استقطبت منطقة الرشيدية عموما و بوذنيب خصوصا استثمارات عدة في المجال الفلاحي، و قد أثار هذا الموضوع نقاشا وجدالا لدى الفاعلين المحليين و الساكنة على حد سواء، و كشف عن تخوف و توجس هؤلاء من هذا الوافد الجديد، بل وكان محطة احتجاجات عديدة من طرفها في محطات عديدة، و مساهمة منا في هذا النقاش سنحاول في هذا المقال النقدي التوقف عند مختلف الإشكالات التنموية التي يثيرها هذا الموضوع، فنطرح سؤالا محوريا إلى أي حد يساهم الاستثمار الوافد في التنمية المحلية؟ و من خلاله نثير أسئلة فرعية، لماذا هذا الاهتمام المتزايد بموضوع الاستثمار؟ ما هي الآفاق ( الفرص) التنموية التي يفتحها أمام الساكنة؟ و ماهي الاشكالات البيئية والإقتصادية والإجتماعية التي يطرحها ؟ و ما هي المقترحات لإستثمار يساهم حقيقة في التنمية المحلية ؟
1 – السياق العام للحديث عن الاستثمار :
في تقديرنا لا يمكن الحديث عن الاستثمار في منطقة بوذنيب دون استحضار سياقين ساهما في الاهتمام المتزايد به ، سياق محلي ، ارتبط أساسا بجملة من المؤهلات التنموية التي تزخر بها المنطقة، و سياق وطني سعى إلى إعادة تأهيل الفلاحة المغربية و تزويدها بالوسائل التي كانت تفتقدها لتلعب دورا محوريا في تحريك النمو و التخفيف من الفقر في إطار ما يسمى بمخطط المغرب الأخضر.
فعلى المستوى المحلي ثمة عدة أسباب ساهمت في جعل بوذنيب منطقة جذب للإستثمار تتجلى أولاها : في المؤهلات التنموية التي تتوفر عليها هذه المنطقة من فرشة مائية و تربة جيدة صالحة للفلاحة و صبيب مهم من المياه يوفرها واد ﯕير خصوصا مع الحديث مؤخرا عن برمجة الحكومة لسد " قدوسة" الذي سيمكن من سقي مساحة واسعة .
ثاني هذه الأسباب : النجاح الكبير الذي عرفته بعض الصناعات الفلاحية , كضيعة " رياض تافيلالت" ،خصوصا في زراعة النخيل و الزيتون ، إذ تقوم هذه الضيعة على مساحة تقدر ب 1000 هكتار، و استطاعت أن توفر مردودية جيدة في تمور "المجهول" و "زيت الزيتون" وتشغل يد عاملة مهمة ،و ساهم هذا النجاح في جعل بوذنيب من المناطق التي يقع عليها تهافت الإستثمار كما استطاعت هذه الضيعة أيضا أن تثمن زراعة النخيل بالخصوص نوع " المجهول" و تعيد الاهتمام بغرسه بعد التراجع الذي عرفته هذه الزراعة لدى الفلاح المحلي، و تدخل تقنيات عصرية في تدبير الصناعات الفلاحية كتقنية التنقيط و الأحواض المائية و تكثيف الانتاج و "نظام الضخ "...
على المستوى الوطني اعتمد المغرب منذ أبريل 2008 استراتيجية إنمائية جديدة للفلاحة المغربية «تتأسس على دعامتين أساسيتين و على "قاعدة متراصة" من الإصلاحات الأفقية ... تهدف الدعامة الأولى من المخطط إلى تطوير الزراعة الحديثة ذات القيمة المضافة العليا و التنافسية الجديدة بحيث تتكيف مع متطلبات و قواعد السوق, و ذلك بفضل موجة جديدة من الاستثمارات الخاصة تتمحور حول نماذج جديدة لتجميع الأراضي»
أما الدعامة الثانية فالهدف من ورائها هو المواكبة التضامنية لأجل دعم الزراعة الصغيرة و المتوسطة،مع نهج يغلب عليه طابع مكافحة الفقر و تحسين مستوى الدخل لدى فلاحين يعيشون و ضعية هشة و أكثرهم في المناطق الصعبة و المهمشة .
أما القاعدة فهي تتضمن عدة إجراءات استراتيجية منها : «السماح باستقلال مفوض لمساحات من الأراضي الجماعية و اراضي أملاك الدولة و تدبير المياه, و اعتماد استراتيجية للولوج إلى الأسواق الأجنبية و عصرنة التوزيع و تحسين مناخ الأعمال » و يتطلب هذا المخطط استثمارا قدره 147 مليار درهم لإنجاز 1506 مشروعا على مدى عشر سنوات .
باعتبار بوذنيب منطقة ليست مفصولة عن محيطها الوطني فقد استفادت من هذا المخطط في دعامتيه الأولى و الثانية ،و من الاستثمارات المالية ضخت فيه،وكان هذا العامل من العوامل التي ساهمت في تزايد الاهتمام بالاستثمار ببوذنيب .
2- الفرص التنموية التي يتيحها الاستثمار في بوذنيب :
قبل الشروع في انتقاد الاستثمار في بوذنيب نشير إلى أن الكثير من جوانبه تستحق التنويه، ذلك أن أي تحليل موضوعي لا يسعه إلا أن يؤكد على الطابع الإيجابي لبعض إسهاماته، لقد استطاع الاستثمار أن يعيد منطقة بوذنيب إلى الواجهة التنموية بعد فترة تميزت بكل أشكال التهميش الاجتماعي و الاقتصادي و تراجع دورها الإداري و العسكري و الاقتصادي الذي لعبته منذ 1908 ، حيث كانت مركزا إداريا لأكبر باشوية في حوض ﯕير و أكبر مركز عسكري في الفترة الاستعمارية اعتمدها المستعمر الفرنسي كمدخل لاحتلال منطقة تافيلالت و مركز اقتصادي شكل حلقة وصل للقوافل التجارية الوافدة من إفريقيا عبر الصحراء مرورا ببوذنيب.
كما مكن الاستثمار من توفير مناصب شغل للعديد من العمال في الصناعات الفلاحية ، و أدخل المرأة القروية في واحات بوذنيب إلى سوق الشغل، مع ما واكب ذلك من تحسن لوضعها الاجتماعي و تمكينها الاقتصادي ،كما ساهم توافد الاستثمار أيضا في تحديث القطاعي الفلاحي بظهور مفهوم " الضيعة الفلاحية الكبيرة " إلى الفلاحة الواحية،و إدخال تقنيات حديثة إلى هذا المجال كتقنية الري " بالتنقيط " و"نظام الضخ"،و اعتماد تقنيات جديدة في غرس أشجار النخيل و الزيتون و الإعتناء بها في جميع مراحل الإنتاج تحت إشراف خبراء دوليين و وطنيين و يد عاملة تقنية مؤهلة لذلك، و مكننة الضيعات الفلاحية من خلال إدخال آلات جديدة في غرس النخيل والزيتون و جنيه مع ما يرافق ذلك من زيادة في مردوية الانتاج و تحسين جودته و الاقتصاد في الجهد و الوقت ، و اعتماد شتلات ذات جودة عالية تقاوم بعض الأوبئة كالبيوض و غيره ...
فضلا عن ذلك لقد أعاد الإستثمار إلى الواجهة الاهتمام بغرس النخيل و الزيتون بجودة عالية، إذ تعرف المنطقة اهتماما متزايدا بأشجار النخيل ذات الجودة العالية خصوصا " المجهول" و "بوفقوس" سواء من طرف الفلاح الصغير أو المتوسط ، و توسيعا للمساحات المزروعة في هذا الإطار ، مع تثمين منتوج النخيل من حيث " التعليب" و ارتفاع أرباح الفلاح منه نتيجة ارتفاع الجودة جراء الاهتمام المتزايد بالتمور في المنطقة . كما ستعرف المنطقة جلب موارد مالية مهمة لدعم الاستثمار في مخطط الأخضر سواءا في دعامته الأولى أو الثانية .
ارتباطا بالإشكالية المحورية التي طرحناها في مقدمة هذا المقال نتساءل إلى أي حد مكن الاستثمار من احترام خصوصية الفلاحة القروية المغربية التي تتأسس على التضامن و الترابط الاجتماعي و الأسري بالأخص المناطق الواحية ؟ ألا يعد السعي وراء الإنتاجية و المردودية المكثفة عاملا من عوامل تدمير الموارد الطبيعية و المائية خصوصا في غياب الترشيد و المراقبة المستمرة لهذه الموارد؟ ألا يشكل هذا المخطط مجالا لسيطرة طبقية جديدة للمستثمرين الكبار على أراضي الجموع و استحواذا على الدعم المالي الكبير الذي يوفره هذا المخطط للفلاحين الكبار خصوصا في الدعامة الأولى ؟ ألا يعد الاستثمار بهذا المعنى مدمرا للبنيات الفلاحية و الاجتماعية و العمرانية للواحة في بوذنيب ؟.
3 – الاشكالات التنموية التي يطرحها الاستثمار في بوذنيب :
يطرح الإستثمار في بوذنيب عدة إشكالات تنموية ، تعيق استفادة المنطقة منه و تضعه في قلب التنمية المحلية و شريكا محوريا فيها و نحصر هذه الإشكالات فيما يلي :
أ ) – إشكال بيئي :
تزخر منطقة بوذنيب بفرشة مائية مهمة و أراضي فلاحية خصبة تجعل منها كما أسلفنا الذكر وجهة مفضلة لدى المستثمرين ، لكن التخوف الذي يطرحه الفاعلون الاجتماعيون و الساكنة ، إلى أي حد يحترم المستثمردفتر التحملات المتعاقد حوله في تدبير الموارد المائية و الطبيعية ؟
يعرف الاستثمار في بوذنيب تزايدا كبيرا و ملفتا للنظر و استغلالا واسعا لمساحات زراعية من أراضي الجموع تعد بالآلاف، و يواكب هذا التزايد ارتفاع في عدد الأثقاب و الأحواض المائية مع عدم وتوفر معطيات واضحة تبين توافق تزايد عدد المستثمرين و المساحات المستغلة مع حجم الفرشة المائية التي تتوفر عليها المنطقة ،و لقد أبدت تنسيقية هيئات و فعاليات المجتمع المدني تخوفها من الاستعمال المفرط للفرشة المائية فطالبت بلقاء مع وكالة الحوض المائي، لكن الوكالة أخلفت الموعد دون مبرر واضح .
إن عدم الاكتراث بالعواقب البيئية الناجمة عن الإفراط المهول في استغلال الفرشة المائية و التطور المتوحش للإنتاج دون توفر معطيات واضحة لقدرة استيعاب الفرشة المائية بتزايد عدد المستثمرين يزيد من تخوفات الساكنة و حول الاستثمار إلى بؤرة للتوتر الاجتماعي، و هو ما نلحظه تباعا في العديد من الوقفات و المسيرات التي نظمتها العديد من القصور التي يتواجد فيها المستثمرين .
و على كل حال ، لابد أن نسجل أنه هناك استخفاف بالآثار البيئية و ميل لخيار رفع الإنتاجية و جلب المستثمرين مما سيدمر أهم مرتكز تنموي لمنطقة بوذنيب ألا و هو الفرشة المائية .
إن السعي إلى زيادة الإنتاجية و جلب الاستثمار ضرورة معقولة لكن الرغبة في ذلك دون مراعاة العواقب البيئية خاصة مع شح الموارد المائية في منطقة صحراوية تعرف أخفض معدل للتساقطات بالمغرب يعتبر كأنه سعي إلى فشل مضمون ترافقه كوارث بيئية وخيمة .
ب ) إشكال اقتصادي :
تعتبر الفلاحة الواحية مكونا أساسيا للاقتصاد البوذنيبي، إذ تعتبر المورد الأساس لغالبية الساكنة خصوصا ساكنة القصور. لكن مع ظهور الاستثمار و تزايد وتيرته نتساءل إلا أي حد يساهم هذا الاستثمار في تطوير الاقتصاد الواحي ببوذنيب،وما تاثيره عليه ؟
كانت الفلاحة المعاشية تحقق نسبيا الأمن الغذائي لساكنة قصور بوذنيب باعتمادها على زراعة القمح و الخضروات و الذرة و الشعير و النخيل و الزيتون... ، بيد أنها منذ فيضان 2008 و ماخلقه من طمر للأراضي الفلاحية بالواحة و جرف العديد من الأشجار المثمرة تراجعت هذه الفلاحة، و لم يواكب هذا التراجع اهتماما و تدخلا ملموسا للدولة في إعادة الفلاحة الواحية إلى ما كانت عليه ، مقابل ازدياد الاهتمام بالاستثمار و دعمه ماديا و تقنيا دون الإكتراث بهذه الفلاحة التي تعد من أهم خصوصيات البيئة في واحات بوذنيب ، و موردا اقتصاديا مهما .
إن هذا التفاوت في الاهتمام بين الفلاحة الواحية و الاستثمار الوافد زاد من تعميق الهوة الاجتماعية بين الذين يملكون و الذين لا يملكون ،فرغم أن مخطط المغرب الأخضر كما أسلفنا الذكر وضع من أهم أهدافه المواكبة التضامنية لأجل دعم الزراعة الصغيرة والمتوسطة مع نهج يغلب عليه طابع مكافحة الفقر وتحسين مستوى دخل الفلاحين في وضعية هشة ،فإنه على أرضية الواقع، ومن خلال رصدنا لمختلف الانجازات نلحظ أن أهداف هذه الدعامة لازالت تراوح مكانها ،وكل ما يطالعنا به المسؤولون في هذا الإطار مؤشرات رقمية سرعان ما تتبدد باستحضارنا للتراجع الخطير الذي تعرفه الفلاحة الواحية سواء من حيث المردودية او التوسع وتحقيقها لحاجيات الساكنة .
نفس التمايز بين المستثمر المحلي والمستثمر الوافد نجده في تنزيل المساطر الادارية ،ففي الوقت الذي يرحب بهذا الأخير وتبسط له المساطر الإدارية ،وتفوت له الأراضي الفلاحية بشكل سلس ،يواجه المستثمر المحلي سواء كان من ذوي الحقوق أو من الساكنة المحلية بكم هائل من المساطر الإدارية التي غالبا ما تحول دون استفادته من حقه في الإستثمار في أراضي أجداده .
ورغم العائدات التي وفرها الإستثمار لذوي الحقوق من كراء أراضي الجموع، فإنها لم تستثمربعد في مشاريع تنموية تساهم في الإقلاع التنموي للمنطقة.
ثم إن الاستثمار إذا كان قد استطاع أن يخلق فرص شغل لساكنة بوذنيب فإن عدد هذه الفرص قد تراجع بشكل ملفت للنظر في أغلب الضيعات الفلاحية نتيجة " المكننة" المعتمدة فيها ،كما ان اليد العاملة المؤهلة تقنيا المشغلة في هذه الضيعات أغلبها وافد من مناطق أخرى، فضلا على أنها لا تعتمد على صناعات تحويلية بعين المكان تمكن من خلق فرص شغل ، فأغلب المنتوجات : الزيتون أو التمور يتم تحويلها أو تعليبها خارج بوذنيب ، مما يجعلنا نطرح السؤال ما درجة استفادة الساكنة من الاستثمار و ما حجم مساهمته في التنمية المحلية؟ ألا يعد الاستثمار بهذا المعنى مجالا لسيطرة "أعيان جدد" على أراضي الجموع ؟.
ب – إشكال اجتماعي و ثقافي :
تقوم السياسة الفلاحية في المغرب عموما و الاستثمار في بوذنيب خصوصا على مقاربة تنموية تتأسس على هيمنة هاجس المردودية و التقنية وضع رؤوس الأموال الضخمة لتحويل فلاحة ذات قيمة مضافة هزيلة إلى فلاحة تخلق القيمة و فرص العمل و الرهان على منافع العصرنة و التحديث من منظور تقني صرف .
إن اعتبار الاستثمار نشاطا اقتصاديا فحسب يسعى وراء المردودية المتزايدة يتصادم مع خصوصيات الفلاحة في الواحة ببوذنيب التي ليست هي نشاطا اقتصاديا فحسب ، إنها على العكس من ذلك نمط عيش يمتزج فيه الاقتصادي بالثقافي بالديني ، فالفلاحة تنبني على طابع عائلي و أسري يساهم في انتشار قيم التضامن و التعاون للحصول على منتوج جيد ،بخلاف الاستثمار الذي يتأسس كما أسلفنا على مقاربة اقتصادية صرفة تبتغي المردودية المرتفعة والربح المادي ،هذه المقاربة تجعل منه أداة لتفكيك البنيات الفلاحية التقليدية في الواحات باعتبارها وحدات منتجة ، فالفلاح في الواحة التي يشتغل بالفلاحة مع عائلته ليس مقاولا أو رئيس شركة أو رجل أعمال بل هو رب أسرة له سلوكيات معقدة للغاية ، و في هذا الصدد يقول الباحث ادريس بنعطية : « خلافا للشركة التي يمكن تعريفها كوحدة إنتاجية تسعى للربح، فإن الفلاحة العائلية تهدف إلى استمرار الثنائي : أسرة – مزرعة . إن أمن الأسرة في كثير من الأحيان يحظى بالأسبقية على أمن وحدة الإنتاج » .
إن التخوف الذي ينتابنا في هذا الإطار هو تحول الاستثمار إلى أداة لتدمير للبنيات الإنتاجية التقليدية في الواحات سواء من خلال إدخال مقاربة جديدة في تحديد النمط الفلاحي في الواحة دون فهم و استيعاب الخصوصيات الإجتماعية و الثقافية و الدينية لها ، و التي تساهم في إنتاجية أفضل و تحفيز للمكونات الاجتماعية للانخراط في نمط الانتاج هذا ، أو من خلال استقطابها لليد العاملة المشتغلة في الواحات و الاستفادة من خبراتها في الرفع من المردودية الفلاحية بالضيعات الفلاحية الكبرى مع ما يواكب ذلك من تدمير للفلاحة بها أو من خلال تدمير الأمن الغذائي لساكنة الواحة باعتبار الفلاحة فيها تتأسس على تنوع المزروعات الموسمية الموجهة للتغذية الذاتية : " زراعة القمح – الخضروات – الفواكه – الزيتون – النخيل" ...فالاقتصار على تكثيف غرس النخيل و الزيتون دون الأخذ في الحسبان الحاجيات الأساسية للساكنة ، و الاهتمام بالمردودية الفلاحية الكبيرة دون الاهتمام بالأمن الغذائي للساكنة سيزيد من تخوف الساكنة من هذا الوافذ الجديد التي غالبا ما تطرح سؤالا محوريا و أساسيا : ماذا نستفيذ من الاستثمار إذا كان هاجسه هو البحث عن مردودية كبيرة في أسواق خارج منطقة بوذنيب ؟
إن إدخال الاستثمار إلى منطقة بوذنيب دون فهم عميق للخصوصيات الثقافية و الاجتماعية للواحة التي تلقي بضلالها على النمط الفلاحي هناك، و دون استحضار الحاجيات الأساسية للساكنة من القطاع الفلاحي لن تساهم في تقديرنا إلا في تعميق الهوة الاجتماعية بين الساكنة المشكلة من فئة عريضة من الفلاحين الصغار و بين الوافد الجديد ، و تدمير البنيات الفلاحية التقليدية المميزة للواحة ببوذنيب و من ثم لن يكون في تقديرنا الإستثمار شريكا للتنمية بقدر ما سيشكل مجالا لسيطرة طبقية جديدة للمستثمرين على أراضي الجموع و استنزافا للموارد الطبيعية و المائية للمنطقة .
3 ) مقترحات أولية لتجاوز الاشكالات التنموية للاستثمار :
سنحاول أن نقدم جملة من الاقترحات التي سنأسسها على ضوء أربع مبادئ نحسبها ضرورية لتأطير هذا الإستثمار :
1 – مبدأ التشارك بما يفيده هذا المفهوم من تقاسم المصالح بين الساكنة و وسطائها الاجتماعيين من مجتمع مدني و ممثلي الجماعات السلالية من جهة و المستثمر الوافد من جهة أخرى ، فالمستثمر بهذا المعنى ليس مستغلا للمؤهلات التنموية للمنطقة من فرشة مائية و أراضي خصبة فحسن، إنه في تقديرنا شريك فاعل في التنمية المحلية .
2 – مبدأ التوازن : نقصد بالتوازن تكافؤ الفرص في الاستثمار بالاراضي السلالية بين المستثمر الوافد و المستثمر المحلي من ذوي الحقوق و ساكنة المنطقة .
3 – مبدا الاستدامة : بما تعينه هذا المصطلح من كونه تنمية تلبي حاجيات الحاضر دون الإضرار بقدرة أجيال المستقبل على تلبية حاجياتهم و التعامل العقلاني مع الموارد الطبيعية و المائية و خلق توازن بين وثيرة الانتاج و عدد المستثمرين و توافر الموارد الطبيعية و المائي .
4 – مبدأ التوافق : إذ جلب الاستثمار يجب ان يكون محل توافق بين ممثلي أراضي الجموع والجماعات السلالية من جهة والمستثمر الوافد من جهة اخرى تحت وصاية بعدية للسلطات المحلية ،مع ضرورة اشراك المجتمع المدني في هذا الإطار اعتبارا لما راكمه من تجربة في الترافع حول القضايا والإشكالات التنموية بالمنطقة وقربه من الساكنة وتوسعه الجغرافي ،مع عدم اقتصار دور الجماعة السلالية على الموافقة المبدئية للاستثمار في اراضي الجموع بل لا بد من مراعاة مصالح الساكنة والتأثيرات البيئية للإستثمار .
على ضوء هذه المبادئ سنحاول أن ندلي بجملة من المقترحات الأولية التي نعتبرها ضرورية لعقلنة حقيقية للاستثمار :
1. التدبير العقلاني للموارد الطبيعية ،ويتموقع هذا المقترح على رأس الأولويات في ظل التخوف والتوجس والغموض ،وشح المعطيات الذي يكتنف هذا المجال.
2. تسهيل المساطر القانونية لاستفادة الساكنة وذوي الحقوق من الاستثمار بأراضي الجموع .
3. خلق توازن بين وثيرة الإنتاج و عدد المستثمرين و توافر الموارد الطبيعية و المائية .
4. توفر إرادة قوية من طرف السلطات وممثلي أراضي الجموع والجماعات السلالية لجعل الاستثمار رافعة أساسية للتنمية المحلية .
5. ضرورة مساهمة المستثمر في التنمية المحلية بخلق مشاريع تنموية تساهم في تطوير النسيج الاقتصادي المحلي وتخلق فرص شغل بالمنطقة .
6. ضرورة التنصيص في عقدة الإيجار على خلق صناعات تحويلية بالمنطقة وتشغيل اليد العاملة المحلية ليس فحسب المياومة بل تلك من ذوي الشهادات والتقنيين في مختلف المجالات .
7. خلق مركز للتكوين الفلاحي لتأهيل الموارد البشرية المحلية وإدماجها في الاستثمار الوافد .
8. تكوين ممثلي الجماعات السلالية وممثلي أراضي الجموع في المجال القانوني والمقاربات التنموية .
9. ربط الموافقة على استغلال أراضي الجموع بما يوفره المستثمر من فرص للشغل وبدرجة مساهمته في التنمية المحلية .
10. إشراك المجتمع المدني في تدبير ملف أراضي الجموع ،باعتبار ضعف تكوين ممثلي أراضي الجموع والجماعات السلالية ،وسيطرة مصالح شخصية ضيقية في تدبير هذا الملف .
11. خلق ضيعات فلاحية لفائدة الشباب من الساكنة وذوي الحقوق ،مع توفير الدعم الكافي من طرف الدولة لإنجاح هذه التجارب وتسهيل المساطر القانونية في ذلك.
12. دعم وتأهيل الفلاحة في الواحات باعتبارها مرتكزا تنمويا يساهم في توفير الموارد المعيشية لعدد كبير من ساكنة هذه الواحات .
13. التفعيل الجيد للدعامة الثانية من مخطط المغرب الأخضر مع ضرورة المتابعة والتقييم الجيد بمراعاة النجاعة والفعالية دون الاعتماد على مؤشرات رقمية كثيرا ما تحجب الحقيقة .
14. استثمار عائدات كراء أراضي الجموع لخلق مشاريع تنموية لفائدة الساكنة وذوي الحقوق .
15. رفع الوصاية القبلية للسلطات المحلية على أراضي الجموع واستبدالها بالوصاية والمراقبة البعدية .
16. تشبيب ممثلي أراضي الجموع والجماعات السلالية ،واحترام القوانين المنظمة لها عند تكوينها أو تجديدها .
17. اعتماد بعض الزراعات التي لا تستنزف الفرشة المائية ،ومنع كل زراعة لا تراعي مبدأ الاستدامة ،كما أصبحنا نلحظ مؤخرا في زراعة البطيخ الأحمر :الدلاح.
18. إن طرحنا لموضوع الاستثمار في علاقته بالتنمية المحلية ينبع من اعتباره رافعة أساس للتنمية ومدخلا لتأهيل المنطقة اقتصاديا ،بيد أن المقاربة المنتهجة في تدبير هذا الملف تحول دون تحقيق هذا المبتغى ،بل سيتحول الوافد الجديد إلى مدمر لكل مقومات التنمية المحلية في المنطقة وسيحدث تأثيرات اجتماعية واقتصادية وبيئية خطيرة.
[1] - مجلة وجهة نظر عدد مزدوج60-61 ربيع وصيف2014 السنة العشرون صفحة 10 نجيب أقصبي: الاستراتيجية الفلاحية المغربية الجديدة: « مخطط المغرب الأخضر»
[2] - نجيب أقصبي المرجع السابق ص 11
[3] - نجيب أقصبي المرجع السابق ص 11
[4] - نجيب أقصبي: وجهة نظر مرجع سابق ص 13