محسن الاكرمين - مكناس / جديد انفو

فسيفساء التنزيل الأولي للتدابير ذات الأولوية ملمح رؤيتها  الإستراتيجية حددته مذكرة إطار صادرة عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تحت رقم 099X 15 بتاريخ 12 أكتوبر 2015 . مذكرة تأخرت عن موعدها باستهلال الموسم الدراسي 2015/2016 ، وتم تصديرها بمدخل يلملم الرؤية الإستراتيجية للإصلاح التربوي (2015/2030) بين أسناد رافعات ترسيخ المدرسة المغربية الجديدة كمقولة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وبين تفعيل التدابير ذات الأولوية التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني  .

لكن الصياغة اللغوية للمذكرة الإطار لا تركب العمل المشترك بين رؤية المجلس الأعلى كإستراتيجية للتجديد وتدابير الوزارة الوصية ذات الأولوية الإجرائية التنفيذية . حيث يشم المتتبع للشأن التربوي نوعا من عدم التلاؤم بين الدعوة إلى "ترسيخ مدرسة مغربية جديدة " قوامها الإنصاف وتكافؤ الفرص ، والجودة للجميع ،والارتقاء الفردي والمجتمعي ،وبين "برنامج عمل مرحلي للانكباب على بعض الاختلالات الملحة للمنظومة التربوية " .

لا نفتعل الخلل بالملاحظة والتثبيت ، وإنما نعكس لاقطة الصورة  بين شمولية الرؤية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وبين انتقائية الوزارة الوصية المحدودة - (بداية الإصلاح بمنطق الأولويات )- في توجيه دفة الإصلاح التربوي والهيكلي للمدرسة العمومية المغربية  نحو الاختلالات الملحة للمنظومة التربوية فقط . ويزداد الأمر حيرة حين تقر المذكرة الإطار ب " التقائية وتناغم تأمين مع مضامين الرؤية الإستراتيجية ". فأية التقائية في ظل الانكباب على بعض الاختلالات دون المعالجة الشمولية ؟.

تأثيث تضمين الصياغة العامة للمذكرة الإطار في صفحاتها بديباجة تحيل شكليا إلى تدافع تنافسي بين المصطلحات والأفعال الإجرائية ، وبين من يحمل مشعل الإصلاح التربوي كسلطة ناظمة له بالسبك و بدون ظل مؤثر ولو بمظلة عليا . أما في الفقرة الثالثة من الصفحة الأولى  للمذكرة الإطار فهناك فصل المقال ببيان القول الصريح حين أعلنت للتذكير " سيرا على نهج المقاربة المندمجة والنسقية التي اعتمدتها الوزارة خلال مرحل التشخيص- (المشاورات الموسعة حول المدرسة المغربية العمومية ) - ووضع التصورات المؤطرة للتدابير ذات الأولوية ، والتي يتعين تكريسها خلال مرحلة الأجرأة الفعلية ..." في حين أن المنطق العدل هو الملاءمة  التامة بين الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى وحصيلة مشاورات الوزارة الوصية ،وتنزيل إصلاح تربوي وهيكلي متوافق على ركائزه الأساسية ويتميز بالجاذبية والجدوى لعموم المدرسة المغربية.

فيما الإشكال الملازم حين يتم تخصيص الموسم الدراسي (2015/2016) بالانطلاقة لقص شريط مستهل تفعيل رافعات الإصلاح ،" ... والذي ستعطى فيه للتدابير ذات الأولية دفعة قوية على مستوى الاجرأة والتفعيل الميداني " ، وغير بعيد من هذا الإقرار تنقلنا المذكرة الإطار نحو الفاعلين الميدانيين " بما ييسر ... تمثل وتفعيل التدابير المعتمدة دفعة واحدة ...باعتبارها برنامجا متكاملا ومندمجا " . الحيرة التي بإمكانها إرباك العملية أن الفاعلين الميدانيين لا زالت آليات تمثل الإصلاح التربوي غير ميسرة عندهم بالامتلاك ، في حين تدفع الوزارة إلى الإمام دون تجنيد للموارد البشرية بالتكوين والتكوين المستمرة ، والتعبئة الشمولية لضمان نجاحات بمقاسات طموح 23 تدبيرا .

للأمر أهمية بين التصورات النظرية والأفعال الإجرائية بموقع التنزيل ، فالأحرى إقرار عقد لقاءات للمصاحبة الأولية  حول المذكرة الإطار جهويا وإقليميا وعلى صعيد المؤسسات التعليمية ، وإرفاق كل اللقاءات بتجميعية للتصورات التقنية والتمثلات الأولية بغاية التعديل والتصويب، وخلق يقظة لمراقبة المخاطر الضارة بالرؤية الشمولية للخطة الإستراتيجية باعتبارها " برنامجا متكاملا ومندمجا " . فالتعبئة (المضاعفة) ليست في الرفع من مستوى الانخراط  الحسابي والعددي للفاعلين الميدانيين ، وإنما في قيمة المنتوج المرتقب من عملية الإصلاح التربوي ، ومدى ولوجه الفصل الدراسي وأثره الوقعي على بناء موارد وكفايات المتعلم كمحور ناظم لخيط التدابير ذات الأولوية التي تروم في طموحها الاستشرافي نحو تحقيق الجودة بمعادلة دولية .

وقد تحللت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني من مظلة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بنقل هندسة استراتيجيته الى افعال اجرائية دون الإخلال بسنن الإصلاح المؤكدة . وأرشدتنا (المذكرة الإطار) صراحة بالإحاطة أن التدابير ذات الأولوية هي منتوج خالص للقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية (2014) ، وهي الرحم الحاضن للمشروع التربوي الإصلاحي على المديين القريب والبعيد من خلال " برنامج عمل اجرائي على المدى القريب ومشروع تربوي جديد على المدين المتوسط والطويل ،وهي الخلاصات التي أكدتها لقاءات التقاسم و الإغناء التي نظمتها الوزارة خلال سنة 2015" .

ممكن أن لا نختلف باعتبار خلاصة المجلس الأعلى تصطف ضمن التوجهات الإستراتيجية الكبرى لقطاع التربية والتكوين ، لكن هل ممكن الحديث عن تلف في الخيط الناظم بين اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية للوزارة وبين التوجهات الاستشرافية للرؤية الإستراتيجية للإصلاح ( 2015/2030 ) المعتمدة من قبل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؟.

فهندسة تصريف الإصلاح لا تكمن في مذكرة إطار تحتويه كليا بشموليته ، وإنما في التنظيم التقني العقلاني لعملية التنزيل الميداني ضمن حقل الواقع المرتبك في كل الاتجاهات عمقا واتساعا . من الموارد البشرية إلى البنية المادية للمؤسسات ، ووصولا إلى المتعلم كفئة مستهدفة بشمولية تشخيص وسطه الأسري ومحيطه الاجتماعي الهش . فالرؤية الواضحة لفيض نهر الإصلاح التربوي بتمام الجودة لن يعفي كل المتتبعين من المطالبة بالتأني والأخذ بعين الاعتبار بتوابع العلاقات التفاعلية بين المكونات الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية المغربية .

فالوزارة الوصية لم تجد بدا من نهج سبيل التدرج في أجرأة التدابير ذات الأولوية " ... بالشكل الذي سيمسح بالتحكم في عملية الانتقال من مرحلة وضع التصورات النظرية للتدبير إلى مرحة تحققها الميداني "  هي المقاربة العلمية التي تضمن شروط النجاح وتكفلها بنسب عالية . ولهذه الغاية فقد تم الإرتكاز على نسقين أساسيين لبلوغ مرحلة التحقق الميداني :

الأول باعتباره مرحلة تمهيدية تروم إلى " أجرأة التدابير على نطاق محدود وبشكل " عمليات نموذجية -Operations Pilotes " تطبق على مستوى عينة من المؤسسات التعليمية والنيابات الإقليمية " . هنا نشم رائحة من التراجع /العودي الذي شملت الرؤية الأولية لعملية الإصلاح (رؤية 10% لمؤسسات التجريب جهويا / ثم القول ب %4...) .

لنقرالإعتراف أولا بمعقولية رؤية توجه مدبري الإصلاح التربوي على صعيد وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ،لكن في الخانة المضببة للمذكرة الإطار كانت في إغفال التنصيص بالضبط لمدد التجريب المحدود بالتصريح المفصل والمبين  كما في القفز على المعايير القياسية لاختيار عينة النيابات والمؤسسات الضابطة لعملية التنزيل التمهيدي  .

فيما المرحلة الثانية تكتسي طابع التعميم على الصعيد الوطني " بعد إدراج التصويبات والاستدراكات والتحسينات الضرورية ..."

هي ذي المنهجية التي سلك مسلكها " البرنامج الاستعجالي" فيما يهم تدبير الإصلاح التربوي " بيداغوجية الإدماج " ، فمن التجريب المحدود ،إلى التوسع، إلى التعميم وسن الإرساء . منهجية لم تصرح بها علانية المذكرة الإطار، ولكنها ارتكزت عليها كسند أصيل للرؤية الشمولية المؤطرة بتفعيل التدابير ذات الأولوية .

إن غياب أجندة زمنية ضابطة لكل مرحلة ناظمة بين التجريب والتعميم يجعل من التنزيل الأولي للرؤية الإستراتيجية يفقد المنطلق الزمني التسلسلي (2015) الى (2018) ، باعتبار صلابة كل مرحلة إجرائية وأصالتها . فضلا عن غياب غير متعمد بإقرار يقظة دائمة لرصد العراقيل المتحكم فيها وغير المقدور عليها (ماليا / تكوينيا/ تدبيريا ...) . إن افتقاد رؤية بديلة لتدبير المخاطر وتنزيل التصويبات والبدائل والتحسينات لهو الخوف الاولي المعبر عنه صراحة . ولنا في الانهيارالسياسي / التربوي " لبيداغوجية الإدماج "العبرة الحاضرة في ضياع الجهد المادي والعملي للمدرسة المغربية .

 فيما الملاحظة الموالية بالتتابع. السند المادي/ المالي لكل نقطة من المحاور التسعة الحافظة للتدابير ذات الأولوية (23 تدبيرا) ، فهي مغيبة بصبح التفعيل الأولي . فغياب ميزانية متحركة و داعمة لعمليات الإصلاح بالمواكبة والتحصين ، يجعل من المتتبع يفطن لمراهنة وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على إصلاح داخلي إن لم نقل بصفر درهم ، وهو الأمر غير الممكن التحقق على اعتبار وضعيات المؤسسات التعليمية المتهالكة ، وإكراهات التكوين المستمر المجمد بقرار وزاري سابق .

بالمقابل فتحت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني عدة أوراش داعمة لمواكبة عملية التنزيل الإجرائي للتدابير ذات الأولويات ، بغاية تأمين سندات إشعاع الإصلاح التربوي بالتعبئة والانخراط ، وذلك من خلال نظام معلوماتي متجدد ومواكب لكل العمليات الأساسية والوسيطية " كبرنامج عمل مندمج ...للتتبع وللمساعدة على اتخاذ القرار... " ، فضلا عن نظام لليقظة الاستباقية بغية الرصد والتتبع والتصويب .

 فيما التواصل والتعبئة فقد اكتفت الوزارة بإحداث بوابة "فضاء التواصل " بهدف تقاسم عدة الإصلاح وفواصله الهيكلية  " وتقوية التواصل الداخلي والخارجي بشان مضامين التدابير ذات الأولوية".

ووعيا بحجم العمليات والأنشطة التي ستترتب على تفعيل التدابير ذات الأولوية ، فقد اعتمدت الوزارة على خطة طريق محصنة بعلامات تشويرية بينة وواضحة عبر التنصيص على آليات القيادة والتتبع ، والتي ترتكز أساسا على :

1- وضع عدة تدبيرية مرجعية لكل تدبير ،

2- إرساء لجن وفرق قيادة وتدبير وتتبع التدابير ذات الأولوية،

3- الارتكاز على مشروع المؤسسة ( المراسلة الوزارية 159/14 بتاريخ 25/11/2014 ) كآلية وسيطة لتمرير التدابير ذات الأولوية على صعيد المؤسسات التعليمية " بإشراك وتعبئة الفاعلين المحليين في عملية الانجاز ... " ،

لا مناص من الانخراط الجمعي لإصلاح المنظومة التربوية ، لا مناص من تشبيك الأيدي والعقول والأفعال لتخليق الحياة المدرسية و تحسين المؤشرات التربوية للمؤسسات التعليمية ، لا مناص من امتلاك ثقافة الواجب وهدم حاجز العدمية و الإرجائية . فالقضية التي نستوثق من صحتها العمومية العمودية ، هوخطاب التناغم بين التصور الاستراتيجي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وبين " تفعيل التدابير ذات الأولوية " التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني . انه خطاب " كلنا معنيون بإصلاح المدرسة المغربية " .لكن النيات لا تكفينا وحدها إلا بتبييت عدة التدبير اللازمة فجر تنزيل الإصلاح ، عدة لا نستهين من وجودها بالمعقولية المرافقة ، وهي الأساس الذي ينبغي به البدء قبل قص شريط التنزيل الميداني .