زايد جرو - الرشيدية /جديد انفو
جهة درعة تافيلالت قبل كورونا تحج إليها الوفودُ السياحية منذ الأزمان لتمتع العينَ بالرؤيا وتشفي المرضى بالدفن، فيركب محبو الهدوء الجِمال والنوقَ المتمايلة فوق الرمال او بين الوديان أو بين الواحات وهي ترقص بالحِمْل قبل الشروق وقبل الغروب، في رحلة حالمة في فضاء امتزج فيها التشكيل بالتخييل فيلجم الهدوء الراكبين الا من صوت حادي إِلَغْمَان ْ'مبارك ' الذي يختلس النظر ويسترق السمع من مصاحبيه في فضاء تنعكس فيه اللحظات هادئة وديعة ، فتتوارى الشمس خلف حجاب الحياة تنبئ بلحظة ولادة جديدة ، غروب يلهم العشاق بأن ساعات الوداع أكثر حرقةً من ساعات الوصال ، ويرسم أجمل وأروع اللوحات التي تتفرد بها مرزوكة وزاكورة وتنغير وورززات عن غيرها من الأماكن في العالم ..
في زمن كورونا تضرر كل شيء ولم تسلم لا الارانب ولا القطط الصغيرة ولا االكبيرة من' الوبا ' بلغة اهل درعة تافيلالت وصار المكان موحشا ، و القطاع السياحي الذي كان مصدر رزق الكثير تضرر أكثر و بشكل فظيع ، حيث كان يشغل يدا عاملة كبيرة مباشرة أوغير مباشرة، و يدر عليها مدخولا اقتصاديا اساسيا في غياب أي حركة اقتصادية أخرى غير دخل الواحة الذي لا يكاد يسد رمق العيش.
'مبارك بويلغمان ' واحد من المرشدين السياحيين بزاكورة ينحدر من قصر تافراوت الجديدة جماعة سيدي علي دائرة الريصاني اشتغل في القطاع السياحي يقود الجمال منذ 2010 مرة بوفد الماني ومرة فرنسي ومرة انجليزي او اسباني وقلما يجود الزمان بالأمريكان يقتات من عائدات عرقه مدة طويلة فخبر الجمال وحركاتها وغضبها وفرحها مرة تبتسم الحياة ومرة يضن العيش ويقل، والدنيا سائرة تبيع العيش بالميزان ومن الصعب التكهن بالآتي .
'بويلغمان مبارك ' او ' مبارك بويلغمان ' مشهور بين السياح الاجانب وبين ناس المنطقة ولا يهم التقديم او التأخير في التركيب مادام الاسم الاصيل للعائلة معروف ومشهور ' ايت القايد " الذي محا تداوله الاسم التجاري الجديد ،ويا عجبا كيف حولت هذه الدنيا النسب القيادي التاريخي الاصيل ذي المكانة والرفعة بالمنطقة الى اسم صناعي مقيت يكرهه مبارك بينه وبين نفسه ويقبله على مضض من اجل العيش لتاتي كورونا بسنابلها العجاف لتأكل الاخضر وتجرف كل شيء.
مبارك يتذكر يوميا انه شرف الوطن يحكي للسياح عن عيش الرحل بالجنوب الشرقي وعن حياة البساطة والصدق والامانة والاكتفاء بالقليل من الزاد في الصحراء فيسافر السياح في حكيه فيبنون القصور من الخيال ويشفقون على الساكنة التي صبرت من اجل ان تستمر الحياة فيعود مبارك للواقع المر الذي حوله من سفير بين سياح الدول ينقل الجميل والجميل عن بلده الى مفتش باحث في التراب وبين الاحجار السوداء الصغيرة المتشابهة عن شظايا نيزك سقط بتاردة بالقرب من الرشيدية منذ غشت الماضي ،ومازال مبارك الى اليوم مرابضا بالمكان عله يحظى بنتف من النيزك او ربما يسقط نيزك اخر ويكون من الاوائل ' المبروكين ' لتعود الحياة وتتحول بالتجدد ، والامر لا يختلف عن رمزية طائر الفينق الذي يحترق لتتجدد الحياة برماده في اساطير الانبعاث.
مبارك لا يستجدي الاهل اللئام ولا الاصدقاء اللئام و قد يقترض من الاصدقاء الأصدقاء او من الاصدقاء السياح لان القطاع ادار ظهره له ولأمثاله ولن يتمكن من معاودة نشاطه السياحي الا بعد ان يتم السيطرة على الجائحة وعلى حالة الطوارئ لتفتح الحدود بشكل آمن في انتظار غيث جديد وهي ازمة اشد وطأة وتأثيرا من كل الازمات السابقة اولها معروف واخرها مجهول ،فلا هو من ضمن القطاع المهيكل ولا هو من القطاع غير المهيكل انه يشتغل والسلام.
مبارك يبحث عن عمل اخر وما البحث عن النيزك الا جزء من الحلم لامتطاء سفر اخر ومن نوع اخر ومازال بالمكان في خيمة صغيرة يقضي بياض النهار يخبش الارضاء على عادة الاب الأول لايت خباش ،عله يعثر على حمل ثقيل من احجار الكواكب الاخرى مادام كوكب الارض قد نهبه احفاد اوديب المبصرين، الدهر افجع العين بزاكورة ومرزوكة ،ومبارك واحد من بين الاف من المشتغلين في القطاع السياحي وهم في وضع اقتصادي يدمي القلب توقفت العجلة وتوقف المصروف اليومي في مكان ناء عن المعامل والمصانع للبحث عن البديل ولو مرحليا . كورونا قلبت المفاهيم وكسرت الخواطر في انتظار الفرج وهم في امس الحاجة الى من يأخذ بيدهم في هذه المرحلة الحرجة لانهم كانوا يساهمون بشكل كبير في اقتصاد البلاد والترويج له.
كورونا اوحشت المكان فعلت الرمال المنتجعات السياحية والاكيد ان الظروف ستتحسن ولو من بعد سنوات وما تبقى ل ' مبارك ' غير صور مع سائحين وسائحات وبعض نتف هدايا من هنا وهناك ورسائل حب كثار يلهو بها لبعض الوقت ويزهو بنفسه بين الحاضرين يوم كان بطلا فارسا فحلا والامل ان تعود الحياة لينعم مبارك بتجدد الحياة وتعود البسمة للوجوه وليس ذلك على الله بعزيز والكل يجب ان اخذ العبرة من الازمات فالدهر متقلب اليوم انت مالك وغدا فاقد لما تملك ،والعاقل الفطن من يستفيد من دروس الحياة.