800 محل تجاري احترق عن آخره، وأكثر من مائة مليار ضاعت في رمشة عين بسوق ممتاز بالناظور، مصير 5000 عائلة تعيش مباشرة من هذا المركب التجاري أصبح معلقا، ومئات التجار أصبحوا معدمين مهددين بالسجن بسبب الشيكات التي لن يستطيعوا دفعها، أحدهم حاول الانتحار وآخر حاول إنقاذ سلعته فسقط في الأنقاض.
مرت ستة أيام على اندلاع الحريق، ومع ذلك كانت ألسنة اللهب لازالت تأكل بعض جنبات المبنى.
وخلال كل هذا الوقت وجد الجنرال اليعقوبي قائد رجال الوقاية المدنية، الوقت لكي يدهس مواطنا في الدار البيضاء ويرديه قتيلا.
أما رئيس الحكومة فليس لديه الوقت للانشغال بحريق الناظور لأنه منشغل بإطفاء الحرائق التي تشب في ثيابه، بسبب تصريحاته التي يرمي بها ذات اليمين وذات الشمال.
إن ما وقع في الناظور وأدى إلى حالة من الركود التجاري بالمدينة، يتحمل المسؤولية الكبيرة فيه جهاز الوقاية المدنية، فلا يعقل أن يندلع حريق في بناية وتستمر في الاحتراق لخمسة أيام متوالية، وأن يتم اللجوء إلى رجال الوقاية المدنية الإسبانية لإخماد الحريق.
المضحك في الأمر أنهم يبشرون المغاربة بأن الغرامات الناجمة عن مخالفات السير ستصل أصحابها 28 ساعة إلى بيوتهم بعد اقتراف المخالفة، جميل، وسيارات الإسعاف والإطفاء عندما يتعلق الأمر بكارثة أو حادثة لماذا لا تصل بنفس السرعة أيضا؟
لذلك فالذي يجب أن يخضع للمساءلة هو الجنرال عبد الكريم اليعقوبي المفتش العام للوقاية المدنية، التابع لوزير الداخلية.
ففشله، وهو الحاصل على دكتوراه الدولة في تدبير المخاطر في الوسط الحضري، في إخماد حريق عادي بمركب تجاري في ظرف زمني طبيعي يكشف أن تسييره لهذا الجهاز يعاني من أعطاب كثيرة.
والواقع أن حوادث متفرقة تهز هذا الجهاز، فبين حين وآخر نسمع عن رجل إطفاء يهدد بالانتحار بإلقاء نفسه من شرفة البناية، كما حدث مؤخرا في المحمدية، أو برجل إطفاء يحتج صارخا طالبا سيارة إسعاف لنقله إلى المستعجلات، كما حدث في مراكش لرجل الإطفاء الذي طلب إسعافه بسبب مخلفات تعرضه لحادثة شغل حينما حاول إنقاذ أحد العمال سقط في بالوعة لتصريف المياه العادمة بإحدى الفيلات بحي المصمودي، فانتهى بإصابات خطيرة في الظهر.
وكان جزاء هذا الإطفائي الشهم هو رفض رئيسه حمله إلى المستعجلات في سيارة إسعاف المصلحة التي يشتغل بها، ودفع عائلته للاستعانة بخدمات سيارة أجرة، فما كان من زملائه سوى أن تضامنوا معه بقيادة قافلة من سيارات الإسعاف صوب زميلهم والعمل على نقله صوب مستعجلات ابن طفيل.
من يكون إذن الجنرال اليعقوبي الذي يسير جهاز الوقاية المدنية التابع لوزارة الداخلية، التي يقول بنكيران إنه رئيسه المباشر؟
هذا الجنرال الذي يتحدر من ضواحي تازة، أصبح بفضل بقائه 18 سنة كاملة على رأس الوقاية المدنية من الأثرياء. لقد أتى يوم تعيينه في 20 يناير 1996 بسيارة قديمة من المياه والغابات، باعها له ضابط بمليونين ونصف سنتيم.
ورغم أن الجنرال أظهر فشله في تدبير الوقاية من المخاطر المدنية في أكثر من كارثة طبيعية، فإنه يقدم ترشيحه إلى منصب مدير «الحماية المدنية التابعة» للأمانة العامة لوزراء الداخلية العرب، والكائن مقره بالرباط.
وهذا المنصب ليس تطوعيا، فكل من يترأسه يحصل طيلة ست سنوات على ميزانية مسيلة للعاب وسفريات متعددة عبر الأقطار العربية والدولية، ومرتب شهري لا يقل عن 5.5 ملايين سنتيم وبالعملة الصعبة.
وحتى عندما انقضت فترة الدورتين، ولم يعد مسموحا له بدورة ثالثة، طبقا للقانون الداخلي، التجأ إلى نائبه ومساعده آنذاك بجهاز الوقاية المدنية، الكولونيل بنزيان محمد، فسلمه منصب مدير «مكتب العربي للحماية المدنية» بمباركة من شخص نافذ في وزارة الداخلية آنذاك، وهكذا قضى الكولونيل ست سنوات أي دورتين كاملتين في تسيير المكتب سالف الذكر.
وعندما لاح الصباح وانقضت مدة الكولونيل بنزيان محمد، تفتقت عبقرية جنرال الوقاية المدنية وتضاعفت شهية الانقضاض على المكتب العربي للحماية المدنية مجددا للحصول على ولاية ثالثة بأي ثمن.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يتناوب اليعقوبي وبنزيان على منصب مدير «المكتب العربي للحماية المدنية».
والجواب واضح، فكلاهما يغطي المستور عن الآخر حتى لا يقرب أحد من الكنز الدفين والمنبع الذي ظلا ينهلان منه ويتمتعان بمحتواه.
أليس حريا بالإخوة العرب والمسؤولين المغاربة أن يكشفوا لنا ماذا فعل هاذان المسؤولان لمدة 12 سنة، خلال دورتين لكل واحد منهما، للمغرب والمغاربة والعرب في هذه المدة من إنجازات في مجال الحماية المدنية وتدبير المخاطر؟ ومدى فعالية هذا المكتب وتأثيره على أطر الحماية المدنية عربا ومغاربيين؟ أين التكوين المستمر؟ هل هناك نية مشروع بناء مدرسة عربية للحماية المدنية؟ هل هناك تنسيق بين أجهزة الوقاية العالمية والمكتب العربي للحماية المدنية؟ هل هناك تنسيق ومناورات مشتركة بين الدول العربية بإشراف من مكتبها العربي الدائم للحماية المدنية؟ هل سبق أن قامت دولة عربية بمساعدة تكنولوجية وبشرية لدول عربية داخل المنظومة حين البأس؟
أسئلة من المفترض أن يكون جوابها عمليا في خطط الاستراتيجية الحمائية للدول العربية، والحال أن فاجعة الناظور كشفت أننا نلجأ كل مرة وعند كل كارثة لدول أوربية، خصوصا فرنسا وإسبانيا.
ولعل السؤال الذي على رئيس الحكومة أن يطرحه على وزير الداخلية، مادام أن بنكيران يفتخر لكونه رئيسا مباشرا لوزير الداخلية، هو ماذا فعل الجنرال اليعقوبي طيلة 18 سنة لجهاز الوقاية المدنية؟
هل فعل شيئا آخر غير إفقار هذه المؤسسة ماديا ومعنويا، حيث كسر شوكة ضباطها الشرفاء بترهيبهم ونقلهم وعزلهم لأبسط شيء، مثلما صنع مؤخرا عندما قرر تنقيل القائد الإقليمي بطنجة إلى قلعة السراغنة، ليس بناء على خطئ مهني وإنما فقط بناء على شكاية مواطن وجد صعوبة في المرور بسيارته من أمام مقر الوقاية المدنية، بسبب المعدات التي كانت مركونة هناك.
وفي مقابل التوقيفات والتنقيلات المزاجية، يؤشر الجنرال على ترقيات في غياب تطبيق المساطر القانونية، وكنموذج في هذا الباب ترقيته لنقيب إلى درجة مقدم دفعة واحدة، لكون هذا المحظوظ هو من يطبق قرارات التنقيلات في حق أبناء جهاز يكتوي يوميا بنيران هؤلاء الدائرين في فلك الجنرال، هذا دون الحديث عن تعيين مديرين في منصبين ساميين رفضهما رئيس الحكومة بعدما رفض المسؤولان عن وزارة الداخلية التوقيع على المحاضر.
وهذا المحظوظ الذي يعتبر الذراع اليمنى للجنرال، ترقى إلى مقدم دون الرجوع إلى اللجنة المختصة في هذا الباب، وتم التأشير على ترقيته من طرف مسؤولي وزارة الداخلية ووزارة المالية، وهما الموظفان الساميان اللذان ينهلان من معين الجنرال اليعقوبي.
وإذا ما تم فتح تحقيق في جميع الترقيات التي وقعها مفتش الوقاية المدنية، فإن الفضيحة ستكون أكبر من فضائح ويكيليكس.
ولعل أكبر تحد يرفعه الجنرال في وجه بنكيران، هو منعه لاستعمال الهاتف ومنعه للعطل السنوية، في تحد سافر لدورية السيد رئيس الحكومة.
كما أنه يمنع الحصول على جوازات السفر والسياحة خارج الوطن لأفراد الوقاية المدنية، ويستعمل الكاميرات في أقسام الإدارة ومراحيضها.
ولعله من المدهش أن كل قضايا الوقاية المدنية التي تحدثت عنها الصحافة أقبرت، ومنها قضية سرقة المستودعات الوزارية التي يشرف عليها الدرك الملكي، وهي التي كادت أن تعصف برؤوس الكولونيل بنزيان وأحد النقباء، حيث سارع الجنرال إلى طمسها، علما أن سيارة المصلحة الخاصة بالنقيب سرقت وسرق حاسوبه الذي يحمل كل الإحصائيات التي تهم المستودعات الوزارية، فلا السيارة وجدت ولا الحاسوب عثر عليه ولا المتهمون توبعوا، والضحية الذي جهر بالحق ورفض المشي في طريق هؤلاء، نقل تعسفيا إلى مدينة القنيطرة، ليسدل الستار عن مسرحية يعرف الجميع مخرجها.
ولعل القضية التي يوجد ملفها بين يدي وزير العدل ورئيس الحكومة، دون أن يجرؤ أي واحد منهما على تطبيق القانون، هو ملف فضيحة الشهادات المزورة التي نشرتها الصحافة، والتي مازالت لم تدرج ولم تر النور داخل المحكمة، فهي كقضية ضخمة ورائحتها نتنة مازالت مكبلة ومسلسلة بمكتب السيد الوكيل العام باستئنافية فاس، وبطلتها التي تقبع بسجن القنيطرة.
وحسب ما يروج، فإن شخصية نافذة بوزارة العدل أمرت بإقبار الملف، بعد أن وزع المتهمون «شكولاطة» خاصة على مختلف المتدخلين.
لو فتح وزيرا العدل والمالية تحقيقا داخل المديرية العامة للوقاية المدنية، لوقفنا على فضائح تفوق ما تم التصريح به.
فهل جهاز بمثل هؤلاء المسؤولين هو من سيعول عليه المغرب لتدبير المخاطر وحماية أمن مواطنيه وسلامتهم؟
هذا ما يسميه المغاربة «تشبث غريق بغريق».