زايد جرو - تنغير / جديد أنفو
تناسلت الجمعيات بشكل غريب متطوعة حسب قوانينها الأساسية لخدمة الشعب والأمة في إطار مؤسسات لها قناعات مبنية على مرجعيات دستورية، وعملها عمل نضالي قوي تسعى به تحويل المغرب من مغرب الريع والأشخاص والفوضى، إلى مغرب المجتمع والديموقراطية التشاركية عبر الرصد والترصد والتقييم والتقويم .ولا أحد يجحد أو يبخس مشروع وعمل الجمعيات لأنه إنجاز مستقبلي مفتوح وطموح يُدخل النشطاء في علاقات مع الذوات ومع الغير بخلق التقارب والتفاعل مع ذوات إنسانية مختلفة تتقاسم عوالم اجتماعية تربوية ونفسية مشتركة من القيم، تهدف التحرر من منطق التاريخ الميزي والتحرر من قبضة الماضي التفردي والانفرادي لمؤسسات الدولة، وهو استحقاق شهدت واعترفت به للمغرب الدول الحليفة وغير الحليفة .إلا أن التركيبة البشرية الجمعوية ورؤيتها للعمل تتسم بالتعقيد، إذ تتداخل في تكوينها مستويات عدة :الذاتي والموضوعي والعقلاني والغيبي والانتهازي ... وتُطرح في إطار جهدها أسئلة عدة في دور المنخرطين في التسيير والتدبير الجمعوي ، وكيف يتحدد الوجود الحقيقي للشخص المنخرط بوصفه فاعلا في علاقته مع الغير حتى لا يغدو معزولا عن الآخرين الذين يمنحون له الوعي بالوجود وحتى لا يكون رقما من الأرقام الضائعة التي تضخم بها الجمعيات عدد منخرطيها وأغلبهم في الظل والتهميش، وهنا يبدأ العطب وتنحرف العديد من الجمعيات عن الصواب وتنزلق نحو البيروقراطية بعد أن حققت تواجدا بمنخرطين حقيقيين أو وهميين انتهت مدة صلاحيتهم بعد الكينونة، وبشعاراتها الزائفة قتلت هذه الجمعيات الرغبة في التطوع للعمل الجمعوي مرة ثانية...
ومن خلال تتبعي ومعاشرة العديد من الجمعويين والمنخرطين في الجمعيات بشكل إرادي أو تعسفي ومن خلال مجالسة رؤساء أو مترئسين جمعويين والنقاش المستفيض معهم طيلة سنوات اشتغالي في نقل الأخبار المجتمعية منذ بداية الثمانينات تكونت لدي قناعات أكيدةمفادها : أن العديد من الأوضاع الجمعوية تتطلب مقاربة واسعة في بناء الذات قبل تبني أي مشروع مادي أو معنوي، وان أهم إصلاح يجب هو إصلاح الأفكار المعطوبة لبعض الجمعويين ورؤساء الجمعيات لأنهم يفكرون خطأ وبالخطأ فزلوا وتاهوا ، فإذا كان الفكر معطوبا فلا يمكن إنتاج فكر سليم للمنخرطين ولا نشر ثقافة التنمية التي تعلقها تقريبا كل الجمعيات على يافطاتها فوق عتبات الأبواب لأغراض تنموية خاصة أو تنموية عامة بدهاء أو بذكاء . فالعلاقة التي يجب أن تكون بين الجمعويين أنفسهم والمجتمع والدولة هي علاقة الوعي بالمسؤولية والتعاون من أجل الهم المشترك الذي هو المجتمع لا علاقة غسل الغسيل أو زرع الهدم والتهديم... فالدول التي نمت بدأت بإصلاح الأفكار المغلوطة والخاطئة، ويجب أن يتعلم كل جمعوي مساءلة نفسه ويحاسبها من مرة لمرة حين يحضر رقيبه ، ويجيب عن سؤال مستفز وعريض: هل أنا أستحق فعلا أن أكون رئيس جمعية؟ والإجابة عن السؤال تجعل العديد من المشتغلين في الحقل الجمعوي والمستغلين سذاجة الآخرين يعيدون النظر في طريقة تفكيرهم لأن الكثير منهم يمكن أن يصلح ويليق لأي شيء كان إلا العمل الجمعوي، إن كان هدفهم حقا التطوع لخدمة الشعب والأمة ...
العمل الجمعوي والأشخاص المشتغلون فيه مدعوون لإصلاح الأفكار والتصورات فإذا كان الإيمان بالتطوع قويا فلا مناص من كوننا سننتج النخب الجمعوية المسؤولة التي ستستفيد من مسار أخطائها القاتلة والمتكررة ،وسنتجنب انحراف العمل الجمعوي عن مقصده وسنتجنب التشويش على الرؤيا الجمعوية الصحية التي رسمها الدستور للجمعيات ،ولا يجب أن نثق أكثر بنفاق المنخرطين الذين يصرحون بجانب الرؤساء: نحن لك ومعك ،وحين يخلون لأنفسهم يقولون : إنه الرئيس الانتهازي الوصولي ،الذي حشر في الجمعية أصدقاءه وأسرته من الشيوخ والأطفال والنساء يشهدون له شهادة ذيل الذئب لصاحبه لنشر ثقافة الامتداد والكينونة لتبرير تاريخ وهمي خاطئ .
وأقول أخيرا إن التعميم فيه الذاتية والخطأ أيضا، فهناك بالفعل جمعيات شقت الطريق بالعمل الجاد والصحيح وبرؤساء لهم خبرة وثقافة ورزانة ودراية في التسيير الجمعوي فنجحوا في المهام ويشهد لهم التاريخ والقريب والبعيد بالجدية في الإنجاز، وهم الآن مسؤولون لتأطير رؤساء جمعيات قديمة أو حديثة النشأة يعيشون المخاض العسير في التواجد أوالنشوة الزائفة في الكينونة والظهور المبخوس والمغلوط، لنشر ثقافة جمعوية تطبيقية لا نظرية ، حتى لا يتراجع العمل الجمعوي وحتى لا يتم نقل الأفكار بالخطأ ، تجنبا لانحراف وانزلاق وانجراف أمة كانت تنتظر التأطير والتنمية.