المثقف في تعريفه العام و المبسط هو الإنسان العامل بالكلمة بكل أنواعها منطوقة مصورة أو مغناة يحاول من خلالها التأثير على وعي الناس لإخراجهم ،على حد تعبير أنور عبد المالك ،إلى ساحة الإدراك و التذوق.و المثقف في نظر رجيس دوبري هو الشخص الذي يدلي بدلوه في المجال العمومي و يعلن للناس مواقفه الشخصية رغبة في التغيير الايجابي.
وواقع الثقافة و المثقف المغربي لا ينفصل عن واقع الاختلال و التخلف البنيوي الذي تعاني منه جل المجالات لأن الثقافة هي نتاج للمعطيات الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و الطبيعية. و المجتمع الذي لا يمتلك دفاعات ثقافية يكون عرضة للاختراق و الاستلاب و الاستغلال.
و المثقف المغربي في الغالب الأعم لا يخرج عن واحد من ثلاثة:
- مثقف نخبوي:يساري أو إسلامي أو أمازيغي يتعالى عن واقعه ولا يفعل فيه كثيرا لأنه يحتمي ببرجه العاجي و برأسماله الرمزي المعرفي فيستعرض مملوكاته المعرفية باعتماد مصطلحات رنانة و نظريات مستصحبة لمرجعيته الإديولوجية و التي يرتفع بها عن الواقع و الناس فلا تصبح بذلك الغاية هي التأثير و الإفهام و الإشراك و التفاعل بل التمويه و التعمية والأمثلة على ذلك من هؤلاء كثيرة يمنعنا الوازع الأخلاقي من ذكرها.
- المثقف الشعبوي:يحتمي بالشعب و ينتمي إلية كذبا و فرية ويمجد مواقفه و يتبنى كل مطالبه دون استناد إلى رؤية نقدية أو اقتراح لمداخل حقيقية لفك الأزمة و الخروج منها فيكون منتوجه الثقافي غاية في التسطيح و البساطة حد الابتذال.
-المثقف الموالي للسلطة :وهذا الصنف من المثقفين انتهازيته واضحة لكونه يتنصل من اهتماماته الفكرية و ينتقل إلى صف الحاكم ممجدا و مشيدا بفضله و انجازاته
و هو بذلك يعيد إنتاج قيم التسلط و الإقصاء و غالبا ما يجد ضالته في التظاهر الانتمائي إلى جمعيات و اتحادات كتاب و شعراء و أندية تؤسس لثقافة الاستكانة و الخوف و التطبيل بأن الأمور سائرة على النحو الأفضل .
هو تقسيم منهجي فقط لا يفيد الفصل التام بين هذه الأصناف الثلاثة من المثقفين ،لأن الواحد منهم قد يكون بالأوجه الثلاثة مجتمعة.
و الخلاصة هي أن المثقف المغربي ،مع حالات استثناء قليلة ،بعيد على أن يكون مثقفا عضويا متورطا بصورة فاعلة في المجتمع ،على حد تعبير غرامشي،و هو عاجز أيضا على أن يكون ضميرا مستيقظا للمجتمع و فيصلا بين أفكار السلطة و وعي الجماهير يحمي الثانية من سيطرة الأولى و قوتها التي يسندها امتلاكها للوسائط الإعلامية.
نجد أنفسنا اليوم أمام أشباه مثقفين مفتقدين للشخصية الريادية و للموسوعية المعرفية لذلك كلما تجاذبت أطراف الحديث مع أحدهم جرك إلى مجال تخصصه أو بحثه الجامعي لأنه لا يحسن القول في غيره فيتعمد إسقاط الطائرة في الحديقة ليحدثك عن الربيع..و أعرف صديقا من هؤلاء يجد دائما سببا للحديث عن النظرية التداولية في اللسانيات حتى لو حدثته عن إصابتك بالزكام و حتى لو كان محدثه هي جدته القابعة في أقاصي تافيلالت.
المثقف المغربي يعاني من الاغتراب و عدم القرة على استيعاب متغيرات الواقع يلوك الكلمات و المصطلحات أو ينزل إلى درجة الإسفاف و السطحية في التحليل لأنه ليس سوى مثقف مناسباتي يخفي فراغ جوف الحمار بالبذلة الأنيقة أو اللحية المسدلة يتراجع عن المواجهة و المواقف الجريئة و يتهافت عند المغنم وعند طلب الدعم للاستفادة من ثدي الريع الذي لا يجف مستعينا بالتلفاز الذي يتفنن في خلق أشباه المثقفين لأن المؤهل و الاستحقاق لم يصبح شرطا للظهور على الشاشة.
و يستعيض هؤلاء المثقفون عن الخواء المعرفي بخلق لوبيات وجماعات في صورة كاريكاتورية مضحكة يتبادلون الدعوات للندوات والمؤتمرات التي تتحول في حقيقة الأمر إلى احتفالات وضيافة في الفنادق الفاخرة على نفقة الجامعات التي يفترض فيها تشجيع البحث العلمي الجاد.كما يستنجدون في نشر شر أعمالهم بدُور نشر مدن الملح الخليجية يبحثون عن ترميم بكارة مفتضة ويطالعونك بعناوين كبيرة لشعب تضرب فيه الأمية أطنابها.
إن جامعاتنا أصبحت عقيمة و عاجزة عن خلق أسماء وازنة كالأستاذين العروي و الجابري و أدباء كالمجاطي و كليطو و الفضاء الفني غير قادر على توليد مسرحيين كالصديقي و الأغنية لم تجد سبيلا إلى تعويض الدكالي و بلخياط إلا بهؤلاء الذين يأتونك بشهادات اعتراف من مسابقات في الغناء يحكمها الإشهار و الابتذال و عرض الأجساد.
وحين غاب المثقفون الحقيقيون " طاحت العْدة فْ يْدّين الهاربين"مْتْقّفين''بالمعني العامي الدارج للكلمة يشبهون أبا خيزران غسان كنفاني و رجالات روايته الذين لم يقووا على دق جدران الخزان ''مْتْقّفين'' أعفوا السلطة من عناء محاصرتهم أو إغوائهم لأنهم يفعلون ذلك عن طواعية
مجرد وجهة نظر و النقاش مفتوح