محسن الأكرمين
لن أحتمل قول (أنا) كضمير رفع منفصل، حتى وإن تصلب في صورة متحضرة وامتلك تفكير القطيع بمباركة من الأنا العليا. لن أميز فصلا في جنس دلالة (أنا) بين المتكلم والمتكلمة، فقد استنسخنا استملاحا مصطلحات بالكثرة ووقفنا عند حد تكافؤ الفرص ومقاربة النوع . لن تلحق كلماتي بركاكتها المملة من إبداعات المتنبي اللغوية، وأستعير" (أنا) الذي نظر الأعمى إلى أدبي ، وأَسْمَعَتْ كلماتي من به صمم...".
لكن حتما، أرفض استعمال (أنا) كضمير رفع منفصل مبني على السكون، بألف تكتب ولا تلفظ عند الضرورات اللغوية في الحياة الاجتماعية. لن أركب على تفكير(أنا أفكر فأنا موجود) بالانبهار والهرولة الانبطاحية المسرعة، لن أحتمل (أن تكون ذاتي ) من لغة التوابع في الرفع والجر والنصب والإضافة الخارجة عن سياق منبع الذات الاجتماعية . لن ألتحق بتحدي ضمير(أنا) المنفصلة كصفة دالة على التفرد والإقصاء للآخر. ف(أنا) التي أحتمل الحديث معه بالتعايش المشترك يجب أن يتحمل ضم كل الهويات المتنوعة حتى وإن اختلفنا في الفكر والجنس والدين.
(أنا )!!! بعلامات التعجب، تخيفني من فضح صورتي أمام المرآة بلواحق الذات المتوترة، وأعراضها الموضوعاتية، وتفكيك ماضيها الوظيفي. (أنا)؟؟؟ بعلامات الاستفهام، هي التي تغربل جوهر ذاتي، و تسائلني عن ماهية الذات الإنسانية بعموميتها. (أنا) !!! بعلامات التعجب، تجدها تفتت ذاتي إربا إربا، وتحدد مستويات الوعي و (الأنا) المفكر. (أنا)؟؟؟ بعلامات الاستفهام، تحمل المساءلة عن تمثلات وإدراكات " النفس التي أنا بها".
(أنا) وبرغم قلة حروفها العددية، فهي تحملني وتحملك بمتسع وجودك وحياتك، ويمكن أن تعيث بي وبك فسادا في إذكاء خلافاتنا. تعكس حروف (أنا) القليلة، تلك الأشياء المغيبة بالتخفي في الذات بالرياء الاجتماعي والتصنع، توزعنا فئات متعددة وتجعلنا عند المحلل النفساني كبة مشاكل. (أنا) وبرغم قلة حروفها، شغلت الفلاسفة والمفكرين القدامى والجدد، و لها مساحيق أسطورات ماضية. (أنا) وبرغم قلة حروفها، فهي تحمل مفاهيم الذات (النفعية/ التملك/ الغرور/ الوصولية) وتوزعنا على بوابات نرجسية (الأنانية) بحد السلبية.
من اليوم يا (أنا) !!! سأرهن نفسي للبحث عن مواضع (الأنا) المعرفة بالايجابية وحلم المستقبل وتأصيل التغيير، وعيش الحاضر، والاستفادة من قوة الماضي. يا (أنا) لما نشعل كانون الاختلاف والخلافات، ونترك موارد عيش التشارك في الفكر والاعتداد بالذات و الاحتفاء بالآخر. من اليوم وبعد غد يا (أنا)، لن أعير بدا من اختار مسلك (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) فهو لا يثير فضولي ولا غروي، اليوم سأهتم ببسط علاقات الذات بالآخر، ومعرفة النفس (الذات) قبل تعريف الآخر. من اليوم سأحدد أن (الأنا) المعرفة لزوما هي مورد طيع للتواصل الفعال مع (الآخر) حتى وإن عرف (الآخر) بالإضافة.
بين (الأنا) و(الآخر) تعبير افتراضي لتفكيك آليات التفكير التي يسوغها الفرد عن نفسه وعن الآخر، كما أنها دعوة إلى تأسيس نظرة اجتماعية للتغيير، تتسم بالتجديد وتحديد المنطلقات المتعلقة بتجاوز تشاحن الأفكار والآراء والاتجاهات. هي كذلك دعوة إلى تنظيم الذات (الأنا) وبناء خبرات بنائية بالتكامل والتقاسم، حتى خلق التوافق الشخصي والاجتماعي بالتوافق على الكليات.
من(أنا) و(نحن)، إلى (أنت) و(هم)، هو البحث الجدلي الذي لا يغالب طرفا على الآخر. فالصورة عن الذات (أنا) يمكن أن تلتقط بنفس المعايير والدقة عن الآخر بالتنوع، بحيث لا تهديد لوجود أو كيان مهما اختلفت المنطلقات ومؤشرات الرؤية المستقبلية.