زايد جرو/ جديد انفو
عيد الأضحى بالجنوب الشرقي له طعم مميز تعلو قيمته بعلو العلاقات الأسرية والعائلية المؤسسة على حسن الخلال والخصال المتجذرة في التنشئة الاجتماعية، والتي سادت بها المنطقة كما سادت بها أمم خلت حتى كادت أن تكون لهم دينا كما قال أهل الوبر وما حواه قرضهم ونظمهم من حكم وبصيرة وتبصر تلوح كباقي الوشم على ظاهر اليد .... وبمناسبة العيد تنشط الحركة وحرارة القُبل والتقبيل والعناق، ولا على المحيا غير الرضا ولا على الحال غير لغو الحمد والشكر على نعمة الفداء التي قربت ومتنت الأواصر .
في هذه المناسبة يتم استهلاك اللحم الأحمر بأنواعه وأشكاله : الملفوف والمقلي والمشوي والمفور وبكمية ما مثلها كمية كمادة أساسية، ويقل الإقبال على التمر تجنبا للتخمة ويحضر الكسكس" المفتول" و بشكل وافر، أما بطعم الشاي فحدث ولا حرج ...والمادة التي لا يمكن الاستغناء عنها بالقطع هي الخبز البلدي الذي يخبز ويعلك ويقلب ذات اليمين وذات اليسار ومن فوق ومن تحت وبحجم دائري كبير منذ الصباح الباكر بأيادي نساء تستيقظن قبل صياح الديكة ليكون جاهزا ساخنا للفطور قبل اكتمال قرص الشمس وقبل أن تلثم خيوط شمس الضحى الذهبية أوراق ثريات العنب دون أن يدرك الآكلون المتلذذون الذين مازالوا يفركون عمش العين وهم في صراع مع بقايا أثر الكرى حجم تعب المتعبات المدفونات في غيمة من الدخان الأسود القاتم واللواتي دجّن الكآبة بالصبر وسوين كل حجر سحابة لتمطر فوق الواحة غيثا، بلباس تقليدي خفيف في الصيف والشتاء دون إدراك أول الزمن ولا آخره وهل مر أطوله أم أقصره .... اما الذين يعيشون وسط الحواضر بالجنوب الشرقي فقد تأقلموا مع المد الحضاري وشرعوا في استهلاك خبز المخبزات أو خبز البيت الذي لا هو أصيل ولا هو حديث بل هو خبز والسلام.
والمتجول بمدينة الرشيدية في الأيام العادية يجد الخبز البلدي بالأشكال والأنواع: فيه الحلو والمالح والبين بين، والكبير والصغير والمتوسط، والإقبال عليه كبير وملفت حتى أصبحت النساء تبحثن بدورهن عن هذا الخبز، وتغيرت ثقافة الاستهلاك من القديم الذي كان فيه شراء الخبز عيبا ومقتا إلى العهد الحديث الذي بدا فيه الأمر عاديا لاختلال منظومة القيم، وغلبة التطبع على الطبع ....ولكثرة الإقبال على هذه المادة وقلتها بسبب انشغال الجمعيات الخبزية في العيد ماعُدت تسمع من الأفواه بجوانب دكاكين البيع غير عبارة هل يوجد الخبز البلدي ....وإن حضر الجواب طبعا فهو القطع والبتر بالنفي.
الخبز البلدي في الرشيدية له طعم خاص في الصيف والشتاء والربيع دون نسيان الخريف وهو كالبلدي في الغناء، والبلدي في الإنسان، والبلدي في الكلام، والبلدي في الخضر والفواكه.... ولم يخطئ الشاعر الحديث بل كان على صواب كبير حين نظم في سطره الشعري عبارة: أحن إلى خبز أمي .... وبقية السطر يحفظها الجميع أكثر من حفظهم أسماء إخوتهم ويرددونها مع نغمات مارسيل خليفة وأميمة الخليل، وقد أرادوا بذلك جميعا تخليد الأصيل لا جعله نسيا منسيا.... وتحية لكل نساء المغرب العميق اللواتي التزمن بحس واع نابع من جوف نفوس راضية وقنوعة بالبسيط بقضايا أبنائهن وبناتهن حتى الختم دون انهزام أو كلل فخبزكن البلدي المدور أيتها المجاهدات كوّن رجالا أشاوس على مر التاريخ وإننا ننحني وننكسر تواضعا لتقبيل نعالكن امتنانا واعترافا بفعلكن وصنعكن ولن يمحى جهدكم وفعل وأثر خبزكن من الذاكرة على مر الأزمان والأحقاب وتحية للذين يخبزون هذا الخبز ليكون رهن إشارة الزبناء في الأعياد وغير الأعياد.