.jpg)
ضاع مستقبلنا المغربي يوم ضاعت المدرسة المغربية, مدرسة لم تعد تحمل من التربية والتعليم سوى الاسم الملصق بها باطلا, فلا هو تعليم في المستوى العالمي, ولا هي تربية تليق بالمجتمع الإسلامي.
تعليم يحتل منذ زمن بعيد المراتب الأخيرة عالميا من حيث الكفاءة والأداء, مسبوقا بتعليم دول حالتها الاقتصادية ووضعيتها السياسية أسوء بكثير مما عندنا. تعليم يحتل عن جدارة واستحقاق المرتبة 94 عالميا, و المرتبة ما قبل الأخيرة عربيا من حيث عدد الخريجين, تعليم بمعدل انتقال من الابتدائي إلى الثانوي الإعدادي تقارب 87 في المائة, متفوقا عليه بذلك التعليم الإثيوبي بنسبة 91 في المائة , نعم إثيوبيا بلاد الجوع و الحروب الأهلية تفوقت على المغرب بالرغم من أنه ثالث الدول العربية إنفاقا على التعليم بنسبة 5,5 في المائة من الدخل القومي الإجمالي , فالموضوع إذا ليس موضوع ميزانية خيالية بل هو موضوع دراسة عميقة وبناء رصين لم نصل إليه بعد في مخططاتنا التربوية والتعليمية, التي لا زالت تتخبط في أزمات التناقض في الآراء وعدم الاتفاق , وترك المهم والجري وراء التافهات . تعليم جرب كل الحلول الخارجية المستوردة, وحاول عدة محاولات فاشلة لزرع المقررات الغربية داخل التربة المغربية الإسلامية , مقررات لم يحاكي فيها الوضع الاجتماعي والتفافي المغربي , فجعلت التلميذ يعاني من التناقض وعدم فهم الواقع المحيط به , وبالتالي أصبح ينظر إلى المدرسة على أنها عالم غريب لا يمت للواقع المعاش في شيء , هذا التعليم يا سادة في المغرب فتعالوا أحدثكم عن التربية.
في بلادي لم تعد التربية شرطا أساسيا للتعليم بل هذا الأخير تخلى عنها منذ عهد طويل , أي تربية هذه التي ندرج اسمها غصبا في الوزارة, وهي امرأة ماتت منذ سنين, قاتلها كان الانحراف الأخلاقي للتلاميذ , وحافر قبرها لا مبالاة المسؤولين .
هو موضوع سال حوله حبر الكثيرين, وناقشه المثقفين قبل السياسيين, وطال هذا النقاش واحتد دون بزوغ نتائج عملية وحلول تطبيقية مناسبة للخروج من هذه الأزمة الأخلاقية, فالانحراف كل يوم يظهر له شكل الجديد من قلب المدرسة المغربية أو في جوانبها , فقد وصلنا اليوم إلى مرحلة صار فيها الآباء يخشون على الأبناء من التفسخ والانحلال والضياع إذا ما أرسلوهم إلى المدرسة , التي صار شعارها اليوم "لا تربية ولا تعليم ".
إن الإحصائيات تنذر بوضع كارثي لا يمكن تجاوزه أو الصمت عليه, وصار لابد من تضافر جميع الجهود لحل أزمة العصر في المدرسة المغربية, فأي مستقبل هذا الذي نناشده من مدرسة بات التدخين فيها لعبة يتسلى بها التلاميذ في الاستراحة ؟.
أشارت الجمعية المغربية لمحاربة التدخين والمخدرات أن نسبة المدخنين في صفوف تلامذة الإعدادي بلغت 14 في المائة, وفي صفوف تلامذة الثانوي 25 في المائة. بالإضافة إلى أن 13 في المائة من المدخنين في المغرب عمرهم لا يتجاوز 15 سنة, أيضا وزارة الصحة أكدت على أن 6 في المائة من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 15 سنة, سبق لهم أن تناولوا مشروبات كحولية, و 4 في المائة منهم تناول مواد مخدرة. إذا يا ترى أين كان الدور التربوي للمدرسة كل هذا الوقت حتى وصلنا إلى هذا الحد ؟ صبية صغار يتعاطون المخدرات بأشكالها والكحول بأنواعها , أما التدخين فقد صار موضة التلميذات قبل التلاميذ. إذا كان هذا هو حال تلامذتنا مع موضوع التدخين فماذا عن موضوع الجنس ومقدماته في المدرسة المغربية؟ نعم إنه الجنس غير الشرعي فقد انتقل من بيوت الدعارة إلى جوانب المدرسة وأحيانا داخل فصولها , وقد وصل السيل فيه الزبى, ولم تعد الفضائح مقتصرة على اساتذة مريضين نفسيا يفرغون مكبوتاتهم في براءة التلاميذ ,بل إن التلاميذ تخلو عن البراءة منذ زمن بعيد , وصاروا هم أنفسهم يقلدون ما صوره لهم التلفاز والانترنيت من أفكار مغلوطة.
تلامذة هم بلابسهم المدرسي دنسوا حرمة اللباس والمدرسة , فالأخبار تتحدث عن أكثر من 70 فيديو لا أخلاقي أبطاله تلامذة وتلميذات . الناضور , المحمدية , ثم الدار البيضاء كلهن مدن استفاقت على واقعات من هذا النحو هزت معها الرأي العام , وطرحت سؤال في غاية الأهمية , من المسؤول عن هذا الوضع الخادش للحياء الذي وصل إليه أبنائنا.
مقدمات جنس ثم جنس ثم حمل ثم إجهاض إن أمكن, وإن لم تستطع ستجد نفسها أما و زميلة لابنها داخل نفس المدرسة.
كذلك في إطار المشاكل التربوية والأخلاقية التي تعاني منها المنظومة التعليمية نجد موضوع العنف المدرسي , موضوع حدث فيه ولا حرج , فقد أصبحت ساحة المدرسة حلبة للمبارزة عند التلاميذ وكل فيها يظهر فحولته وعضلاته , فأكثر من 30 في المائة من التلاميذ بين 13 و 15 سنة سبق أن تعرضوا للعنف.أما موضوع الانتحار فقد دق ناقوس الخطر خاصة بعد الدراسة التي قدمتها وزارة الصحة والتي أظهرت فيها أن 14 في المائة من التلاميذ بين 13 و15 سنة حاولوا الانتحار مرة أو عدة مرات , وهو ما يؤكد أن الاضطرابات و الأمراض النفسية شقت لنفسها طريقا داخل جسد التلميذ المغربي ,تلميذ خرج من بزة المدرسة ودخل عباءة الانحراف والتيه , ليجد نفسه في الأخير يبحث عن حبل مشنقة يضعه في عنقه ويستريح.
أ هذا هو رجل المستقبل ؟ أ هذه هي امرأة المستقبل ؟ أ هذان سيحملان الأمة نحو القمم؟ أراهما قد أنهكا مبكرا وأسقطتهما المتاعب في بئر عميق.والسؤال الذي يعيد نفسه في كل مرة من المسؤول عن هذا الوضع المزري؟
المسؤول الحقيقي ليس بالتأكيد ذلك الطفل الذي لم يميز بعد بين الخبيث والطيب وبين الصالح والطالح , فهو مراهق يعيش تحت تخدير المراهقة. لكن المسؤول في الحقيقة هو المجتمع بأسره كل من يحيط بذلك المراهق ويعيش معه في بيئته فهو مسؤول ,الكل مسؤول أنا مسؤولة من مكاني ومن موقعي ,وأنت مسؤول من مكانك وموقعك , وكل حسب قدرته وسلطته .كفانا تراشقا وبحثا عن المبررات وتملصا من المسؤولية ورميها في شباك الطرف الأخر, فكل يوم نتأخر فيه عن إيجاد حل واضح ومتكامل , نكون قد خسرنا رجلا أو امرأة من المستقبل.
من المسؤول؟ الأسرة مسؤولة عن هذا الوضع , فقد تناست دورها وتغافلت عنه, وتركت للمدرسة دورا هي الأولى به , أسرة اختار فيها الأبوين أن يعملان معا خارج البيت من أجل تأمين عيش كريم ومستقبل رغد للأبناء , لكن هل ضمنت هذه الأسرة أن أولئك الأبناء سيصلون إلى ذلك المستقبل ؟ فلا مستقبل بدون أساس رصين , وهذا الأساس هو الحاضر.
أسرة هي بالاسم لكن أفرادها غرباء تحت سقف واحد , الكل مشغول داخل البيت أو خارجه , أسرة لا تلتقي إلا في المناسبات والأعياد, فكيف لهذه الأسرة أن تلاحظ أن أبنائها دخلوا ملعب الانحراف ؟ , وسجلوا أول هدف بسيجارة مع الأصدقاء. نعم أصدقاء هم اختاروا الدخول في " شلتهم" بدلا من البقاء في وحدة صنعها بعد الوالدين, أصدقاء هم عوضوهم في الوقت الذي بخل عليهم به الأبوين , أصدقاء هم يسمعون همومهم ويصفون لها أدوية متنوعة.
المسؤولة هي تكلونوجيا متطورة غزتنا وغزت أسرنا فدمرت كل ما كان معنويا بيننا , لنصير مثلها آلات يتحكم فيها عن بعد. تكلونوجيا اقتنيناها بأغلى الأسعار واستعملنها بإسراف دونما انتباه, حتى صارت جزءا لا يتجزأ من حياتنا وبدونها لا تكتمل أيامنا. "تلفاز" هو صار أبا ثالثا, ويشارك الأسرة في جميع مراحل التنشئة الاجتماعية. تلفاز ببرامج غير هادفة ولا تسعى إلى بناء أجيال المستقبل, همها الأول والأخير هو الربح المادي, فضربت بذلك كل الروابط الأسرية ودمرت كل البنيات الاجتماعية.
أما الانترنيت فقد صنع أكبر فجوة بين أفراد الأسرة وجعلهم لا يعرفون بعضهم البعض,صحيح أنه قد جعل بين أيدينا كل الأخبار العالمية , إلا أنه سرق منا العلاقات الأسرية."فايسبوك " تويتر" انستغرام " هي مواقع تواصل اجتماعية خيالية بادلنا بها طوعا الحياة الاجتماعية الواقعية.
المسؤولة هي مدرسة فاشلة بمخططات فاشلة, مدرسة جعلت من الأستاذ الة مبرمجة مهمتها الوحيدة إلقاء الدرس على التلاميذ .مدرسة لا تعطي فرصة للتلميذ لتنمية مواهبه الفنية المختلفة وإبراز قدراته الإبداعية المتنوعة أو فرصة لتطوير قدراته الذهنية وابتكاراته العقلية.مدرسة لا يهمها سوى إنهاء المقرر في الوقت المحدد فحصرت التعليم في التلقين, ثم يوم يأتي يوم الامتحان فنجده يصب فقط في اختبار قدرة التلميذ على الحفظ, وبالتالي يعلق النجاح على كفاءة ملكة التذكر عند التلميذ, وتجاوز كل ما دونها.مدرسة لا تعطي للتلميذ الحق في التعبير عن الرأي بحرية في شتى المواضيع التي تمسه وتمس المجتمع من حوله سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية , فتزرع في نفسه دائم صورة الطفل الصغير الذي لا يفهم شيئا ولا دخل له في شيء.أ ليس للتلميذ الحق في أن يكون له رأي يناقشه مع الزملاء والأساتذة وأن لا يخشى من هذه المناقشة ؟ أ ليس له الحق في أن يكون مختلفا عن زميله وأن لا يكون نسخة طبق الأصل عنه ؟ .
المسؤول هو المجتمع بكل مكوناته وبجميع أنساقه الوظيفية والبنائية , بمؤسساته التشريعية والتنفيذية , بوزرائه وبرلمانه,فأي برلمان هذا الذي لا يضع مستقبل التلميذ في أول أولوياته, فقبل أن تناقشوا ميزانية هذا العام والمشاكل السياسية المتعددة , ناقشوا بعمق حال التلميذ المغربي وكيف ننقذه من غرق محتوم , فلا مستقبل لأمة ضاع مستقبل تلامذتها.