لئن اهتم الاستعمار الفرنسي بالوضع السوسيومجالي للقبائل المغربية بالجنوب الشرقي، وحاول ضبط المجالات حدودها، وأنجز المسح الطوبوغرافي في وقت مبكر، فإنه لم يحفر كثيرا لربط قبيلة أيت موسى بهويتها السوسيومجالية. ذلك أن القبائل الأمازيغية مرتبطة أشد الارتباط بالمجال الوظيفي، وكأن الأرض المشتركة ، هي الأم، والحال أنها أم، لتوافر عنصر الدم. فالدم لا يفقد قيمته إن سال خارج العروق، تحت الوخز بالسيوف والخناجر، والرصاص بعيد انتشاره، وبالتالي فملكية الأرض لا تثبت ولا تستقيم إن لم تسق –الأرض- بالدم.
والغريب أن الحماية الفرنسية لا تفتأ تمنح الحقوق في المجال بناء على السخرة، ذلك أن القبائل التي استسلمت ووضعت السلاح، وطفقت تسمع وتطيع سلطات المستعمر، وتشق طرق العربات تتمتع بمجال أوسع. وبمعنى آخر، فالمجال المحرر، بالحديد والدم في الغالب، يتحول إلى مجال يستوجب تحريره بالذل والهوان، بأعمال السخرة (الكورفي) تحت سياط الجلاد، وهي أعمال تنعت ب(التكرفيس) [التكرفيس كلمة عربية مرتبطة بآداب السجون في العصر الوسيط، وتفيد تقييد السجين مقرفصا]، ولقد أضحى تعين كل معاناة يتعرض لها الإنسان باسم (التكرفيس). ولأن أيت موسى قدمت تضحيات لا مثيل لها على الصعيد الوطني، فقد حرمت من مجال وظيفي واضح المعالم كغيرها من قبائل الجنوب الشرقي.
وإذا كانت أيت موسى قد نهضت منذ سنة 1908 ريث وقوع معركة تازگارت، بعد احتلال مركز بوذنيب سنة 1907، [يغلب أن اسم تازوارت أي: القرية القائدية[ وقاومت المستعمر الفرنسي، وسايرت مقاومتها توسعه، إلى أن وصلت منطقة البيطار، وهو الحد الفاصل بين المجال الفرنسي والمجال الإسباني، حيث جرح هناك تحت وقع القصف شخصين من أسرة أيت الزاحوط [بقي من أيت الزاحوط أسرتان إحداهما تسكن الگرعان، والثانية أقدوس بواد گير]. وكانت في البدء التحقت القبيلة بالمقاوم محمد بلقاسم النگادي بتافيلالت، بعد احتلال فرنسا واد زيز، التي قاوم فيها محمد بلقاسم النگادي وانتصر بعض الوقت في معركة سيدي بوكيل سنة 1922، ثم استمرت بعد توقف مقاومة بلقاسم النگادي، تحت إشراف أولحاج بن حدو أقسو، لا يزال حفدته يقطنون مدينة ميدلت، فشاركت في معركة تيزي نتدارت، قرب ورزازازت، وشاركت في معركة بوگافر بجبل صاغرو، قبل نزولها الحد الفاصل بين فرنسا وإسبانيا في حدود 1936 على وجه التقدير. ويعنينا أنه حصل شنآن بين فرنسا وإسبانيا انتهى بتمكن فرنسا من إرجاع أيت موسى إلى موضع أجمو، الكائن بالسفح الشمالي لجبل بوعروس، كما ورد على لسان بعض شيوخ أيت موسى، ومنهم ماما الحسين التي عاشت التجربة، ومكنني الظرف في استجوبها سنة 1988، بقرية تاوسارت المموضعة على السفح الجنوبي لجبل بوعروس.
وهناك من قال إنها نزلت أرض بوبرنوس بين بوذنيب والرشيدية قبل نقلها إلى طار أو يازيد [أي رجل الديك] غرب موضع أجمو، شمال غرب جبل بوعروس. ويعنينا أن قبيلة أيت موسى وإن قاومت متنقلة وسقت بدمائها الجنوب الشرقي المغربي كله، وتلك خاصية فريدة في الدفاع الذاتي، يبدو أنها تخص قبيلة أيت موسى وحدها، أو على الأقل تفيد أن القبيلة خالفت القاعدة، ولم تعمل على سقي أرضها ومجالها الوظيفي بالدم. ولقد قامت فرنسا بإحصاء القبيلة يوم هجرتها القسرية ابتغاء المقاومة المتنقلة من بوذنيب إلى البيطار، اعتمادا على العرف القبلي والإثني لأيت سغروشن، فكان بالطبع إحصاء غير سليم، لا من حيث ضبط عدد الأسر أو الكوانين، وعدد ها 55 وقتها، ما دام الكانون وحدة أساسية للقياس في العرف الأمازيغي، بل من حيث الاسم، إذ أطلقت عليها أيت مسروح الشرقيين، بعد أن موضعتهم بجوار أيت مسروح الغربيين، يوم انطلقت مقاومته الجيش الفرنسي، مع المتصوف مولاي أحمد السبعي، وهذا هو بيت القصيد. ذروني أقف قليلا عند الاسم. تنسب أيت مسروح إلى جبل مسروح، أي: المرعى الصيفي لقبائل أيت سعروشن بالأطلس الكبير الشرقي. تضم أيت مسروح، أيت بوبكر، وأيت حسا أوحدو، وأيت حسا أو لحسن وآخرين.....
ويستنتج من الاسم أن مجال أيت موسى يمتد من جنوب شرق جبل مسروح، وراء المجال الوظيفي لقرية إسكني شرق مركز گرامة، إلى جبل أول أوفوناس (قلب الثور بالأمازيغية)، ومعنى ذلك أن القبيلة استقرت، عنوة، بطار أويازيد، حيث فرض عليها القياس الإثني، لا القياس السوسيومجالي الأمازيغي القائم على ري الأرض بالدم. وحدث أن اكتشفت معادن الرصاص في الأربعينات من القرن الماضي بجبل بوعروس فسخرت ثلة من قبيلة أيت موسى في الصناعة الاستخراجية، وسخرت القبيلة في شق الطريق الرابطة بين بوذنيب وكرامة في الشريط الفاصل بين الگرعان وإيرارة [أيرارن بالأمازيغية، جمع الغول]. ولقد مكن البقاء القسري بطار أويازيد، بعض أفراد القبيلة من الاستغلال الزراعي بموضع تاوسارت على الضفة اليسرى لواد تاوسارت، بينما فضل الآخرون ممارسة الرعي والانتجاع. ولما حصل التقطيع الإداري الأول، واستمر دور بوذنيب، أول مركز ذي شأن في عهد الحماية الفرنسية، وكان أمر قيادة بوذنيب، التي كانت باشوية في عهد الحماية الفرنسية، بيد القائد المهدي أوفقير، تنفست القبيلة الصعداء، وأصبحت تنتجع المراعي الممتدة من جنوب شرق مسروح إلى حمادة گير، مرورا بجبل بوعروس، وباشر أومدا (مخلب النسر)، وهضبة الصنم، وفم العمشان...
وبعيد ذلك تراجع وضع بوذنيب، واختفى المهدي أو فقير، فاستمرت أيت موسى تنتجع المراعي المذكورة. وإذا كانت أيت موسى قد تمتعت بعد معاناة دامت 38 سنة على وجه التقريب من مجال رعوي مكنها من بعض التحرك، وحصل على شريط زراعي ضيق في معتقلها بطار أويازيد. فإن سؤالا يطرح نفسه، ما هي أرض أيت موسى قبل انخراطها في المقاومة ابتداء من سنة 1908؟.. تقول الرواية الشفوية أن أرضهم كائنة بگير الأسفل غرب مركز بوذنيب، ولم تمكنهم فرنسا من العودة إلى أرضهم عقابا لهم عن مقاومتهم الجيش الفرنسي من بوذنيب إلى تخوم طرفاية. ولا يزال طلبهم العودة إلى تلك الأرض يواجه بالرفض. وكما أخبرهم قائد قيادة أولاد النعام في بحر سنة 2010 «لستم عضوا في أي جماعة سلالية تابعة لقيادة واد النعام». وإذا كان الصراع حول أرض البرج شأن مرفوع، وقتها، إلى المحكمة لتبت فيه، فإن إعادة النظر في وضع القبيلة قائم على أساس. وللإشارة فقد طفا الصراع حول أرض «البرج» برج أيت موسى، وجرف أيت موسى بين رحل أيت موسى والمستقرين من سكان قصر بوذنيب ومحيطها، وللقضاء كلمته في الحال أو المآل. وللعلم فقد نظمت مسيرة احتجاجية من لدن سكان بوذنيب يوم السبت 21 من شهر شتنبر من عام 2013، كما ورد في جريدة الأحداث المغربية بتاريخ 10 من شهر أكتوبر 2010، ضد «تعرض مؤخرا سكان من بوذنيب لاعتداء جسدي من لدن الرحل..... هذا الاعتداء أجج غضب مئات من أبناء بوذنيب، ودفعهم إلى القيام بمسيرة احتجاجية».
ومن بين أباب الاحتجاج «تأخر القضاء في إصدار حكم نهائي حول أرض النزاع بين قبيلة «أولاد موسى» (أيت موسى) وقصر «بوذنيب»». وبعيدا عن الصراع بين أيت موسى، وغيرها من القبائل حول المجال، فإن وقت امتلاك الأرض بالخناجر والمقالع والعنف قد ولى. ولا مجال لتلك الوسائد في عصر يلتهم فيه القانون الوضعي العرف.
والغريب في الأمر أن قيادة واد النعام لا تعترف لهؤلاء بأي هوية ثقافية او سوسيومجالية! فهناك أطفال يولدون ولا يتوافرون على الحق في التسجيل بالحالة المدنية، وهناك فتيات لا يحصلن على شواهد الزواج، وإنه لأمر مثير للانتباه. وفوق ذلك ما هي الجماعة الترابية التي تحتضن أيت موسى إن هم رحل أو ينزعون إلى الاستقرار؟.
لنجزم بما علمنا فقط، ونقول إن سكان تاوسارت، بما هم مستقرون، محسوبون على جماعة گير التابعة لإقليم ميدلت، وكذلك سكان أجمو وطار أويازيد (ثلاث أسر). إن كثيرا من سكان أيت موسى فضلوا الاستقرار بحوض گير الأسفل، الگرعان، وأقدوس، وأولاد علي، ومركز بوذنيب، ومنهم من استقر بأيت فضولي جنوب شرق مركز بني تجيت، ومنهم من يقطن بإيرارة (أيرارن). وكل هؤلاء يحصلون على الشواهد الإدارية بما هم سكان غرباء بتلك النقط العمرانية. وظل البعض الأخر منهم ينتجع مراعي حمادة گير، والمراعي المجاورة للمجال الترابي الكائن تحت إدارة الجزائر الشقيقة، يعيشون في وضع شفاهي بعيدا عن الضبط والتوثيق.
وختاما من هم أيت موسى بعد تاريخ طويل دونوه بدمائهم سيرا على الأقدام من غرب بوذنيب إلى طرفاية؟ أين يوجد مجالهم الترابي قبل استعمار مركز بوذنيب سنة 1907؟.