غريب أمر بعض العلمانيين اليساريين أو المتياسرين يعيبون على الإسلاميين استغلال الدين في السياسة، لكنهم لا يتورعون مطلقا أن يستعملوا الدين ولكن من زاوية أخرى أو معاكسة استفزازية لجلب الأنظار إليهم وإثارة نقاش يقولون من خلاله انهم موجودون بالمشهد السياسي بخلق معارك جانبية هامشية، وفي الوقت نفسه جس نبض المجتمع لقياس مدى مناعته ومقاومته لكل ما يمس دينه وقيمه.
ويستغل أولئك العلمانيون والمتياسرون ركوبهم لمسألة دينية وإثارة الجدل حولها لتسجيل حضور إعلامي في المشهد بعد العجز عن الحضور السياسي النوعي في المجتمع بما يطور الحياة السياسية نحو الأحسن والأفضل، ولكنهم لا ينتبهون إلى أن إثارة الجدل في قضايا دينية محسومة بالنص أو قطعية وليست مجالا للاجتهاد تأتي بنتائج عكسية لما يريدونه.
ويندرج فيما سبق الخرجة الغريبة للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي ذ إدريس لشكر في مؤتمر خاص بقطاعه النسائي، بمطالبة المساواة بين الرجال والنساء في الإرث والدعوة لإلغاء تعدد الزوجات وعدم الاكتفاء بتقييده مدخلا ذلك تحت يافطة ضرورة الاجتهاد في الدين.
وقبل ذلك سبق لآخرين محسوبين على اليسار أو العلمانية المتشددة أن دعوا للسماح للناس بإفطار رمضان بشكل علني، والسماح ببيع الخمر للمسلمين، وغير ذلك من الدعوات والخرجات التي لقيت استهجانا واستنكارا من المغاربة.
وبالطبع السيد لشكر يعرف جيدا وهو رجل قانون أن الطفل في الكتاب يعرف القاعدة المعروفة، انه لا اجتهاد مع النص، أان تفصيل الإرث وتوزيعه أمر توقيفي محسوم محدد بنص القران الكريم وأمر قطعي لا يمكن أن يدخله اجتهاد بشري وإلا لما فصله الله تعالى.
ويعلم ذ لشكر جيدا وهو المحامي ، أن عدد من النساء في عدد من مناطق المغرب يطالبون الرجال بحقهم في الإرث فقط بما ينص عليه القرآن الكريم، ولكنهم للأسف لا يحصلن عليه إلا بمشقة الأنفس وربما لا يحصلن عليه مطلقا، واستحضر هنا نصيب النساء الضائع في ما يعرف بأراضي الجموع ، الأمر الذي أثار نقاشا بعد وقفات احتجاجية، ويبدو أنه في اتجاه التصحيح.
كما يعلم ذ لشكر جيدا أن مطلب المساواة في الإرث سبق وأن حسم أمره عندما تمت عملية إصلاح مدونة الأسرة من خلال لجنة معينة من الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين عندما قال تحت قبة البرلمان وبوضوح كامل وصيغة لا تقبل اللبس "بصفتي أميرا للمؤمنين لا يمكنني أن أحل حراما أو أحرم حلالا".
ويعلم ذ لشكر أن تعدد الزوجات ليس مشكلة خطيرة في المغرب وليست واحدة من أولويات المغاربة حتى يثير النقاش حولها في هذه الظروف، لأن ظاهرة التعدد قليلة جدا في المغرب، ولأن شريحة واسعة من الشباب المغربي لم تجد شغلا لتستطيع الزواج بواحدة فكيف بثانية أو ثالثة، بمعنى أن التعدد بات واقعيا واجتماعيا غير ممكن، فلماذا الإصرار على تحويل هذا الواقع إلى حقيقية تشريعية؟
اعتقد أن خرجة ذ لشكر لا تعبر عن قناعة كل أعضاء حزب الاتحاد الاشتراكي بل تعبر عن قناعته كشخص وفئة قليلة معه، وأنه سعى لإثارة الجدل حول قضية تعتبر من القطعيات في الدين الإسلامي من جهة للهروب من مشاكل يعانيها داخل الحزب بعد انتخابه أمينا عاما بطريقة طرحت أسئلة عديدة أثارتها الصحافة الوطنية في حينه وما تزال تداعياتها مستمرة، ومن جهة ثانية لإثارة زوبعة يسقط في فخها متشددون فيستغلها لشن حرب على الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية وبذلك يصبح حديث إعلام علماني فرنكفوني موجه مستعد لشن حرب على الإسلاميين سواء بالحق وبالباطل.
وللأسف ذلك ما حصل، حيث هاجم شخص يدعى أبو النعيم الاتحاد الاشتراكي و كفر كاتبه الأول وهو أمر غير مقبول.
لكن الحزب المذكور وقيادته سارعت وبشكل غريب لربط "الفتوى" المدانة بالانتقادات التي وجهتها حركة التوحيد والإصلاح لخرجة الزعيم الاتحادي بشكل يذكر بالمثل الشعبي "طاحت الصومعة علقوا الحجام" فما علاقة تلك "الفتوى" بانتقادات قيادات من حركة "التوحيد والإصلاح" ؟
هذا خلط لما لا ينبغي أن يخلط، ودعوة لتكميم الأفواه عن النقد والحوار البناء مادام ذلك في إطار حضاري راقي وبدون عنف لفظي أو تكفير ديني أو سياسي.
وبدل التركيز على القضية الأساسية التي هي استفزاز مشاعر المغاربة الدينية والتطرف في ذلك والتطرف المضاد المقابل، سعت القيادة الاتحادية لتحويل المعركة مع حركة التوحيد والإصلاح وطرح علاقتها مع حزب العدالة والتنمية وإثارة مسالة فصل الدين عن السياسة، مما يطرح علامات استفهام كبيرة على مقصد الخرجة من أساسه والرغبة في افتعال معركة مع تيار وسطي معتدل ولمصلحة من؟
وتجاهلت القيادة الاتحادية بقصد أو بغيره أنها بهجومها على تيار الاعتدال والوسطية تقدم خدمة مجانية لتيار التشدد من حيث تريد أن تحتج عليه، ولكن الأمل كبير في العاقلين والحكماء في الاتحاد الاشتراكي لإيقاف هذا العبث والمعركة الوهمية والتركيز على المعارك الحقيقية للشعب المغربي وهي معركة الإصلاح الديمقراطي ومحاربة الفساد والحفاظ على الاستقرار الذي تنعم به بلادنا والحمد لله في محيط مضطرب، ومسؤولية الحفاظ على هذا الاستقرار والحرص عليه مسؤولية الجميع وخاصة السياسيين والجمعويين بعدم الانجرار وراء الأهداف السياسوية الضيقة وما يفرق والتركيز على ما يجمع ويوحد وهو كثير.