كان السيد رئيس الحكومة في لقائه مع قناة ميد راديو يوم 13 مارس مؤثرا وواضحا في ما يتعلق برسالته إلى المرأة المغربية بكل انتماءاتها ، ومقنعا بالنسبة للغالبية في رده على مطالب الحركة النسائية بالمغرب ، حركة خرجت يوم الثامن من مارس لترفع في وجهه شعار ارحل وتطلب منه تفعيل مبدأ المناصفة إضافة إلى مطالب أخرى طبعا .
من بين ما سرده السيد بنكيران من منجزات الحكومة التي يقودها هديته للأرامل ، اعتبر مبلغ 350 درهم عن كل طفل مبلغا قليلا لكنه أفضل من لا شيء . نبرة حديث بنكيران وتعابيره أعطت إشارة قوية لمن تابع الحوار أن الرجل يسعى إلى تحسين وضعية المرأة المغربية ولكن "يده قصيرة" ، لقد خاطب مشاعر الشعب قبل عقله ، لأنه ، وإن تمعنا قليلا في كلامه لأدركنا بأنه لا يهدف إلى الرقي بوضعية المرأة بقدر ما يهدف إلى تحسين شروط عبوديتها ، ففي الظروف الحالية وفي ظل الإمكانيات المتاحة ، هذا أقصى ما يمكن أن تقدمه حكومته
لست هنا في حاجة للتذكير مرة أخرى ، بأن الفقر وباقي الأمراض الاجتماعية ليست حكرا على المرأة وحدها ، هي أوبئة تصيب المغاربة على أساس انتمائهم الطبقي لا على أساس جنسهم ، فإن كان هناك شيء في هذا البلد يوزع بالتساوي والعدل بين المرأة والرجل فهو الفقر والبطالة والمرض والجهل ، الفرق الوحيد بينها يكمن في القدرة على تحمل هذه الآفات والتعايش معها أو تجاوزها ، لهذا ، على الجمعيات النسائية الإقلاع عن المزايدة على المغاربة في هذه النقطة بالخصوص ، كفاها استغلالا لمآسي الشعب لابتزاز الدولة وحشد التعاطف و بناء مجد وهمي ، من يسعى لمناصرة قضايا المرأة فليتناولها في شموليتها وقريبا من الواقع .
لم تخلو لهجة زعيم المصباح من التفاؤل ولم يفوت فرصة للتأكيد على دوره وأعضاء حكومته في "تجاوز" المطبات الاقتصادية والاجتماعية التي "كان" المغرب يعاني منها ، وتمكنه من استعادة ثقة الدائنين الدوليين، وهو ما انعكس إيجابا على أداء الحكومة تجاه الشعب وعلى المستوى المعيشي للمغاربة .
دعونا نتحدث قليلا بلغة الواقع وبعيدا جدا عن لغة السياسيين المقبلين على الانتخابات ، الشعب المغربي سيدي الرئيس ليس في حاجة إلى منحة أو هبة من أي جهة كانت وكيفما كان قدرها ، حتى لو كانت تفوق 5000 درهم ، يحتاج المواطن ليشعر بمواطنته الكاملة إلى خدمات عمومية جيدة يسهل الولوج إليها ، يحتاج إلى عمل كريم يدر عليه دخلا محترما يحفظ له كرامته من الانتهاك على عتبات القطاع الخاص والعام
ولتبسيط الموضوع أكثر لن نذهب بعيدا ، سنسوق نفس المثال الذي تطرق له السيد الرئيس في حواره ، ماذا يمكن أن تقضيه أرملة بمبلغ 350 أو حتى 1050 درهم لثلاثة أيتام في ظل مدرسة عمومية شبه مدمرة ومستشفيات بمواصفات صومالية يصعب الولوج إلى "خدماتها" _دون أن نتحدث هنا عن الغلاء الذي أنكره السيد الرئيس_ وفي ظل أزمة السكن ؟؟ ، ولا يتشدقن علي أحد ببطاقة الرميد ، فالكل صار يعرف أنها بطاقة بلا أي فائدة تقريبا أمام مستشفيات عمومية مقصوفة منذ زمن ، ميزتها أنها أضافت إلى حاملها صفة العاجز المستحق للمساعدة ، وبذلك يمكنه أن يرصها إلى جانب بطاقته الوطنية ، ولا داعي أيضا أن يذكرنا أحدهم بمجهودات الدولة لإنقاذ التعليم العمومي بدأ بالميثاق الوطني ومرورا بالمخطط الاستعجالي أو أي مبادرة أخرى ، كل الأرقام تشير إلى أنها كانت مجرد مجهودات دونكيشوطية لم تسعفنا سوى في إهدار الوقت وتبذير المال العام .
سيدي الرئيس ، هناك حقيقة واحدة : الأزمة التي يعيشها المغرب منذ عقود ألقت بظلالها على جودة حياة المغاربة ، ولتجاوز هذا المطب الذي طال بقاؤنا فيه ، لم ولن تنفع سياسات من شاكلة بطاقة الرميد أو منحة الأرامل... ، هذه مجرد حلول ترقيعية بنتائج هزيلة وآنية لن تجدي سوى في تعميق شعور المواطن بالدونية و في تأخير انفجار الوضع المحتقن لسنوات معدودة لا غير، ولا يغرنك هتافات مواطنين هنا وهناك باسمك وباسم الملك ، هم فئة لا زال الأمل فيهم يغلب ألمهم ...هناك احتقان حقيقي ، جزء كبير منه خفي/نائم يغطيه الإيمان بالقضاء والقدر وبما "قسمه الله بين عباده" ، وهذا وحده ما يؤجل تفجر الوضع .. سيدي الرئيس ، عليك الإقرار بهذا الواقع ومواجهته بدل نثر الورود عليه.
اقتصاد المغرب ينخره الفساد ، شديد الهشاشة ،ويقف على ساق واحدة متكأ على المانحين الدوليين ويراهن على السياحة ، اقتصاد بهذه المواصفات لا يمكنه أن يكون آلية ناجعة لمعالجة الفقر والبطالة ، ولا يمكنه إلا أن يعيش عليلا و ينتج ما تعيشه الفئات الهشة من الشعب ، ولتجاوز هذا الوضع على المغرب أن يفعل الممكن والمستحيل لتجاوزه وليس رتقه بحلول "قشرية" من حين لحين ، حلول على شكل منحة/منة/هبة/قفة....
قد يقول قائل ، بأنه لا توجد دولة في العالم يمكنها أن تشغل كل مواطنيها في القطاع العام ، طيب ، هذا أمر منطقي وواهم من يراهن على هذا الحل ، هنا لا بد أن نتساءل عن دور القطاع الخاص ، أين هو الرأسمال الخاص المغربي من كل هذا ؟؟ هل حقا يرى في مناصب الشغل التي يوفرها حاليا وظروف العمل والأجور التي يمنحها مساهمة منه في تطوير الاقتصاد الوطني وفي التنمية الاجتماعية ؟؟ ماذا عن خطة الحكومة لجعل القطاع الخاص يتحمل مسؤوليته كاملة ؟؟ إلى متى ستظل الدولة خاضعة لابتزاز ودلال المستثمرين المغاربة والأجانب الذين تمنحهم امتيازات خيالية وتكاد تعفيهم من مسؤولياتهم والتزامهم بقوانين الشغل والاستثمار ؟؟
هذا هو الرهان الذي يجب أن ترفعه الحكومة لحل مشاكل المغاربة وحفظ كرامتهم ، عليها أن تتحدى سطوة رجال المال والأعمال وتكف عن تدليلهم وتقديم تنازلات تلو تنازلات فقط لتضمن بقاء "حفنة" من رجال أعمال ، مبدؤهم لي ذراع الدولة وكل همهم تضخيم أرصدتهم وتوسيع أعمالهم على حساب قوت وكرامة الطبقة العاملة ، هذه أهم الآليات _إضافة إلى تحسين جودة الخدمات العمومية وتسهيل الولوج إليها_ التي مكنت الدول المتقدمة من تجاوز تبعات الفقر ومن القطع مع حالة العبودية غير المعلنة التي كانت تعيشها طبقتها العاملة ، لا يهم نوع العمل الذي يؤديه المواطن ، المهم أن يتقاضى مقابله أجرا محترما يصون كرامته ويتمتعَ بكامل حقوقه التي ينص عليها قانون الشغل على علاته .
سيدي الرئيس ، خاطبت عواطفنا وها نحن نخاطب عواطفك وضميرك كرجل دولة : هل هذا كثير على المغاربة ؟؟ هل من الرفاهية أن يتذوق المسحوقون طعم الكرامة ؟؟ هل كثير عليهم الإحساس بمواطنتهم ؟؟هل قدرهم أن تكون يدهم السفلى دوما ؟؟ ألا يؤرقك أن ترى بأم عينك من المغاربة من يعيش منتهى البذخ في الوقت الذي يتعايش فيه الملايين مجبرين لا مخيرين مع الفقر والمرض والجهل؟؟ ..إياك أن تحدثنا عن تكفل السماء بتوزيع الأرزاق ، هذه كذبة تاريخية أُريد بها الاستحواذ على الثروة والتحكم في الأعناق