إن المتتبع لمسار القضية الأمازيغية على مستوى المغرب، منذ بذاتها إلى يومنا هذا، سيلاحظ وجود سياسة تقوم على التضييق والإقصاء وكذا التهميش لمطالب الحركة الأمازيغية، أمام صمت بل وتخاذل كل القوى السياسية من اليسار إلى اليمين. إلا أن قوة وموضوعية خطاب هذه الحركة جعلها تفرض ذاتها داخل الساحة السياسية المغربية، في "صراع" فكري وسياسي مع أحزاب تتقاسم فيما بينها مبدأ العروبة، كإيديولوجية نعتبرها معادية وناكرة لما هو أمازيغي.

هذا "الصراع" جعل الدولة "تحس" في العقد الأخير من القرن الماضي بمدى ديمقراطية وشرعية الخطاب الأمازيغي، وكذا خطورة الوضع السياسي مستقبلا بالمنطقة الشمال الأفريقية والشرق أوسطية التي تسود فيها الأنظمة العربية، إلى جانب ظهور بوادر فشل وانهيار القومية العربية مع حافظ الأسد وصدام حسين ومعمر القذافي ... على مستوى الخارج. أما على المستوى المغربي، فقد عرفت الساحة السياسية تنامي الخطاب الأمازيغي، وكذا تدرج رفع سقف المطالب ... الشيء الذي لم يترك المجال للدولة في الاستمرار في نفس السياسة خصوصا في عهد الحسن الثاني، الذي نجح في احتواء ملف القضية الأمازيغية لصالحه، فلا أحد يستطيع الخوض فيه ولا من أجله بشكل جريء إلى يوم وفاته. ليتضح وبالملموس أن ملف القضية الأمازيغية هو ملف لا يختلف في شيء عن ملف قضية الصحراء، وأن الحسم فيه يبقى بيد القصر لا غير، كما أنه وكما أكدت المحطات السابقة ورقة سياسية حاسمة بيد القصر في علاقته مع المطالب الأمازيغية. وهو ما سنوضحه بشكل كرونولوجي.

المحطة الأولى: خطاب 20 غشت 1994

هي محطة تاريخية رسمية استطاعت فيها الحركة الأمازيغية أن تحقق بعضا من مطالبها، محطة أتت في سياق رد فعل الدولة اتجاه الاعتقال الذي تعرض له مناضلي جمعية تيليلي بݣلميمة، بعد مشاركتها في عيد الشغل يوم فاتح ماي من نفس السنة، مذكرة الدولة بمطالب الحركة الأمازيغية، وكذا في سياق الأحداث التي تعرف منطقة القبايل الجزائرية منذ أحداث 1980. ليعتبر الخطاب أول رد رسمي عن مطالب الحركة الأمازيغية منذ بدايتها، مع كل ما تعرضات له من اعتقالات، واختطافات ...

المحطة الثانية: خطاب 30 يوليوز  و 17 أكتوبر 2001

بعد خطاب 20 غشت 1994 وقبل خطابي 2001، كان كل ما أقره الحسن الثاني في خطابه حبرا على ورق لا شيء تحقق منه، بل العكس من ذلك زاد التضييق على مناضلي الحركة الأمازيغية في تحركاتهم وأنشطتهم، سواء من طرف الدولة نفسها أو من الأحزاب السياسية، وهو ما نجحت الحركة من تجاوزه و مقاومته بأساليب سلمية وفكرية وعلمية توجت بالبيان الأمازيغي سنة 2000، تلك الأحزاب التي أبانت عن نفاقها اتجاه ملف القضية الأمازيغية، ستظهر جليا مع اعتلاء الملك محمد السادس للعرش، حيث كانت البوادر الأولى لانفراج سياسي يقطع مع العهد القديم، ونية حسنة  لتصالح مع القضية الأمازيغية، لتغير الأحزاب المنافقة "موقفها" بعدما غيره الملك بشكل رسمي في خطاب 2001، الذي توج بتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية والإقرار بمجموعة من المطالب الأمازيغية، بما فيها تدريس الأمازيغية (سنة 2003/2004)، والنهوض بالثقافة الأمازيغية، وتعزیز مكانة الأمازیغیة في الفضاء الاجتماعي والثقافي والاعلامي الوطني.

رغم كل ذلك، مازالت معاناة الحركة الأمازيغية مستمرة، على يد الدولة بتضييقها على جل المناضلين الأمازيغ، وعلى أنشطتهم الثقافية وتحركاتهن السياسية، التي كان من بين نتائجها حل الحزب الأمازيغي الذي يتزعمه السيد أحمد الدغرني، اعتقال مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية على مستوى الجامعة ...

المحطة الثالثة: خطاب 9 مارس 2011

تعتبر المحطة الثالثة محطة استثنائية، وذلك للسياق الذي أتت فيه، من خلال الحراك الشعبي الذي عرفته منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، الذي - الحراك - أدى إلى تغيير أنظمة وزعزعة أخرى، وكذا غليان داخلي - أفاض كأسه يوم 20 فبراير-  لم تكن تُعرف بدايته من نهايته، وهو غليان ساهمت فيه الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية واليسارية وكل القوى الديمقراطية في البلاد، الشيء الذي دفع القصر لإبداء نيته في إجراء تعديل دستوري يوم 9 مارس، وتم الاستفتاء حوله يوم 1 يوليوز 2011، حيث نص من بين ما نص عليه على رسمية اللغة الأمازيغية، ووضع قانون تنظيمي لها.

إذن، فمن خلال المحطات الثلاثة الرسمية حول القضية الأمازيغية، يتضح لنا كيف يتم تدبير هذا الملف والجهة المسؤولة عنه، في مقابل هذه المحطات ليست هناك أي جرأة سياسية لدى الأحزاب المغربية سواء في الأغلبية أو في المعارضة، لمتابعة هذا الملف والمرافعة من أجله، أو تقديم تصورها للقوانين التنظيمية الكفيلة لتسريع تنزيل مقتضيات الدستور في حق الأمازيغية، على العكس من ذلك نسجل استغلالها سياسيا منذ الانتخابات البرلمانية لـ 2011 ، من خلال حملات انتخابية رفعت فيها الأعلام الأمازيغية، وهي سابقة من نوعها لاستقطاب الأصوات الأمازيغية، لنفاجأ بعد ذلك بصمتها وغض نظرها عن كل ما هو متعلق بالأمازيغية، بدأ بالأغلبية إلى المعارضة دون استثناء أي حزب، كما سجل تراجعها عن مواقفها وكذا تماطل الحكومة في تدبير هذا ملف في شتى المجالات بما فيها التعليم، الذي يعيش الآن تراجعا ملحوظا في تعميم تدريس الأمازيغية، سواء على المستوى الأفقي أو العمودي، وهو ما استنكرته الحركة الأمازيغية مرارا و تكرارا، دون أي تدخل للحد من السلوكات اللامسؤولة لمدراء المؤسسات التعليمية، وكذا من طرف الوزارة الوصية نفسها.

هكذا نخلص إلى أن القضية الأمازيغية هي ملف سياسي شائك وحساس، بل وورقة سياسية يراهن عليها في تدبير السياسة الداخلية، إذ لا يعقل أن يتم التماطل في تفعيل مقتضيات الدستور، أمام أعين الساهر الأول والوحيد على تنزيله بشكل سليم وهو الملك، أمام حساسية الملف وعدم "قدرة" الأحزاب على الخوض فيه وإبداء مواقفها حياله، أمام تعنت الحكومة على فتح هذا الملف بشكل جريء ... بالتالي، فملف القضية الأمازيغية هو ملف عهدناه داخل القصر وفتحه لن يكون إلا داخل القصر والحسم فيه سيكون من داخل القصر ... إنه ملف في رفوف القصر.