أحيانا يخيل إليك أن الطبقة السياسية تفتقر إلى الإدراك، ولذلك فكثير من أهلها يطلقون العنان لألسنتهم لكي تلوك تصريحات مثيرة للدهشة والسخرية.
نجمة هذه التصريحات بلا منازع هي بسيمة حقاوي وزيرة التضامن والأسرة، فقد قالت على أمواج محطة «لوكس راديو» التي يملك أسهمها أخ الأمين الجهوي للأصالة والمعاصرة بالدار البيضاء، أن السبب وراء هبوط نسبة مشاهدة النقل المباشر لتقديم رئيس الحكومة لحصيلة نصف ولايته في البرلمان هو وجود الرجال المثقفين الذين يهتمون بالسياسة في المساجد يصلون التراويح، هذا في الوقت الذي لم يكن يوجد في البيوت سوى النساء والخادمات.
في نظر مدام بسيمة فالنساء والخادمات لا يفهمن في السياسة بل فقط في المطبخ وشؤون البيت، فالرجال هم وحدهم المثقفون الذين يهتمون بالسياسة ويهمهم ما يقوله السيد بنكيران في البرلمان.
وهذا طبيعي، طالما أن نموذج المرأة الذي تنتصر له مدام حقاوي هو «الشعيبية» زوجة «كبور» في سلسلة «الكوبل». فقد قالت في تصريح لا يقل إثارة عن سابقه بمناسبة حضورها لندوة نظمتها إحدى المجلات النسائية إنها معجبة بهذه السلسلة لأنها انتصرت للمرأة.
والحال أن كل من تابع السلسلة لم يلاحظ أي انتصار للمرأة من خلال «الشعيبية» بل إن السلسلة قدمت المرأة بشكل نمطي شكلا ومضمونا لا يخرج عن الصورة السلبية التي لدى الطبقات الشعبية عن المرأة. فهي من ناحية الشكل امرأة سمينة تلتهم حبوب «دردك» وتجرجر أردافا محشوة بالوسائد وصدرا ضخما مبالغا فيه محشوا بمادة «اللاواط» التي تستعمل لحشو «المضارب».
وربما فهذا الشكل من النساء هو النموذج بالنسبة للسيدة الوزيرة وليس أشكال «شاكيرا» وأخواتها، خصوصا أن السيدة الوزيرة سبق لها أن هاجمت المغنية الكولومبية عندما جاءت لكي تغني في الرباط ووصفت عرضها الموسيقي بالبورنوغرافي الذي تتخلله إيحاءات جنسية.
ومن ناحية المضمون فالشعيبية امرأة تختزل كل «قوالب» الدنيا والدين، وتعمل ما بوسعها لتجنب الوقوع ضحية زوجها «كبور» الذي يجسد الرجل والذي كل شغله هو التدخين ونصب المقالب والكمائن لزوجته وبنته للحصول على المال.
والحقيقة أن تصريحات السيدة الوزيرة تكشف عن وعي جد سطحي بقضية المرأة ومستوى ثقافي وفني متواضع لا يليق بمستوى سيدة تحتل منصبا وزاريا مهما كالتضامن والأسرة.
وربما تصرف السيدة الوزيرة من خلال انتصارها للمرأة الشعيبية التي تصارع يوميا زوجها قلقا وجوديا شخصيا، فالسيدة الوزيرة بسقوطها في غرام الشعيبية تكشف عن نظرة سلبية تجاه الرجال، فهي تشجع المرأة المغربية على التصرف على شاكلة الشعيبية من أجل الانتصار لأنوثتهن على خشونة الرجال، هذا إذا كانت الشعيبية تتوفر على أنوثة.
وعلى ذكر الأنوثة فقد حرم أحمد الريسوني عضو حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، استعمال النساء العاريات في الدعاية التجارية كالخمور، وفي بعض الأعمال الفنية التي تروج للفاحشة.
والغريب أن تلميذ الريسوني النجيب في الحركة، السيد وزير الاتصال مصطفى الخلفي، تكاسل هذه المرة ولم يجد أي داع لإدراج فصل في مشروع قانون الصحافة الذي أعده يعاقب على نشر إعلانات الخمور في الصحافة، بينما خص التبغ بفصل يعاقب ترويجه. علما أن الخمر في الحديث النبوي هي أم الخبائث وعواقبها على الصحة والموازنة العامة للدولة أكبر بكثير من عواقب التبغ.
ومن سوء حظ الريسوني أن انتشار هذه الفتوى الخاصة باستعمال النساء العاريات في الدعاية جاء متزامنا مع انتشار صورة لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وزوجته نبيلة بجلبابها الطويل مع الرئيس الأمريكي وزوجته ميشيل أوباما التي ظهرت في الصورة كاسية عارية مرتدية تنورة صفراء لاصقة تكشف عن أجزاء من صدرها وكتفيها وذراعيها وساقيها الطويلين. وربما هذا ما دفع إحدى بنات عبد الإله بنكيران إلى التعليق على صورة والديها في البيت الأبيض قائلة «ماعنديش مع ذاك السيد»، في إشارة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مضيفة «نحاسبوه أمام الله على دماء خوتنا في غزة»، باحثة عن عذر لوالديها لتبرير زيارتهما للبيت الأبيض والتقاطهما لهذه الصورة قائلة «غير السياسة ومادير وصافي، الله يعفو علينا منها».
وقد وظفت بعض المنابر والمواقع المكلفة بتسويق صورة رئيس الحكومة هذه الصورة للدعاية للرضى الأمريكي على رئيس الحكومة المغربي ومباركتها لخطواته. وهكذا يصبح العري مباحا عند مفتي الحزب عندما يتعلق الأمر بالدعاية لرئيس الحكومة فيما يصبح محرما عندما يتعلق الأمر بأشياء أخرى.
وقبل أن يطلق الريسوني هذه الفتوى حول العري أفتى بجواز الجهاد لتحرير فلسطين إلى جانب مقاتلي حماس في غزة، كأنما لكي يصحح فتوى رئيسه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي الذي سبق له أن قال لجريدة الوطن القطرية إنّه لا ضرورة ولا واجب شرعيا لفتح باب الجهاد في فلسطين حاليّا لأنّ الله يختبر صبر المرابطين في الأراضي المقدّسة، داعيا شباب المسلمين إلى تركيز جهودهم على الجهاد في سوريا لتحريرها من ظلم بشّار الأسد وطغيانه.
وإلى اليوم لم نسمع أن أحدا من أبناء الوزراء والقياديين في حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح الذين يدرسون في جامعات ومعاهد تركيا قد شدوا الرحال نحو فلسطين لكي يغيروا الكراسات والمحاضرات بالرشاشات والأحزمة الناسفة لتحرير فلسطين.
كما أن الشيخ المفتي لم يعط المثال بنفسه ويطبق فريضة الجهاد الذي يحق عليه قبل غيره، ولزم فيلته ولم يغادرها نحو فلسطين للالتحاق بالمقاتلين في الأنفاق.
أما رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران فيبدو أنه استحلى جنبات وكنبات البيت الأبيض ونسي ما كان قد قاله بخصوص الجهاد في فلسطين عندما قال في مؤتمر عزمي بشارة بالدوحة إنه كان ينوي الذهاب للقتال في فلسطين وعمره لم يتعد 14 سنة، ولذلك قصد زعماء الثورة في الستينات عندما جاؤوا لحضور مؤتمر في الرباط وطلب منهم أخذه معهم. فما الذي يمنع الريسوني وبنكيران وأبناءهما ومناضلي حزبهما وحركتهما من التوجه في قافلة طويلة نحو فلسطين للقيام بواجب الجهاد الذي يفتون به اليوم؟
هل يطلقون هذه الفتاوى لكي يذهب أبناء المغاربة البسطاء إلى جبهات القتال والخنادق لكي يستشهدوا فيما هم يرسلون أبناءهم إلى الجامعات التركية والأمريكية لكي يدرسوا ويستعدوا لتسلم المناصب لدى عودتهم إلى المغرب، كما فعل ابن الداودي عندما تدبر له الخلفي منصب عمل في بنك عمومي بعد دراسته في فرنسا؟
وكأنهم يقولون للمغاربة اذهبوا أنتم وأبناؤكم لتجاهدوا في سبيل الله إنا نحن وأبناؤنا ها هنا قاعدون، فقد رضينا بأن نكون مع الخوالف.
والحقيقة أن هؤلاء الذين يستغلون ما يحدث في غزة من مذابح للحديث عن فلسطين لا يفعلون غير تطبيق الحكمة المغربية التي تقول «عندما تسقط البقرة تكثر السكاكين».
فبقدرة قادر أصبح الجميع يتغزل في فلسطين، فهذا وفد من الأصالة والمعاصرة يستعد للتوجه إلى غزة، وهذا وفد من التقدم والاشتراكية يستعد للذهاب لملاقاة قادة فتح، وهذا الابن المدلل للفاسي الفهري يستعد لدعوة صائب عريقات لمنتداه ويدين العدوان على غزة، وهذا فقيه التوحيد والإصلاح يدعو المسلمين إلى الجهاد في فلسطين دون أن يبرح مكانه.
وفي نهاية المطاف فالسياسيون هكذا، لا يستحيون ولا يتورعون عن استغلال المآسي والفواجع مهما كانت مؤلمة طالما أنهم متأكدون من أن لديهم مصلحة في ذلك.
أما التصريح الذي يضرب في الصفر ما ذهب يبحث عنه بنكيران في القمة الإفريقية الأمريكية فهو ذلك الذي قاله وزير العدل مصطفى الرميد عندما نصح كل من يملك عقارا بأن يضرب فيه «الفكد» في المحافظة العقارية مرة كل أربع سنوات حتى لا تسطو عليه مافيا العقار وتبيعه وتحفظه في أسماء ملاك آخرين.
ولعل المصيبة الكبرى ليست هي اعتراف وزير العدل بوجود المافيا في المغرب بل في ذلك القانون الذي تقدمت به حكومة عباس الفاسي وصوت عليه البرلمان بغرفتيه يومين قبل ذهاب حكومة الفاسي لحال سبيلها وهو القانون الذي يعطي صاحب الحق إذا تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه .
فكما لو أن وزير العدل عوض أن يطالب بإلغاء القانون رقم 39-08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، الذي يحمي حقوق المافيا عوض حماية حقوق المواطنين، يبادر إلى تحذير المواطنين من مغبة نسيان تفقد ممتلكاتهم لدى المحافظات العقارية، ويحملهم مسؤولية ضياعها في حالة عدم القيام بمراجعة المحافظة كل أربع سنوات.
هذا القانون الذي تم التصويت عليه في اجتماع لجنة مكونة من ممثلي وزارة العدل ونواب برلمانيين المنعقد بتاريخ 6 يوليوز 2011 بحضور رئيس اللجنة وأربعة أعضاء فقط من أصل 31 عضوا، يجب أن يلغى لأنه يعطي الأفضلية للمشتري حسن النية استنادا إلى عقد مزور ويحرم منها المالك الأصلي للعقار.
ولا بد أن السيد وزير العدل وهو ينصح المواطنين بمراجعة المحافظة العقارية كل أربع سنوات للتأكد من أن أملاكهم ما تزال في حوزتهم فاته أن عددا كبيرا من المغاربة الذين لديهم عقارات في المغرب يعيشون في الخارج وليست لديهم فرصة القدوم كل أربع سنوات لتفقد ممتلكاتهم العقارية.
لذلك فالصيغة المعيبة والملتبسة لنص هذا القانون لا شك أنها ستفضي إلى خلق مشاكل يستعصي حلها سيما إذا تعلق الأمر بالأشخاص الذين تضطرهم ظروف السفر والهجرة إلى عدم مراجعة مصالح الوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية للاطلاع على الرسوم العائدة لهم، حيث بالإمكان أن تمر أربع سنوات أو أزيد على إدراج تقييدات بالرسوم المذكورة بناء على وثائق مزورة، وعند اكتشاف هذه الوضعية يسقط حق المالك في المطالبة بالإبطال أو التشطيب على التقييد لمرور أربع سنوات.
فمن هو المستثمر الأمريكي الأحمق الذي سيسمع وزير العدل يعترف بوجود المافيا وبوجود قوانين تحميها ثم سيفكر بعد ذلك بالقدوم إلى المغرب للاستثمار؟
«خصو يكون نيت ضارب باباه السلك باش يجي».