مولود بوفلجة - تنغير / جديد أنفو
كثيرة هي التوصيفات و المسميات التي تصور واقع انقسام المغرب إلى مجالين ،مغرب نافع و مغرب غير نافع مغربا،المركز و مغرب الهامش،الغرب والجنوب الشرقي... وهو تقسيم يعكس تأثير الجغرافيا في صنع التاريخ كما يعكس سوء توزيع الثروة و الخيرات و مصادر الإنماء وتثبيت و تركيز وسائل الإنتاج من معامل و مصانع و مجمعات تجارية ومصالح خدماتية و معها فرص الشغل في مناطق محصورة بين الدار البيضاء و الرباط و مدن الجوار الأمر الذي يخلق تفاوتا صارخا في فرص الشغل و العيش الكريم والتعلم بين مدن المركز و مدن الهامش .
فأبناء المغرب الشرقي،على سبيل التمثيل فقط،،مضطرون للقيام برحلة الشتاء و الصيف في شد للرحال إلى مدن الجامعات و المدارس العليا في سنوات إنهاك لميزانية العائلة و في شروط اغتراب و فاقة و ضيق ذات يد ،لذلك نجد السواد الأعظم من أبناء هذه المناطق يعضون بالنواجد على أول وظيفة تتاح لهم و هذا ما يفسر شغل أغلبهم لوظائف بسيطة في مجالات الجندية و الأمن و التعليم في أحسن الأحوال ، تاركين مكرهين مناصب الاختيار لغيرهم. لذلك يفد على هذه الرقعة من الوطن موظفون من أصحاب المناصب العليا من كل الجهات فيقضون فيها ما قدر أن يقضوه من الزمن معتبرين الأمر عقابا سماويا قبل أن يكون عند البعض عقاب دولة .فإذا أخبر أحدهم بتعينه بالرشيدية أو ورزازات أو تنغير أو زاكورة...أو تم تنقيله تأديبا إليها -و هذا وجه اخر للإصغار و الإقرار الرسمي بالتهميش باعتبار هذه المناطق تأديبية- ارتد و هو كظيم يكاد يتميز من الغيظ فيعيش الواحد من هؤلاء مدمنا التذمر و التشكي و كأني به قد نفي إلى أرض الناس فيها غير الناس و يطنب في الحديث عن جنة الغرب مقابل جحيم وحرارة و ريح الصحراء..هذا القلق المتواتر يفضي إلى الرفض و السلبية و تدني المردودية و عدوانية الكسل الانتقامية .و من هؤلاء من يداوم التنقل بين مقر عمله و مدن الحياة فتنال منه هذه الرحلات المكوكية الأسبوعية جهدا جهيدا فينضب العطاء و تضيع مصالح المواطنين نتيجة الإنهاك الجسدي و الانفعالية العاطفية و الهدر الزمني ويظل الحلم و الهاجس عند هؤلاء الموظفين هو الانتقال و العودة إلى جنة النعيم فيسلكون في سبيل ذلك كل مسلك فتصبح الصحراء عندهم محطات عبور يعين فيها المرء في أول أيام عمله ،يأكل الغلة و يسب الملة، حتى إذا تمرس و اشتد الساعد و اختمرت التجربة، انتقل أو نقلوه إلى الرباط أو الدار البيضاء و ترك مكانه شاغرا حتى يعين مكانه موظفا جديدا ليتعلم بدوره الحجامة ف ريوس اليتامى و لنا في مجال الطب و القضاء ما يغني من الأمثلة .
و للحقيقة أيضا فكثير من أبناء المغرب الشرقي يكرسون النظرة الدونية لمدنهم فينزحون جماعات و وحدانا في مواسم هجرة إلي الغرب و الشمال فيتنصلون من الأصل ،فمنهم من يغير لكنته ولغة حديثه في تكلف مقيت و منهم من تجد في طلاء الوجه بالأصباغ و الأقنعة لتغيير سحنتها القمحية الداكنة ،بل أعرف حق المعرفة من غير اسمه، فكم من قدور أصبح رشيدا و موحى أصبح عبد الحميد
و الحال أن الواحد منا مطالب بالاعتزاز بأصل انتمائه و مدعو إلى خدمته من موقع اشتغاله والدولة بدورها مدعوة إلى حسن تدبير الموارد البشرية و تثبيتها في هذه المناطق التي تعاني الخصاص في الكفاءة المهنية في حين أن جهات تتوفر على ما يفوق احتياجاتها. الحاجة ملحة أيضا لتدبير حركية الموظفين و حسن انتشارهم بما يضمن حق الجميع في الاستفادة من الخدمات العمومية بنهج سياسة التحفيز و التعويضات بشتى أنواعها.
صحيح أن في اختلاف المناطق اختلاف في التقاليد و العوائد و صحيح أيضا أن الإنسان لا يختار مكان مولده وجذور انتمائه لكننا مدعوون إلى الشعور بالانتماء إلى مغرب واحد يحكم أبناءه نفس المصير و نفس الحظ من النماء بحيث يتحول الرفض إلى الرضا و التنافر إلى اندماج و تعايش..فلمجال الصحراء مميزاته التي لا يمكن إنكارها ،هي فضاء لبساطة العيش و الحياة الخالية من حدة إكراهات التنقل و الازدحام و ارتفاع نسبة الجريمة ،هي فضاء للدعة و السكينة و الجو الصحي و نقص الاستهلاكية .وقديما قال ابن خلدون إن:البدو أصل المدن و الحضر و سابق عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري و لا ينتهي إلى الترف إلا إذا كان الضروري حاصلا فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة.
مجرد وجهة نظر و النقاش مفتوح ..