قد لا يختلف اثنان حول كون الناشط والمفكر أحمد عصيد بمثابة شوكة في حلق جل رجالات التيارات السياسية المغلفة بالدين ان لم نقل كلها، فعلاقة هؤلاء بالمفكر المغربي علاقة مكهربة متوترة يغلب عليها الكر والفر، وبوتيرة تتلون بحسب الأحداث التي يحللها كل طرف والمناسبات والظروف التي تجمع الطرفين.
أحمد عصيد، لا يجد أدنى حرج في الدعوة الى ضرورة استعمال العقل في التعاطي مع النوازل والتحلي بالإرادة والثقة في النفس واحترام القانون والمؤسسات، ويتبنى خطابا يتأسس على قيم المواطنة واحترام حقوق الإنسان كما تنص على ذلك المواثيق والعهود الدولية.
أحمد عصيد وبالنظر الى تكوينه الحقوقي وصرامته الوفية للصراحة، لا يجد غضاضة في وصف بعض السلوكيات والأحكام والمواقف التي يعتمدها رجالات التيارات السياسية المغلفة بالدين بالتطرف، توجهه العلماني الصريح جر عليه الكثير من أحقاد رجال الدين السياسيين خاصة أنه يتقن فن الجدال والنقاش الهادئ ويناظر بقدر غير يسير من الثقة بالنفس.
كلها أمور جعلت الرجل، وإن كنا نختلف معه في كثير من المواقف التي يدلي بها، في موقف لا يحسد عليه وهو يرمى بأبشع النعوت ويتهم بأفظع التهم، بل ووصل الأمر الى التشهير به من على المنابر خدمة لنزعات مرضية لن تجر غير الخراب والدمار الى البلاد والعباد.
آخر حلقات هذا المسلسل المرعب، افتاء أحدهم بهدر دم المفكر أحمد عصيد، ليس لأنه يسب الرسول أو يزدري الدين كما يخيل إليه ويحاول جاهدا ايهام الناس بذلك، بل لأن الرجل لا يطيق أن يسمع رأيا آخر خصوصا من رجل يرفع شعار العلمانية والعقلانية ويجتهد في اعادة طرح النوازل بنوع من التجرد واحكام العقل.
وفي ظل هذا الجو الذي تعكره التهديدات الإرهابية والدعوات التكفيرية، خصوصا وأننا في سياق دولي تغلب عليه الفوضى باسم الدين، آثر الأستاذ عصيد الإعتذار عن تأطير ندوة نظمها "مركز مدينتي" بآيت ملول في إطار شراكة وتنسيق مع المجلس البلدي والتي كانت مخصصة لمناقشة موضوع " الفاعل المدني ...وأسئلة الديمقراطية الحداثة وحقوق الإنسان".
اعتذار له ما يكفي من المبررات، فالسلامة الجسدية آخر ما يمكن أن نتصور تعريضه للخطر في دولة كالمغرب الذي كان وعلى مر التاريخ أرض التنوع والتسامح والإختلاف، والمثير في القضية أن الشخص الذي صدر عنه التهديد بالتصفية الجسدية سبق وحوكم بنفس الجنحة، مما يطرح عدة اشكالات وتساؤلات من قبيل:
- ما مدى فعالية القضاء المغربي في ردع بعض السلوكات التي تهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي؟
- هل تعاملت الدولة المغربية مع هذا الملف بالجدية والحزم الكافيين في ظل السياق الدولي المذكور؟
- هل ننتظر أن تقرن هذه الجهات القول بالفعل كي يندد المجتمع وتتدخل الدولة؟
- أين مسؤولية الدولة في حماية مواطنيها وضمان سلامتهم الجسدية وأمنهم الروحي؟
- ما موقف الحكومة المغربية ذات التوجه "الاسلامي" في مثل هذه الفتاوى التحريضية ولماذا تلزم الصمت أمام مثل هذه الأوضاع الحرجة؟
- ماذا تنتظر النيابة لتحريك المتابعة القضائية ضد التكفيريين والتحريضيين؟
في الأخير، وكفاعل جمعوي ومدني أؤمن بالإختلاف وأحترم الرأي الآخر، لا يسعني إلا أن أسجل تضامني التام واللامشروط مع المفكر المغربي الكبير الأستاذ أحمد عصيد في مواجهته للتهديد والارهاب المباشر والصريح، وأدعو الدولة المغربية الى تحمل مسؤوليتها كاملة في مواجهة مثل هذه السلوكات الغريبة عن ثقافتنا وبلدنا، كما أنبه كل الديمقراطيين والوطنيين الى أن الوضع يستدعي تضافر كل الجهود لتجنيب المغرب مثل هذه المنزلقات التي لا يمكن التنبؤ بمضاعفاتها وعواقبها.