيكفي فيهم أن الكل يعرفهم وينبذهم.
وطبعا فسعادة الوزير يقصد بكلامه مراسلنا في القنيطرة، الذي أصبح هذه الأيام عوض الكتابة منشغلا بوضع الشكايات لدى الدرك والشرطة بسبب أشخاص أضرموا النار في منزله، وأشخاص يعتدون عليه أمام الملأ في الشارع العام والمقاهي كلما لمحوا ظله.
وأقول للسيد الوزير الأغر إنني سأقاضيه أمام محكمة النقض بسبب السب والقذف الذي يمارسه في حقي وفي حق طاقم جريدة «الأخبار»، حتى يتعلم التأدب مع من يخالفه الرأي، وأيضا على تحريضه لتابعيه على مهاجمتنا في كل مناسبة.
كما أقول للسيد الوزير إنه إذا كان رأيه في من ينتقد أداءه على رأس بلدية القنيطرة ووزارة التجهيز والنقل بهذه العجرفة والتكبر والغرور، فقد أثبت بذلك أنه وأمثاله من حملة الفكر الشمولي يشكلون خطرا داهما على الديمقراطية وعلى مستقبل هذا الوطن، فإذا كان ملك البلاد يسير في اتجاه الاعتراف بأخطاء رئيس الدولة كبقية القائمين على شؤون المواطنين من خلال خطاب العرش الأخير، فإن سيادة الوزير الإسلامي يسير في الاتجاه المعاكس والممنوع، بل إنه لم يعد يؤمن على ما يبدو بحديث الرسول الكريم حيث يقول صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوابون». فهو يعتقد بأنه لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، وكل من ينتقد أداءه كمسؤول عمومي هو إما عميل سري مندس يعمل في الخفاء، أو معارض فاشل يائس، أو قلم مسخر مسعور، أو مسؤول فاسد حرمته نزاهة رباح المطلقة من اختلاس المال العام، أو موظف فاشل عاجز عن الترقي بجدارة واستحقاق، أو صاحب شركة ناقم على عدم تمكينه من الصفقات بأساليب خبيثة، أما الصحفي الذي يكتب لهؤلاء فهو كذاب ومأجور وشرير أشر. ولأن سيادة الوزير معصوم من الأخطاء كما يعتقد، فإن الكتابة عن المرفق العمومي الذي يسيره، أو يظن أنه يسيره، لو استغرقت كلماتها عدد مداد البحر، لن يحرك فيه ساكنا، ولن يغير من مواقفه قيد أنملة، ولن يضره إلا أذى، وهنا يستعير الوزير لغة الفقيه ويوظف لغة القرآن الكريم بشكل انتهازي غير موفق، لكي يجلدنا مائة جلدة «داعشية» على تجاسرنا على الكتابة عن رقصه وبيصارته.
فإذا كان الرباح يعتبر أن تجمع الدكاترة و«المهندسين الأحرار» الذي تشكل في وزارته، هو مجرد تعبير عن تحركات موظفين فاشلين، وأن مطالبتهم بافتحاص جمعية الأعمال الاجتماعية للوزارة والبحث عن ممتلكاتها ونشر لائحة المستفيدين من السكن الوظيفي، ومحاربة الفساد والمفسدين داخل الوزارة، هي مجرد حركة لذر للرماد في العيون يحركها مسؤولون مشبوهون لا يزال التحقيق معهم جاريا، وأن الحديث عن الغش في إنجاز الطريق السيار من طرف الشركات التركية «الشقيقة»، هو عمل من أعمال الشيطان، غايته حماية مصالح الشركات التي كانت تحصل على عهد الاستقلاليين على الصفقات بطرق خبيثة، تلك الطرق التي لم ير السيد الوزير داعيا لأن يوضحها للرأي العام أو أن يمد بها زميله وزير العدل لكي يقول فيها القضاء كلمته، وأن الحديث عن العلاقة الحزبية الملتبسة للمستثمر بوراس الذي استقدمه له محمد أمحجور من طنجة لكي يبني لنا فندقا في القنيطرة، هو مجرد محاولة لخدمة مصالح خصومه السياسيين لأغراض انتخابية...إلخ، فإن السيد الرباح مطالب بأن يوضح لنا ما قام به بالملموس بدل توزيع التهم على منتقديه.
إذا كان كل عمل للصحافة الجادة سيزعج السيد الرباح ويخرجه عن طوعه ليمارس السب والقذف ويشجع أتباعه على ذلك، فسيكون بذلك وزيرنا الأغر خطرا حقيقيا على حرية التعبير في المغرب، فلا حاجة لنا بتغيير قانون الصحافة أو تعديله، ما دام أن كل مداد العالم «ما يصور منو والو»، وما دام كل ما سنقوله أو نحقق فيه كصحافيين لن يعتبر في نظر «وزراء الفيسبوك» سوى كذب وتحامل عليهم، من طرف قوى هلامية تخشى مواجهتهم بوجه مكشوف، لأن الخصوم السياسيين لحزب المصباح، كما هو مضمر في خطاب الرباح، مثل اليهود في سورة آل عمران، «لن يضروهم إلا أذى» و«إن يقاتلوهم يولوهم الأدبار».
وبما أن سعادة الوزير يحب الاستشهاد بالحديث والسنة، فإننا نذكره بما قاله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في باب تحمل المسؤولية «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر؟».
وأنت يا معالي الوزير، ومعك زميلك الأزعر، ألا تخافان أن يسألكما الله «لمَ لم تمهدا الطريق للقطارين اللذين عثرا ناحية زناتة»؟
إنك يا سيادة الوزير قد أثبتت، بنزولك إلى هذا الدرك اللغوي، بأنك خطر على الحرية والديمقراطية في هذا البلد، وبأن صدرك أضيق من صدور كل من سبقوك أو عاصروك من الوزراء المتعاقبين في كل الحكومات السابقة وأكثرهم رجعية، بل أنت ألد الخصام، فلا أحد منهم جند ديوانا لمهاجمة الصحافة والصحافيين بدل مساعدته على دراسة وفك طلاسم الملفات العالقة في مختلف القطاعات، ولا أحد منهم شغل فيالق عنكبوتية متشعبة لاقتناص المواقف والرد على ما يكتب عنه كمسؤول عمومي، ولا أحد منهم نزل إلى هذا المستوى من الإسفاف والشعبوية من الرقص وأكلة البيصارة، دون أن يضع أية استراتيجية حقيقية في الميدان الذي هو مستأمن عليه، أمام الله وأمام الملك وأمام حزبه وأمام الشعب، حتى أنك من كثرة القول بلا عمل نلت في وزارتك لقب «ميسي بدون أهداف».
أما رفيقك الوزير الأزعر، والذي تفضل بتسميتي بالصحفي الأشر، الذي يريد التقليل من حوادث السير عبر «التدويرة» مع السائقين النجباء مثله وإرسالهم إلى العمرة، فحاله يدعو إلى الرثاء، فمن كثرة اهتمامه بالقشور ذهب خلال درسه الأسبوعي الأخير إلى الكتابة عن المصطافين الذين يرمون قشور الدلاح والبطيخ في الرمال ولا يضعونها في الحاويات التي لا توجد سوى في خياله، معتقدا أن المغرب سيلتحق بركب الدول الصاعدة لمجرد أن نتعلم وضع القشور في صناديق الزبالة.
ومن كثرة تنظير الوزير الأزعر للتفاهات ومن فرط سطحيته، فهو يذكرني بصاحب الكتاب الأخضر، غير المأسوف عليه، حين كان يكتب عن الدجاجة التي تبيض وعن الدينار الذي لا يبيض، معتقدا أنه يؤسس لنظرية عالمية ثالثة.
وفي الختام، وحتى لا أثقل على القارئ الكريم «بسياسة شد ليا نقطع ليك» التي تستهوي بعض وزراء المصباح، أسرد على القارئ الكريم نادرة من نوادر الوزير النجيب أبوليف حين كتب تضامنا مع غزة قائلا:
«أحبتي الكرام، المرجو أن تصلوا ركعتي شكر لله عز وجل هازم العدوان وناصر المستضعفين، وما النصر إلا من عند الله.»
فكان جواب أحد المواطنين الظرفاء على دعوة معالي الوزير فوريا، بحيث ترك ردا على صفحة الوزير يقول فيه: «أنا كنواعدك نصلي جوج ركعات شكرا لله على نصر غزة، وغادي نصلي عشرة ديال الركعات نهار يهديك الله وتنظم امتحان مدربي تعليم السياقة.»
وكأنه يقول له «تا آش داك لشي غزة، حماس راها قادة بشغلها، نتا ديها غي فشغلك».