
ذ محسن الأكرمين (الجزء الأخير)
لم يكن تكلس أصابع أسيف عن الكتابة إلا عندما تلوثت تفاحة العالم الفاسدة... وقرر ادم ستر نصفه الأوسط علانية. لم تكن عافيته تستعاد إلا بظل امرأة احتضنته ثم ضمته وبكت لأجله ثم قبلت يديه بلمسة حنان بين كل سراب الأسوار البعيدة، وبعثت برسالة مدوية له مرفوقة بدمعة حياة.
وحتى يخلق أسيف اطمئنانا لقلبه حمل ريشته الطفولية ومداد كلماته الكاسدة داخل أكياسها البلاستيكية المحرمة قانونيا. حتى يطمئن أسيف قلبه بأنه بخير نفض غبار التقادم عن أفكاره المشتتة، ورتب خزانة ثقافته المتبقية بعد النسيان والتناسي لمسالك الحياة المتشعبة. الآن، الآن أقر اليقين بأن أسيف أراد التخلص من تحجر أمانيه المتبقية من عسر الماضي، الآن، فتح أسيف ذراعيه لفسحة البكاء عن كل لحظة عمرية من حياته.
الآن، أراد أسيف الثورة على معالم تراتبية حياته المتبقية. استرجع كل الهوامش الجانبية لذكريات حياته، استعاد تفاصيلا كانت موغلة في الإطناب ولم يركبه الملل أبدا من الحكي عنها أمام المقام العالي لنوارة زينة الحياة الدنيا. سرد القول أضحى لأسيف ورقة لا مناص له من الاعتراف والإقرار الطوعي. في غرفته التي لا تفتح نوافذها البتة ، كسر تخشب كلماته في زمن الحدود، استحضر شقاوة طفولته ، خيوله الجامدة، جنوده من علبة منظف الملابس التي كانت عمته المرحومة تناولها إياه بالتخصيص، طائرته الورقية التي لم تسعفه ولو لمرة قطع بحر الشمال. نفخ في لغته حرارة الحب فهبت قياما من إعاقة وضع يد قسوة المواجع و الحجز الطوعي. سادت مصالحة الود بين أشكال الكلمات الموزعة بالتناثر على دفاتر حبر المداد الأسود. وبين أفق الزاوية الناتئة لشعاع رسالة الحرية عند تزاحم كلماته بالتسارعة التدفقي، ابتسم أسيف مرة جديدة للحياة.
فكر أسيف في كوب ليمون وماء معدني بارد بزاوية مقهى يجهل حتى اسمها وتصنيفها. الآن، طيف نوارة الموناليزا لاح في توسط القوس رؤية المكاشفة. لحظة أحس بأن أصابعه تستعيد حياة النقر على لوحة الكتابة بالتحريك السريع، أحس بتمام فسحة كفارة صيام كلمات الظل. الطيف الوديع لنوارة أمامه بالحضور المتوازي، إيقاع خطواتها تشاركه موضع مكان جلوسه، رائحة عطرها دخلت فضاء وحيه من حيث لا يدري وارتكنت مقعدا أمامه بابتسامة جنونية تفاعلية. حينها سلم أسيف نفسه طوعا لمعالم سطوتها المعرفية الساحرة ... فمن تكن ؟
نوارة التي لا لون لها بالتشابه إلا لون طيف الحياة، إنها طلقة صراخ مولودة ببسمة ضاحكة. نوارة للنحل الطنان بعبق ورحيق الحياة ، فمن تكن ؟.
لحد الآن ممكن أن لن تتعرفوا عليها بذات الحياة المتحركة بالتجسيد، فوصفها عجزت الكلمات عن ضمه وتفسيرها، وأصبح أسيف كالطفل في تهجئة حروف الضاد، إنها الشجرة التي لا ترضى أن تغير أوراقها، ولا لحن حفيف مدو لتناثر أوراقها الخريفية . فرغم أن أسيف يستعيد منها كل تناسخ الأشياء التي تشبهه ، وأسس لنفسه موضع المطر في عناق عشق الشجرة. فمن تكن سيدة عرش قلب أسيف؟.
الآن، عرف أسيف ذاته بأنه أبله زمانه بالغبن الراكد، الآن خبر صغر حجم تفكيره المشتت، فلم يستطع نقل صورتها إليكم رغم أنكم لو شاهدتموها لعرفتم من هي بتدقيق وترتيب الوصف؟. لكن لا، فلن يبوح الراوي بإسمها لأحد إلا بعد خلوة أسيف بنوارة.
ارتشف أسيف شربة ماء بالمباشر من القنينة، وتاه تفكيره عن أي امرأة الآن يبحث ؟، عن أي سيدة يروي لكم أوصافها، فهي التي تسكن ظل سماء ليلة القدر، هي التي يفتقدها القوم جميعا في الليلة الظلماء. الآن، اقتربتم سادتي الكرام من معرفتها ولو برسم ملمحها بالتقريب النسبي.
ابتسم الراوي وطلب الصفح منكم جميعا، فكم كان يخادعكم منذ البدء الأول ، فهو يعرف تقاسيم جسمها بتتابع نقط خطوط اللمس، يعرف عينيها باللون القرمزي الداكن والاتساع الجانبي، يعرف أنها الوسيط الوجداني والروحاني، يعرف أنها الفكر والعقل والإحساس الرهيف، هي نوارة إذا سادتي الكرام.
أثقلت عليكم القول وأنتم في انتظار إقرار الراوي واعترافات أسيف، ولكني خبرت لعبة التصريح السبقي، لأنكم لن تكملوا قراءة كتاباتي بعد إمدادكم باسمها. الآن انتظروا معي البحث في برنامج مختفون التلفزيوني عن نوارة محبوبة أسيف.