1- الإنشاد في التربية قيمة مضافة دائمة التجدد والروعة:
لا شك أن للإنشاد في حياة الطفولة قيمة مضافة أكدها على الدوام كل المهتمين بالشأن والممارسة التربوية، فهو وسيلة فعالة وميسرة لغرس المفاهيم والقيم وتعزيز الفضائل وذم الرذائل، وتنمية الرصيد اللغوي والمعرفي و الفكري للطفل، وتحقيق الاندماج في الحياة الجماعية وأنظمتها الاجتماعية، فخذ مثلا...نشيدا عن البيئة أو المدرسة، عن بر الوالدين أو الإحسان إلى الآخرين، عن التعاون والتضامن، عن النظام وحب العمل، عن الطبيعة في الصباح أو المساء، عن اللغة و الطفولة أو عن الدين والوطن...فكلها مجالات شتى يمكن الإحاطة بها عن طريق الإنشاد فحسب، طريقة سهلة وميسرة، تفاعلية ومحبوبة، حسية حركية فكرية وجدانية، دون عناء التقنيات وبهرجة الصوتيات وغير ذلك مما تعقدت به التربية الحديثة ولا يتوفر بالطبع للجميع؟؟. تصوروا معي طفلا بريئا ينشد بإرادته أو ينشد له من طرف أمه وأبيه أو معلمته و مؤطرته، كم يسعد بتلك اللحظات الحميمية، العاطفية الإنسانية التي يحظى بها، وكم يسرح فيها بفكره وخياله في تصور موضوع النشيد وحيثياته، وكم يطرب لألحانه ويتحرك مع إيقاعاته، ولا يستفيق إلا وقد لبى حاجياته المختلفة وازداد اقتناعا بموضوع النشيد، فإذا كان حول الأم مثلا أحبها وإذا كان حول الشجرة احترمها أوحول الوطن حدث نفسه بحبه وفضله وواجب التضحية من أجله؟؟.
2- النشيد من ترانيم الأمهات إلى مهرجانات الجمعيات:
لقد لعب النشيد أدوارا تربوية على الدوام من ترانيم الأمهات وهدهدات الجدات، إلى دندنات المنشدين ونغمات الملحنين إلى مقامات المعلمين في المدارس و إيقاعات المؤطرين في الجمعيات، إلى حماسة المنشدين والحداة في الرحلات والمشجعين في الدوريات والمعجبين في المسابقات والمهرجانات وغيرها من التظاهرات، إلى حصص الإنشاد في المخيمات و البرامج الإذاعية والتلفزية الخاصة بالموضوع والتي افتقدتها الساحة التربوية والإعلامية كثيرا ودون مبرر ديداكتيكي مقبول؟؟. ولصالح ماذا، لصالح الفراغ وهو أشد أو لصالح الألعاب الإلكترونية والرسوم المتحركة في أحسن الأحوال، مع ما قد تحمله هذه الرسوم الأجنبية من مفاهيم جافة ومضطربة لا تمت إلى الهوية بصلة أو سلوكات تحرض على العنف والانحراف ولا تمت إلى الخصوصية بتاريخ أو مقاصد؟؟. غير أن هناك طائفة من المناضلين الأصلاء وبالتحديد في المجال الجمعوي لا يزالون ينتجون العديد من الأناشيد التربوية الهادفة والمتنوعة وكثيرا ما يوفقون في مواضيعها المتنوعة وألحانها الجميلة وإيقاعاتها الرائعة، والتي كثيرا ما يطرب لها الأطفال الصغار بل وحتى الرجال الكبار، خذ مثلا نشيد "كتاب الله" أو"جمعيتي" لجمعية الرشاد بمكناس، أو نشيد "مغرب الحضارة" لجمعية الرسالة أونشيد"عودة طارق" لفرع الجمعية بفاس بنسودة، أو نشيد "الوالدين" لجمعية البلسم من القصر الكبير، أو نشيد "مغرب الملاحم" لجمعية البلاغ، أو نشيد" وعند اللقاء" لجمعية الشهاب من تطوان، أو نشيد غطا الظلام أو"رسول الله" لفضاء الفتح فرع أرفود، أو...أو...أو...واللائحة تطول، كلها أناشيد تربوية وطنية دينية بيئية طفولية هادفة، كانت ثمرة نتاج المخيم الوطني الأول للتفوق والإبداع والذي نظمته مشكورة رابطة الأمل للطفولة المغربية(نسيج وطني للجمعيات الطفولية) بالمركز الوطني للتكوين والاصطياف بالهرهورة خلال عطلة منتصف الأسدس الأول من الموسم التربوي 2009 - 2010، ولكن مع الأسف كل هذا الإنتاج الغزير والإبداع الأصيل لا يجد من يساعد على إنتاجه وترويجه في أوساط العموم وخاصة فئات الأطفال والذين من شدة حرمانهم أصبحوا يلهجون بكل ما هب ودب من الأغاني السوقية "الشعبية" أو في أحسن الأحوال بالأغاني العاطفية للكبار وهو ما لا يتناسب مع مرحلتهم العمرية، ناهيك عن أنه قد يكون ضمنه ما يهدد هويتهم ويتنافى مع خصوصيتهم ؟؟؟.
3- مقترحات للنهوض على سبيل الختم:
قلت لقد توفقت العديد من الجمعيات التربوية في إنتاج العديد من الأناشيد التربوية الرائعة كلمات ومعنى لحنا وحركة، (ولقد أخبرتني إحدى الجمعيات الصديقة أن في خزانتها والحمد لله حوالي مائة نشيد جديد أبدعتها طاقاتها و مواهبها وهي تنتظر الإنتاج والفرج والافراج) ولكن من قلة إمكانياتها ستظل هذه الثروة التربوية حبيسة الجمعيات المنتجة وربما قد تنتقل إلى بعض الجمعيات المشاركة في بعض التظاهرات الطفولية أوالمنضوية في بعض الاتحادات الجمعوية على أكبر تقدير، والحال أن أبناء الوطن (والذين طالما نتغنى بضرورة تشبعهم بثقافة الحقوق و الواجبات) كلهم في حاجة إلى هذه الثروة التربوية و الفنية بما تنميه فيهم من التذوق الفني الجميل والسليم وتربيهم عليه من قيم المواطنة الحقة وتنميه فيهم من الحكمة الحضارية الإنسانية. إن التربية الفنية للأجيال الناشئة وتحديثها وتعميمها أكبر من هم الجمعيات وإبداع المؤطرين والترانيم الفطرية والتراثية للأمهات، إن التربية الفنية تربية اللغة والمعرفة والفكر والخيال والذوق و السلوك...، وكلها من حقوق الطفل التي طالما يتغنى الجميع بها وبالحرص عليها، من هنا وجب على الجميع أن يساهم فيها، كل من موقعه وحسب إمكانياته، ومن المقترحات التي نوردها في هذا الصدد ما يلي:
1- ضرورة استمرار المبدعين للكلمات والألحان في إبداعاتهم إيمانا برسالتهم التربوية رغم ما يعوقها من إهمال وإحباط وصعوبات عامة. ومن المبدعين أمهات و جدات ومؤطرين ومدرسين وشعراء وزجالين وملحنين ومنشدين وأطفال وغيرهم كثير.
2- فتح معاهد ومدارس خاصة للمساعدة على الإبداع، مع ضرورة اهتمام الجمعيات والمؤسسات التربوية بالموهوبين في المجال والراغبين في تعلم فنونه، الأفراد والفرق. مع ضرورة مراعاة الجودة والتشويق كما يرغب فيها الأطفال ويحتمها العصر والمنافسة.
3- تشجيع الإنتاج على أكبر نطاق ممكن مع تقبل كل المبادرات النوعية فردية كانت أو جماعية و من المؤسسات المتخصصة أو المتطوعة، الرسمية أو المدنية على السواء. مع إحداث جوائز تشجيعية لأحسن الإبداعات، وخاصة التي يكون موضوعها حاجة الطفولة في عصرنا كالاجتهاد والتسامح واللاعنف واللاميوعة واللانحراف واللاعزوف عن القراءة وغيرها من لوازم المواطنة والديمقراطية وفضائل الحوار والتنمية والسلوك المدني.
4- إحداث بنك للأناشيد كلمات وألحان وكتب وأشرطة وأقراص مدمجة بالصوت والصورة، مع حفظ حقوق التأليف والإنتاج و النشر و التوزيع وغير ذلك. ويمكن بدأ الأمر من بعض الاتحادات الجمعوية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية عامة محليا فجهويا ووطنيا.
5- ضرورة دعم بعض الوزارة ذات الصلة للأمر كوزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب و الرياضة...، بدعم المسابقات والمهرجانات والدورات التكوينية والجولات الفنية وكل المبادرات التي تقام في هذا الشأن، والإقبال على إبرام الشراكات مع المؤسسات وشركات الإنتاج والجمعيات خاصة وبقصد دعم انتاجاتها الفنية ومهرجاناتها التربوية الهادفة، مع الحرص في نفس الوقت على تنقية ما قد يروج من غناء سوقي تهريجي في فضاءاتها كبعض المدارس أو بعض المخيمات.
6- تبني الآباء و المربون للمشروع بتشجيع أبنائهم و مساعدتهم على استهلاك ما يفيدهم من الأناشيد وما يناسبهم من الأغاني، وإبعادهم على ما يشوه فطرتهم ويفسد أخلاقهم،فقديما قيل الإنشاد إرشاد، وكل من شب على التشوه صغيرا لا ينتج غيره كبيرا، وطبعا لا نرضى التشوه لأحد فكيف لأبنائنا ووطننا؟؟؟.