زايد جرو - تنغير / جديد أنفو
من عاش من المثقفين أو أنصاف المثقفين أو المهتمين بقصاصات ونتف الأخبار بمدينة تنغير بداية التسعينيات وطال به الأمد ليعمر طويلا رغبة أو عنوة ، ولم يغادر ولم يصالح ولم يستسلم ، ولم يكن ممن استهواهم العقار ولعب بلعابهم الجشع والطمع سيدرك قطعا مظاهر التحول في الحراك الثقافي بالمدينة ، حيث كانت الساحة في السابق ملآى بالمبدعين والمثقفين حقيقة، ولا أريد ذكر الأسماء حتى لا ألام بالنسيان أو التناسي أو الإقصاء أوالتجاهل المقصود أو غير المقصود: منهم من هاجر لموطنه نحو الوكر الأصل ، ومنهم من هاجر من دفء عش موطنه لموطن غيره رغبة في الفوائد الخمس التي تحدث عنها هواة الترحال والسفر: من تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد ، ومنهم من استقطبته مؤسسات عمومية فانشغل في مهام تدبيرية تسييرية للشأن المدني الجمعوي أو السياسي او الديني، ومنهم من يشتغل في مؤسسات تعليمية حبذ لنفسه الاشتغال منفردا بعيدا عن ضوضاء المجتمع، وهذه الفئة كثيرة وكبيرة جدا وذات حمل معرفي ثقيل قادرة على حمل مشعل النهوض بالمدينة ثقافيا، لكن لأِمر ما، فضلت هذه النخبة الانسحاب وانتظار فرص الظهور من جديد عوض الانخراط في أحزاب سياسية وجمعيات تخلط بين السياسي والجمعوي وتخدم أجندات حزبية مقيتة، ومنهم فئة مازالت حاضرة ممدة فوق كراسي المقاهي البلاستيكية الباردة شتاء والحارة صيفا في الصباح والمساء متفرجة ، تمارس الرقابة المهزومة بالتأسف رغم أنها مازالت قادرة على العطاء وتردد صمتا وجهرا: والله قد هزلت.
المشتغلون في السابق كانت عزائمهم قوية وكانت ظروف الاشتغال قاسية لقلة أماكن التمرير وكان الفضاء الوحيد هو دار الشباب الحالية، والمركب الثقافي توزاكت الذي كان يصعب الحصول منه على رخصة الإنجاز، صعوبة لا تقل عن الترخيص من السلطات وما يتطلبه الأمر من تقرير حول النشاط والفئة العمرية المستهدفة دون المساس بأمن الدولة والمجتمع مع ضرورة الانصياع للرقابة المحلية في عهد سنوات الرصاص والجمر ،ولا خيار لك فلا انترنيت ولا هاتف نقال ولا حواسب راسية أو محمولة حتى لطبع الاستدعاءات وكانت ظروفا هينة أمام حجم عزائم الرجال الأشاوس الذين صنعوا نقطة انطلاقة حقيقية لمدينة تنغير، وهم الرعيل الأول و النموذج السالف الذي يحمل القسط الأوفر من المسؤولية في ما تعانيه المدينة حاليا من أزمة ثقافية بسبب انسحابهم بصمت ، يوم كان الجيل الحالي بالكاد يفك شفرة الحروف بنطق مهزوم ويغزل الأخطاء في موضوع تركيبي فيه تأنيث للمذكر وتذكير للمؤنث وينصب الفاعل ويرفع المفعول على غير الشذوذ ويجر ما بعد حيث المسبوقة بمِن ويكتب ومازال يكتب حاليا إن شاء الله متصلة،الجيل الذي تولدت لديه فكرة الاحتكاك مع العالم الافتراضي الذي كون رداءتهم الفكرية ذات الطابع الخصوصي للتعبير عن طموحات ذاتية أو فكرية سياسية مقزمة ،هم يتقنون السب والشتم تعبيرا عن واقع ثقافي منحط ومعطوب تحت ضغط الإحباط والشعور بالعجز فيكتبون جملا متقطعة على جداراتهم ولا يطيلون لأن العيب سيظهر في الجملة الثالثة من حيث الربط والتركيب والدلالة، فتولدت لديهم فكرة الانتقام من مجتمع عطلتهم حكومته فبخسوا قدر معظم الناس والبخس باد على محياهم أفسدوا الحرث والنسل وبقصد موجه وبعزم لا يفتر يودون هدم الكثير من القيم التي تربى في حضنها أبناء تودغى، ولم يتخذوا المحيط السابق الاجتماعي أو التاريخي إطارا مرجعيا لهم، إلا فئة رحمها ربها فاتعظت وأدركت دورانها في الهوام فتراجعت عن الغي ولو لحين فأصبحت المدينة الآن تعيش حالة من التوقف الفكري والتكرار والاجترار وقد طال عمر هذا الخطاب ولم يسجل أي تقدم إلا في الإساءة وبقي سجين المتاهات ولا يتقدم إلا ليعود القهقرى نحو التبخيس، وهو فكر سائد الآن ومحكوم بنموذج مسدود في الأفق ولا بد من نقد الفكر السائد لتغيير أداة الحفر إذا عجزت فاعلية أساليبها .ونتساءل مع المتسائلين من هم مثقفو المدينة حاليا ؟ وإذا تم فتح لائحة للتسجيل بناء على إصدارات قانونية فكم سيكون عدد المسجلين؟ وإذا وردت قناة ما أو جهة ما ورغبت في تسجيل حوار مع مثقفي المدينة فمن له الحق في تمثيلها ؟ هل التمثيل يكون بالانتماء للمكان أم بالإصدارات أو بإتقان الإساءات؟ وكيف يمكن بعث حياة ثقافية بديلة لثقافة الرداءة الحالية ؟وكيف يمكن جعل الفكر قادرا على مسايرة التحولات الهيكلية ؟ وكيف يمكن إرجاع كفة المعادلة مع السلطة التي تفوقت وغيرت البنية التحتية في الوقت الذي عجز فيه الجيل الحالي وجمعيات المجتمع المدني عن تغيير البنيات الفوقية من أفكار ورؤى؟
المدينة بحق تعاني من أزمة حراك ثقافي حقيقي وأزمة مثقفين أنتلجنسيين ويجب تحليل واقع المدينة وثقافتها الحالية، ونقبل كل النتائج لتجاوز الأزمة حتى يمكن بعث فكر بديل، فلا ننتظر من الحكومات وضع استراتيجيات النهضة الفكرية بالمدينة، لأن النهضات كانت في الغالب من عمل نخب تحمل هم المجتمع، وبدون هذه النخب سيبقى الفكر بتنغير سجين المعارف الحالية وسيظل المجتمع يعاني أزمة إبداع وموت وانقراض، وعلى الجيل السابق الرابض الآن خلف المراقبة أن يفكر في العودة لترميم الساحة التي تعيش حالة التوقف المعتم قبل أن تسحب شهرة المدينة مدن مجاورة من نفس الإقليم، رغم ما يتطلبه الفعل من مجابهة مكلفة ،لإجراء تعديلات في المشهد الثقافي من حيث الأداة والمحتوى،والعودة للحمل الثقافي القديم غير المتجاوز بقوام جديد فيه غيرة ومسؤولية ،لقطع وبتر أساليب التفكير الحالية التي انحدرت وتفسخت وتكلست ، لإنبات مسار جديد يصحح القائم ويزكي السليم من الموروث ويقَوم المعتوه لتجاوز الأزمة حتى لا يشاع بين المدن أو يسجل الزمن الحديث عن مدينة تنغير بأنها حاليا مدنية بلا مثقفين.