لقد شكلت الانتخابات المصرية الأخيرة التي "فبركها" العسكر ،مهزلة أخرى تُضاف إلى السجل الكبير من المهازل التاريخية التي سطرها الخونة وطلاب السلطة و الجاه ، على مدى تاريخ مصر الحديث،هذا التاريخ الذي كان العسكر أهم مهندسيه وصنّـاعه ، الشيء الذي أنتج قائمة من الفراعنة والطواغين ، الذين استبدوا بالشعب المصري وبثرواته..

غير أن هذه المهزلة الانتخابية الأخيرة،تأتي في سياق تاريخي دقيق ومفصلي من تاريخ الأمة العربية ككل..فقد جاءت بعد سلسلة من المجازر الدموية التي كان للعسكر اليد الطولى فيها، بقيادة المشير السيسي ومن معه،وبعد مسلسل من الملاحقات السياسية والاعتقالات التعسفية، التي طالت خيرة شباب المحروسة،وخاصة قيادات شباب ثورة 25 يناير ، الذين جهروا برفضهم لحكم العسكر، وبإجهاض المسلسل الديمقراطي الذي كانت مصر قد شرعت في بنائه،وكان من أول نتائجه،الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب بشكل ديمقراطي وشفاف بشهادة العالم أجمع..

     والمثيرـ حقاـ للاشمئزاز والضحك معا، هو التداعي المكلوب لكل وسائل الإعلام المصرية، العامة و الخاص،والتجييش المقصود لخدمة الأجندة الانقلابية للعسكر، وتبخيس ما دونها،وما واكب ذلك من تهليل وتطبيل للمشير الإنقلابي ومن معه،باعتباره منقذا ومخلصـا ، مساهمة عن قصد في رسم صورة مثالية ومتسامية لهذا الانقلابي ، تسمو به إلى درجة الأنبياء والصالحين. طبعا مع ما صاحب ذلك ، من زرع لبذور الكراهية والحقد بين أطياف الشعب المصري ،حيث صير إلى التمييز بين طائفتين عن قصد وسوء نيّة،فئة مع الانقلابيين وعلى رأسهم السيسي،وفئة أخرى ضد الانقلاب وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون وكل من ساندهم وجاهر برفض حكم العسكر البغيض.. وقد كان أيضا لبعض علماء الموائد والصالونات،وبعض وسائل الإعلام العربية الدور الكبير في ذلك ، وسيسجل الشعب المصري لهم صنيعهم ذاك، في ذاكرته التي لا تبلـى،كمـا سيقع عليهم إثـم ذلك في الدنيا والآخــرة دون ريب.

ومثلما ينقلب السحر على الساحر،جاءت المسرحية الانتخابية الأخيرة، لتكشف عن القيمة الحقيقية للانقلابيين ، وتبرز للعالم مدى حقارتهم وشعبية " قزمهم" الذي ظلوا فيه ينفخون..فقد عمل الشعب المصري البطل ، على محاصرة العسكر وحشرهم في زاوية ضيقة، تلقوا على إثرها اللكمات تلوى اللكمات،ملقنين إياهم درسا بليغا وقاسيا،مفاده أن الشعب ليس قطيع أنعام،يباع ويشترى ببضع شعارات زائفة،يروج لها بعض أشباه الإعلاميين، الذي صعّـروا خدودهم، وأجّروا أفواههم ، لسدنة العسكـر وفلولالاستبداد و المـال المغشوش ، وتنكروا لشرف مهنتهم وأمانة رسالتهم.

لقد كان في عُـزوف الشعب المصري عن صناديق الاقتراع، أبلغ تعبير عن الرفض والتمرد والعصيان.. موقف شجاع وغير منتظر ،أخرج أشباه الإعلاميين عن جادة الصواب،فتداعوا يشتمون ويحقرون الشعب المصري،يصبّون عليه جام غضبهم،ويكيلون له ما جادت به قرائحهم العفنة من أوصاف التخوين و الابتذال والإهانة، وكأنهم ليسوا هم الذين كانوا بالأمس القريب يضفون عليه حلل الشهامة و النخوة و و و..

مقاطعة صادمة للعسكرومن معهم ، إلى حـدّ ذهبت معه السلطات الانقلابية ، إلى التهديد بتغريم الممتنعين عن التصويت بغرامة مالية قدرت بـ 500 جنيه، أما عن أساليب الإغراء والترغيب ، فحدث ولا حرج.. إذ لم يتورع العسكر وإعلاميو السوء ،عن تقديم جميع التسهيلات والضمانات للناس لدفعهم للتصويت للمشير الذي انقلب على رئيسه المنتخب . لكن كل ذلك، لم يُـجـدِ  نفـعا في دفع الناس إلى تقديم صُكوك الولاء والطاعة لسلطة الدم .. وجاءت النتائج صادحة،كما رأيناها ورآها القاصي و الداني، فكانت صرخةً مدوية في وجه العسكر ومن معهم ،من الفاسدين والكتبة الكذبة و أشباه الإعلاميين ، كما كانت رسالة واضحة ، لالبس فيها،بأن حكم العسكر غير مرحب به،لا  في المحروسة ولا في غيرها من بلاد العرب ،وأن الشعوب العربية لن تصمت على ظلم بعد اليوم. فمهما حشد الانقلابيون من عساكر وإعلام ومهرجين ، لن يفلح في تكميم الأفواه ،أو في ثني الهـمم ، وكسر الإرادة . وأستحضر هنا قولة بليغة للإعلامية العربية "آيات العربي" أشارت فيها إلى أن " سحب الثورة تتجمع وتحتشد فوق سماء مصر من جنوبها لشمالها، والشعب يُسنّ أنيابـه ، ويستعد للانقضاض على فئران الانقلاب وأقزامهم!".لأن الشعب لن يتصالح مع القتلة والخونة ،أو مع اللصوص وناهبي ثروات الشعب..فلينتظر السيسي ومن معهغضبة الشعب، الذي سيفجر الثورة بعد الثورة،ليتخلص من القتلة والمجرمين، وليطهّـر المؤسسات من الفساد والمفسدين،والمحرضين على الكراهية والحقد ،والإعلاميين الغوغائيين، والقضاة المُرتشين، والشيوخ المنافقين، والقساوسة المتملقين!!.

لقد بعث الشعب المصري بإشارة صارخة،ستقضّ مضاجع الانقلابيين ، وتطاردهم في أحلامهم،و تتوعدهم بملايين جامحة كالأعاصير،ستملأ الشوارع ، وتقتحم الميادين،وتحاصرهم في قصورهم المحصنة بقطعان البلطجية و العسكر، وستقيم لهم المقاصل في كل جـانب،لتقيم العدالة الإلهية، التي دنّستها أحذية العسكر الملطّخة بدماء الشهداء ،وطلاب الكرامة و الحرية ..

هؤلاء هم حراس مصر الحقيقيون، ومنارات عشاق الوطن التي بها يهتدون، وعلى ضوئها يشقـّون الطريق نحو المستقبل..هـم " جيش مصر، وليس عصابة المرتزقة ، وسماسرة العمولة الأمريكية ،وأقزام واشنطن، وصبية تل أبيب" على حدّ تعبير الإعلامية المناضلة " آيات العربي".

   نرجو أن يترجم هذا الموقف في القريب المنظور على الأرض،وكما كان ردّ الشعب موجعا لسلطة الانقلاب طيلة ثلاثة أيام،نتمنى أن يُصار إلى إبداع أشكال جديدة في ثورة مصر وغيرها،لا قبل للعسكر والخونة بها.. ولأنها بوابة الوطن العربي، ولأنهــا أم الدنيـا،ولأن نصر الشعب المقهور هو نصر للإنسانية جمعاء، فإننا ننتظر الجديد من مصر دائما.