هذه هي الرسالة التي أراد أن يوصلها هؤلاء المراهقين, الذين نساهم المجتمع وتناسى احتياجاتهم وجعلها في سلة المهملات. المجتمع الذي نسى خصوصية مرحلتهم العمرية وما هم في حاجة إليه من رعاية ودعم وحرص دائم, ما هم في حاجة إليه من تتبع ومراقبة يومية.
"نحن هنا" يا من نسيتم أننا موجودين على هذه العالم ونتقاسم معكم أرض هذا الوطن, وأن لدينا رأيا ولنا موقفا ولنا الحق في التعبير عنه, ولم نعد نستطيع الصمت على جبروتكم, وقهركم, وعلى الصورة الطفولية التي ألصقتموها بنا فضللتم تنظرون إلينا كما لو أننا لا نفهم ولا ندرك شيئا البتة.
"نحن هنا" يا مسؤولين, يا من لم تؤمنوا لنا أي من مطالبنا الضرورية, يا من عجزتم على صرف جزء من ميزانيتكم في رسم ملاعب لنا, وبخلتم علينا بدور شباب في المستوى, أين هي يا ترى المؤسسات الرياضية والثقافية والفنية التي سنقضي فيها وقت فراغنا ؟ أين سنبدع ونبتكر ونصنع المعجزات ؟ أين سنستثمر قدراتنا الذهنية والعقلية وأين سنطور مواهب الفنية والإبداعية ؟ أين نبدل شحناتنا السلبية بأخرى إيجابية ؟فكل باب طرقناه وجدنا تذاكر الدخول إليه أغلى بكثير مما عندنا.
"نحن هنا" يا من اخترتم أن لا تسمعوا لموسيقانا ولم يرقكم أسلوبنا, وأردتم دائما أن نكون مثلما تصورتم لنا ونحن في أرحام أمهاتنا.نحن هنا يا من اخترتم أن تكونوا بعيدينا عنا و لم تعطوا لنا بضع ساعات من حياتكم اليومية, وتركتمونا للتيه في هذا العالم الواسع, فلماذا تصورتم منا نتيجة غير هذه؟ .
"نحن هنا اسمعوا صوتنا, أحسوا بوجودنا, لا تجعلونا بين الأقدام ولا تجعلوا أولوياتنا في مذكرة النسيان ".
هذه رسالتهم قد سمعتموها وأحسست بها وبكل ما تحمله من معاني إثبات الوجود والأخذ بزمام الأمور, والرغبة في إظهار القوة العظيمة والصوت الجهور, وتحقيق الذات, لكن نظرا للعديد من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية المتداخلة فيما بينها, لم يختاروا الطريقة الصائبة, فكتبوا رسالتهم بطريقة خاطئة, تداخلت فيها المعاني والعبرات, فأساءوا إيصالها وبالتالي عجزنا عن فهمها.
أما أنا فرسالتي سأخطها بالعبارة الصريحة لكي يفهما بوضوح كل من ستصل إليه, "حذاري ثم حذاري من هذا الوضع الذي أوصلنا نحن إليه المراهقين, فلنعد حساباتنا ولنعمل جميعا من أجل ترميم ما يمكن ترميمه, وإصلاح ما يمكن إصلاحه, لبناء أفق زاهر ومستقبل واعد لرجال الغد ونسائه ".
أتمنى أن تكون "التشرميل " أخر إنذار للمسؤولين والأسر والمربين والمعلمين وكل المحيطين بالمراهق, للاستفاقة من سبات نوم عميق, ولامبالاة عقود مديدة, فلنصنع لأبنائنا أساسا متينا لكي يبنوا عليه مستقبلهم, وهذا الأساس لا يكون إلا بالتنشئة الاجتماعية القوية والصلبة, تنشئة تقوم على قيم وأهداف ومبادئ بناءة .
فرسالتي إلى أفراد الأسر بشكل عام وإلى الآباء بشكل خاص, تقربوا لأبنائكم, تفهموا مرحلتهم العمرية الحساسة, واحتياجاتهم الخاصة, شجعوا مواهبهم, ساعدوهم على تطوير قدراتهم الرياضية, وتنمية ملكاتهم الذهنية, رافقوهم وكونوا لهم أقرب الأصدقاء حتى لا يبحثوا عن رفيق للمشاركة الأسرار. أيها الآباء أعطوا فلذات الاكباد وقتا كافيا, في جميع الظروف والأحوال فهم لابد أهم من جميع الأعمال .
أيها المعلمون في المدارس رسالتي إليكم أن كونوا مربيين قبل أن تكونوا معلمين, ولا تبخسوا مهمتكم في جعلها مقتصرة على لقاء ساعات في الأسبوع مع التلاميذ لتلقين الدروس, فالمدرسة تربية قبل أن تكون تعليم.
أيها المربون والمعلمون, خصصوا وقتا من حصصكم لفتح باب النقاش مع التلاميذ, نقاش تتجلى فيه حرية الإدلاء بالرأي بكل جرأة ودون خوف, حتى نصلح لهم ما يمكن إصلاحه من أفكار ومفاهيم مغلوطة اكتسبوها بطريقة خاطئة. حاولوا التطرق معهم إلى مشاكلهم, مخاوفهم, معاناتهم, همومهم و أحزانهم, حاوروهم في الصعوبات التي يواجهونها في مختلف المحاور الدراسية, وحتى الصعوبات الاجتماعية والأسرية والمشاكل النفسية التي تصاحبهم في هذه المرحلة العمرية. فاتحوهم في موضوع طموحاتهم الواسعة واهتماماتهم المتنوعة.
أيها المعلمون حاوروا تلامذتكم حوار ترغيب لا تنفير, تيسير وليس تعسير,تفاؤل وليس تشاؤم, فحتى نتمكن من إخراجهم من دوامة الانحراف والتيه لا بد من تضافر كل الجهود الأسرية والمدرسية .
أما رسالتي إلى ممثلينا في البرلمان فهي أن يضعوا المراهق ومشاكله والصعوبات التي تواجهه صوب أعينهم, لا تتغافلون عن أهميته داخل المجتمع, لا تقزموا حقه, فإن كان يشكل فئة مهمة في الحاضر, فإنه سيشكل أهم فئة في المستقبل.
في الأخير أود أن أقول أن نسبة الانحراف المتزايدة في المجتمع المغربي, تأكد لنا أمرا واحدا وهو وجود خلل ما في أنظمتنا الاجتماعية, فالتشرميل بالرغم من أنها لم تستوفي شروط الظاهرة الاجتماعية عند دور كايم إلا أنها تعبر عن مشكلة اجتماعية غاية في الخطورة, إذ هي حالة يراها غالبية الأفراد في المجتمع المغربي وفي المرحلة الزمنية الراهنة انحرافا عن قيم ومعايير اجتماعية يحترمها ويقدسها ويخضع لها أفراد المجتمع, ولحلها لا بد أن نعيد حساباتنا وندقق في التفاصيل لتحديد مكان الخلل الحقيقي ثم إصلاحه.