تعوّد الكثير من قراء الصحف، في العشرية المنصرمة، على طول الوطن العربي وعرضه، مرة كل شهر، على تلقي كتاب، بالمجان، مع جريدتهم اليومية، في إطار مشروع "كتاب في جريدة" الذي رعته منظمة اليونسكو (تم الاتفاق على المشروع سنة 1995، وصدر أول عدد/أول عنوان سنة 1997، بمختارات من شعر المتنبي)، وأشرف على تنفيذه الشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، بدعم من جهات اقتصادية (مؤسسة جابر الخليجية مثلا)، وبمساعدة هيئة استشارية كان من بين أعضائها أدونيس وجابر عصفور والسيد ياسين وعبد الله الغذامي وعبد العزيز المقالح ويمنى العيد وأحمد التويجري ومحمد بنيس... هي التي كانت تنتقي الكتب وتقترحها على منفذي العملية؛ وذلك اقتداء بمشروع مماثل نـُفذ في إسبانيا وبلدان إمريكا اللاتينية الناطقة بالإسبانية. ومعلوم أن المشروع تمثل في اختيار مؤلف لكاتب أو مبدع من أحد أقطار العالم العربي وإصداره في طبعة شعبية (حجم التابلويد)، وتوزيعه بالمجان، مع كبريات الجرائد العربية المنخرطة في المشروع، في كافة الوطن العربي (ما يقرب من ثلاثة ملايين نسخة لكل إصدار). وقد قارب عدد العناوين المطبوعة المائتي عنوان (1). وكان الهدف من كل العملية، بطبيعة الحال، التشجيع على فعل القراءة في البلاد العربية، ونشر الوعي الثقافي بها. وهي فكرة مبتكرة ونبيلة، خصوصا إذا علمنا أن وضع القراءة في هذه البلاد وضع كارثي (6 دقائق قراءة كمعدل، في السنة، لكل مواطن عربي، مقابل 200 ساعة في أوروبا، حسب بعض الدراسات).
وبفضل هذه المبادرة تعرّف الملايين من القراء، على مؤلفات لكتاب وشعراء ومفكرين مرموقين، معاصرين وقدماء، أمثال نجيب محفوظ وأحمد شوقي والطيب صالح، ونزار قباني وإلياس خوري وصلاح عبد الصبور وعبد المجيد بن جلون ومحمد زفزاف وسالم حميش وعبد اللطيف اللعبي والجابري وعبد الكريم برشيد وطه حسين وعبد الوهاب البياتي وعبد الرحمن منيف وجبران خليل جبران وأدونيس والجاحظ والتوحيدي والشابي وابن رشد ونازك الملائكة ومحمود درويش وغسان كنفاني وبدر شاكر السياب وواسني الأعرج وغيرهم...
وكان من بين الجرائد المغربية المشاركة في العملية: الاتحاد الاشتراكي والعلم ثم الصباح.
إلا أن المشروع تعثر أولا في المغرب، ثم توقف نهائيا في كافة أنحاء الوطن العربي.
وقد اغتنمتُ صداقة الشاعر الأستاذ شوقي عبد الأمير المشرف على المشروع، في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، واستفسرته، قبل أيام، عن مصير مشروع "كتاب في جريدة"، فتفضل بتزويدي بهذا الجواب الصادم والمحزن في نفس الآن:
« للأسف توقف كتاب في جريدة، منذ أكثر من عام، لأسباب عدم توفر الدعم المالي الذي لم يكن يكلف سنويا نصف سعر سيارة أو وجبة عشاء في وليمة ...وكنا نهدي كل شهر ثلاثة ملايين نسخة من كل كتاب مجانا، في جميع العواصم العربية...»
توقف المشروع الكبير، الطموح، النبيل إذن، لسبب تافه (عدم توفّر ما قيمته نصف سعر سيارة أو وجبة عشاء في وليمة سنويا!!).
محزن حقا ألا تستطيع (أو ألا تريد على الأصح)، أكثر من عشرين دولة وجيش من المؤسسات المالية والاقتصادية والاجتماعية والشخصيات الثرية والناشرين... توفير ما قيمته، سنويا، "نصف سعر سيارة، أو وجبة عشاء في وليمة"، لتقديم خدمة ثقافية شهرية معتبرة لملايين القراء في الوطن العربي. وهنا يتبادر إلى الذهن، سيل من الأسئلة: ألم نستوعب بعد دور المعرفة (والكتاب أداة أساسية في اكتسابها)، في التنمية البشرية، والتنمية الشاملة بصفة عامة؟ هل نجهل دور القراءة المتواصلة في تكوين شخصية القارئ؟ ألا نعلم أن جهودنا في قطاعات الطفولة والتعليم والشباب والإعلام والثقافة وغيرها، ستذهب سدى، إذا لم نستطع، بالموازاة، "خلق" قارئ واع، حريص على بناء شخصيته باكتساب عادة القراءة الدائمة والمسترسلة؟ ألا نخجل من نتائج البحوث الدولية التي تجعلنا في أسفل قائمة الناس القارئين؟ أما تدبّرنا قول نصنا المقدس "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»؟ هل تحن فعلا، أمة "اقرأ"؟ أم أننا ما زلنا، رغم الحراك الحالي في إقليمنا، وتداعياته الخطيرة، نتوجس خيفة من كلمة "ثقافة"؟.
أسئلة وغيرها تبين بالملموس، أننا بعيدون عن تحقيق التنمية الشاملة، ما دمنا لا نهتم بالعنصر البشري، أداةِ كل تنمية وغايتها، وما دمنا لم ننخرط بجدية، في مجتمع المعرفة.
ــــــــــــــــــــــــــ
- يمكن الاطلاع على وتحميل عدد من تلك العناوين على هذا الرابط:
http://www.kitabfijarida.com/archive.html