في الحقيقة،  لا أدري كيف أطرح السؤال المناسب في هذا الموضوع، هل ما هو دور المجتمع المدني في بلورة النموذج التنموي الجديد؟، أو ما هي المكانة التي ينبغي أن تكون للمجتمع المدني في هذا النموذج التنموي الجديد؟، وكيف ما كان السؤال فالجواب الموضوعي عنه لا يمكن في نظري أن يكون إلا بالشك والريبة في كثير من الأمور؟، لأنه وباختصار بعد المكانة المعتبرة والمرموقة التي بوأها الدستور الجديد 2011 للمجتمع المدني، وبعد المشاركة الفعلية لهذا الأخير في بلورته، لا زال المسكين في وضع تراجعي أكثر منه تقدمي عما كان عليه، اللهم من حيث عدد الجمعيات المتنامي والحالمة بأوضاع أفضل؟؟.هذا لا يعني أن ليس هناك دور للمجتمع المدني في بلورة النموذج التنموي الجديد، أو ليس في هذا الأخير مكانة مرتقبة خاصة بالمجتمع المدني، وإنما الأمر في نظري يتعلق بمدى صدق أهل العقد والحل و مسؤولي الدولة وإرادتهم في التغيير والتجديد فعلا،وعدم المناورة والنكوص من جديد؟، كما يتعلق الأمر أيضا بالمجتمع المدني الفاعل ومدى قدرته على التخلص مما يحول بينه وبين أن يكون فاعلا ومتفاعلا لا مجرد مفعولا به؟؟.

وعليه، وأخذا بعين الاعتبار للمصلحة العليا للجميع، والأدوار التاريخية لكل من الدولة والمجتمع المدني في كل العالم، لا ينبغي النظر إلى المجتمع المدني والترحيب به فقط كلما كان ضعيفا وتابعا وحبيس بعض أدواره الخدماتية والنفعية المعوضة لفراغات الدولة وغيابها في العديد من المناطق وفي العديد من المجالات، وخاصة إذا تعلق الأمر بالصحة والتعليم والتأطير الطفولي والتكوين الشبابي وإدماج المرأة والتشغيل الاجتماعي في العالم القروي وعالم الأرياف؟؟.لا مجتمع مدني بدون أدواره النقدية والترافعية والتشاركية والتنموية الحقيقية،ولا يمكن أن نمكنه من ذلك دون أخذ مذكراته وملتمساته وعرائضه بعين الاعتبار وإدماج الوجيه منها في السياسات العمومية؟، أو وضع عراقيل الأعداد في شكل التوقيعات وعدد الجهات بشكل تعجيزي للحيلولة دون تمكينه من أدواره الدستورية الجديدة في المشاركة في وضع السياسات العمومية ومراقبتها والمساهمة في أجرأتها وتقييمها وتطويرها؟؟، وإلى هذا قد ذهب السيد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، باعترافه بقوة المجتمع المدني كشريك أساسي في التغلب على بعض المعضلات الوطنية كمحو الأمية والتربية غير النظامية،أضف إلى ذلك أن المغرب يتوفر على أزيد من 100 ألف جمعية بطاقة تطوعية خلاقة قد تتجاوز مليون متطوع بكذا يوم عمل وكذا عائد تنموي لو تتاح له الفرص؟؟.

وحتى لا تهدر البلاد والعباد هذه الطاقة الوطنية والثروة المدنية وكل هذه السواعد المتطوعة والمبدعة والخلاقة، لابد أن يستجيب النموذج التنموي الجديد للمعضلات العالقة في مجال التطوع والاقتصاد الاجتماعي وبتجديد قانون الحريات العامة وتنقيته من العديد من القيود والإشكالات المكبلة لجمعيات المجتمع المدني ومنها:

1- ضرورة تيسير استعادة المجتمع المدني عامة والعمل الجمعوي خاصة لطاقاته الخلاقة من النخب المنظرة وليس الطاقات المنفذة والميدانية فحسب، والتي قد لا تؤدي كل مجهوداتها وتراكماتها إلا إلى تفاقم المشاكل والأزمات لأن المنطلقات النظرية والأسس الفلسفية لم تكن صائبة،أوهناك أفضل منها؟؟.

2- التسريع بحل الإشكالات القانونية التي لازالت تقيد الفعل المجتمعي التطوعي الواسع، كشرط الحصول على صفة المنفعة العامة، وتسييسها بدل الكفاءة والأهلية والتعميم والمحاسبة، وفوق ذلك ربط التماس وتنظيم الإحسان العمومي بها وبالجهات المركزية بدل اللامركزية، وكذلك إعادة النظر في القوانين التنظيمية الرامية إلى تفعيل دور المجتمع المدني في الدستور الجديد وقد جاءت بشكل تعجيزي،لا فيما يخص الانخراط في الهيئات الاستشارية،ولا فيما يخص رفع المذكرات والعرائض والملتمسات،والتي بدأ الإحباط يجتاح منها أو بسببها المجتمع المدني؟؟

3- إعادة النظر في تيسير الحصول على الموارد المالية للمنظمات الأهلية، وحق تملكها للمقرات والعقارات والقيام بالاستثمارات اللازمة لتغطية مصاريفها التدبيرية و حاجياتها المالية،بل واستفادة  العاملين فيها من بعض منتوجهم المادي كغيرهم من المتعاونين في إطار تشجيع الاقتصاد الاجتماعي وامتصاص البطالة؟؟.

4- تيسير الحصول على تراخيص تنظيم التظاهرات الثقافية والحملات الاجتماعية وربطها الفعلي بالإشعارات دون حساسيات سياسوية ولا توجسات أمنية لا مبرر لها؟،ومن ذلك حق التمتع الشفاف بالحصول على الدعم العمومي والحق الدستوري في الحصول على المعلومة وعقد الشراكات حسب الاستحقاقات والكفاءات لا حسب الوساطات والولاءات؟؟.

5- تشجيع ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بدعم تكوين وتأهيل الأطر الجمعوية الشبابية والمتخصصة، وتيسير ودعم التشغيل الجمعوي بدءا من أعضاء مكاتبها وخاصة الشباب والذي يضطر الآن إلى تشغيل غيره في مشاريع وشراكات هيئته لكونه يقع في التنافي،رغم أنه موجز ومعطل ولا ينتمي إلى أي مكتب جماعي؟؟.

6- تغيير عقليات العديد من رجال السلطة الذين لا يزالون يتعاملون مع الجمعيات بالتوجس في ملفات تأسيسها وآجال وصولاتها،أوالمماطلة في التراخيص لأنشطتها ورفض إشعاراتها، وطلب ما لا يطلب في قانون الحريات العامة والعمل الجمعوي،في ابتداع قانونهم الخاص في شطط واضح  لاستعمال السلطة والمزاج؟؟.

7- إعطاء الديمقراطية المدنية والتشاركية ما تستحق كغيرها من الديمقراطيات التمثيلية والنيابية،لأن البنيان لا يتم إلا بتراص محكم لكل لبناته وديمقراطياته وتمثيلياته،ومع الأسف لا يزال طيف واسع من المجتمع المدني مجرد ملاحظ ومتفرج على أغلب الأمور التي تسير بدونه وحتى بانتقاده،بل إن المشاركين لا يشاركون إلا في التوقيع على أمور جاهزة،وحتى إذا ناقشوها وأدلوا باقتراحاتهم بشأنها، خرجت في الأخير كما صيغت من طرف أصحابها في المرة الأولى،إلا قشورا ولماما؟؟.

8- تجاوز المن والصدقة والنظرة الإحسانية والزبونية والوساطات،التي تحول دون أن تتمتع جميع الهيئات المدنية بحقها المشروع  في استعمال وسائل الإعلام العمومية والقاعات العمومية والملاعب الرياضية والساحات العمومية والمؤسسات التربوية وغيرها من فضاءات التكوين والتأطير والتواصل؟؟.

9- تشجيع التشبيك والتعاون الجمعوي في مختلف المجالات، وعلى صعيد الجهات، بدل عرقلته والتوجس منه أو خلق شبكات موازية واتحادات تمييعية و ريعية للالتفاف على المنح والمبادرات القطاعية خاصة،كما ينبغي إعطاء الأولوية لعقد الشراكات القطاعية مع الأنسجة والجامعات والاتحادات الوطنية الميدانية،وهي التي لها من الفروع المحلية ما لها،مما يؤهلها لتكون قوة اقتراحية قوية و متدخل تنموي محترم؟؟.

10- ضرورة الحماية القانونية للفاعلين الجمعويين خلال ممارستهم لتطوعهم في الجمعيات وفي المخيمات وخلال المقابلات والرحلات..،وتكفل الدولة بتأمينهم تلقائيا والترافع عنهم،خاصة إذا لم يثبت عنهم تقصيرهم في المسؤولية؟؟.