مولود بوفلجة - جديد انفو
ينطبق المثل الشعبي المغربي "الدارج بحالو بحال ديل الديك الريح اللي جات تديه" على السواد الأعظم من المغاربة ،صحافتهم و مثقفيهم و سياسييهم و نخبهم و عامتهم رغم أن الفوارق بين كل هذه الطبقات أصبحت تتقلص لأن الكل اصبح يستقي معارفه و معلوماته من هذا الزخم و السيل الذي توفره التكنولوجيا الحديثة فكدنا نكون نسخا كربونية لبعضنا نلوك نفس الكلام و نسوق نفس الأمثلة و نفس المبرارات للإقناع وأصبحنا نفتقد لآليات التحليل و لملكة النقد.
وإذا كان الذيل ديكا فالذاكرة لا تعدو ذاكرة أنثاه الدجاجة ،فهما كانت قيمة الحدث وخطورته وتأثيره على حياتنا فتكفينا نحن المغاربة أيام معدودات على أبعد تقدير لنسيانه أو تناسيه و قلب الصفحة و الانتقال الى ما سواه مما استجد من الأمور.
فبين عشية و ضحاها أصبح كل المغاربة منشغلين بالسياسة الدولية و بالانتخابات الامريكية وتوقعوا فوزا كاسحا لكلينتون و تمنوا ذلك و ترقبوه لما أوهموهم بأن ذلك فيه مصلحة للوطن ثم عبروا مع المعبرين عن صدمتهم و تخوفهم لفوز ترامب دون أن تكون لهم سابق معرفة به و لا بها الا ما قادتهم اليه المتابعة السطحية الموجهة من الاعلام الرسمي الذي يملأ عليهم كل جوانب حياتهم.
تابع المغاربة باهتمام كبير الانتخابات البرلمانية من شارك منهم و من قاطع و أعلن الفائز و هلل من هلل و تدمر للحصيلة من تدمر و ترقب الجميع تشكيل الحكومة ووضعوا السيناريوهات المحتملة لذلك في القنوات التلفزية و في الصحافة الالكترونية والمكتوبة والمرئية وفي المقاهي و لم يتحدث منهم أحد حينها عن اي صعوبة محتملة في التشكيل و طال الأمد و الانتظار و استجد الحديث عن شيء اسمه البلوكاج و تبودلت التهم حول مسببه بين مرجع ذلك الى شيء اسمه التحكم و بين مرجعه الى ضعف الحزب الحاكم ثم خفت الحديث عن الأمر و أصبح الأمر واقعا عاديا و طويت صحف و جفت أقلام في حين أن ما يجب أن يقع هو العكس تماما نظرا لخطورة الأمر و الموقف لطول المدة الزمنية لهذا الوضع النشاز الذي ينطوي على دلالات الاستخفاف بالشعب وعلى عدم إعارته أي اهتمام و كأن الأمر لا يخص سوى أشباه السياسيين رغم أن البلوكاج في تقديري الشخصي لا يعدو كونه مجرد لعبة لن يخسر فيها أحد من المتهافتين و ستنتهي باقتسام الكعكة بالتراضي و لو بعد حين.أماالبلوكاج الحقيقي فهو حين تنسد في وجه الشعب كل السبل وتنسد في وجه الشباب كل مسالك البحث عن الرزق و يصبحون عرضة للبطالة،البلوكاج الحقيقي هو حين تلغى مجانية التعليم و تجد فئة عريضة من أطفال الوطن ابواب المدارس مغلقة في وجهها،البلوكاج الحقيقي هو حين يتعذر الولوج الى المستشفى أو رؤية الطبيب و تصبح مضطرا إن استطعت إلى ذلك سبيلا إلى التوجه لأقرب مصحة خاصة تمتص دمك قبل تسعى لتطبيبك.البلوكاج هو حين تضع الاسعار المرتفعة و ضعف ذات اليد والفقر حاجزا و سدا بينك و بين متطلبات الحياة فتجد نفسك ملزما "لتنقص من الطول و تزيد فالعرض".
نحن قوم نبيت على شأن و نصبح على غيره دون أن تكون للأول نهاية و لا نتيجة ..تضامن المغاربة لأيام مع محسن فكري بعد حادثة الطحن الشهيرة و نُسي الموضوع كأن أمرا لم يكن و استمرت الحياة هادئة عادية. تناقلت الصحف أمر عزل الهيني و غيره و اعتقال هذا و تسريح ذاك من العمل و سرعان ما جفت الاقلام و ترك ضحايا المخزن يصارعون الطواحن الهوائية عُزَّل من اي دعم او تضامن
فالنقابات والجمعيات يكفيها يوم أو وقفة في اي مكان لتُخلي ذمتها و لينطلق لسان حالها بالقول "اللي علينا راحنا درنا" في المغرب تسمع شعارات رنانة جوفاء مثيرة للضحك ك"تسجيل الموقف" و تحميل المسؤولية للمخزن" بعد فالكل غير معني بالعواقب و بما سيحصل .
نحن قوم لا يهمنا من الحدث غالبا سوى جدته وجانب الإثارة فيه ،نتعقب البكرة حتى تطيح و نعبر ظرفيا عن تدمرنا أو تضامننا ثم ننقل اهتمامنا إلى ما جد من الأحداث كذلك فعلنا مع صدام و مع القدافي و مع فلسطين ومع حلب ،نتضامن مع الكل دون أن نتضامن مع أحد و نستنكر من عديد الأفعال دون أن نستنكر من فعل أحد.
مرت علينا و بيننا فضائح الفساد في الوطن و مرت مرور الكرام دون رفض فعلي و دون حساب انطلاقا منالكراطة او مول الدوش او مول الشكلاطة او مول النجاة و اللائحة طويلة لا تحصر.
لقد تطبعنا مع الفساد ومع الاستبداد والظلم وأصبح رفضنا أو قبولنا للأشياء نوع من الاحتفال المألوف الذي يؤثث المشهد دون أن يسعى إلى تغييره كذلك صرنا و كذلك أصبجنا جزءا مؤثثا للمشهد فيك يا هذا الوطن.