الزهرة ابراهيم - مكناس / جديد أنفو
الجموح التاسع
" شهداء غزوة بدر الكبرى"
بين المِخَدَّات المُغْبَرَّة وسَخّانات القهوة وخيوط العناكب
لا زال للحديث بقايا...
عطفا على ما تناولناه في مقالات سابقة، لتتبع اختلالات إدارة شأن رابطة الشرفاء، لا بأس من أن نقف على مفارقة دالة.
يعلم الجميع، ثلاثة أجيال، على الأقل، بفجيج أن خزانة "دار العدة" نهبها من يُفترض فيهم حُمَاتُها ورُعاتها... لكن ذلك، للأسف لم يحصل، وجر معه تاريخا من الخيانة والتربُّح بجهود العلماء في السوق السوداء للقرصنة الفكرية، أو التمسح بالأهداب تقربا من الوجهاء، وتزلفا للأقوياء... سلطة ومالا، لا علما وأخلاقا!.
وإذا أدان العالم، منذ القرن السابع الهجري، هجمة هولاكو الذي دك مكتبة بغداد وعبرت خيوله نهر دجلة على كتبها التي لا يُقَدَّر غناها الفكري بثمن، ناهيك عن أعدادها التي نيَّفت على عشرات الآلاف مما أنتجه علماء أجلاء من مختلف الأصقاع، وفي كل فروع المعرفة، فقد نجد لذلك العداء ما يُسَوِّغه، نظرا لما كان التتر يُكِنّون من حقد للمسلمين دينا وحضارة، لكن في السياق الذي نتناوله، لا وجود لأي مُسوِّغ يُشَرْعِنُ حدوث هذا العدوان، والتمادي فيه.
ولأن العالم ليس سالبا كليا، ولأن الشر يستدعي نقيضه الخير في أي زمان ومكان، فلم تعدم هذه الزاوية مِنْ بنيها من كف يده عن النهب، بل أكثر من ذلك، وهب الضريح وثيقة نفيسة هي عبارة عن لوحة بحجم 50/40 تقريبا، تضم أسماء شهداء غزوة بدر الكبرى، وتتوسطها آية آل عمران الكريمة ﴿ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون 169﴾، على أساس أن يتم وضعها على أحد جدران الضريح، وبالفعل نعمت هذه الوثيقة بموقع لائق طيلة سنوات، لكن لما جاء العهد الجديد، برؤاه السديدة، ومشاريعه العديدة، وفي إحدى المناسبات، لم يرعو السيد الرئيس عن نزع الوثيقة من مكانها على الجدار وإلقائها في "صقلبية" الضريح، وهي غرفة صغيرة يتم الصعود إليها بأدراج معدودة، هنالك، بين مخدات مغبرة، وفراش متراكم، وصينيات، وسخانات قهوة، وفناجين، وأشياء أخر لا علاقة لها لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا، ولا بالدين ولا بالفكر أصبحت موئل هذه الوثيقة النفيسة التي لم يقدمها ذلك الشخص -الذي انتقل إلى رحمة الله- إلا تقديرا لجده العلامة سيدي عبد الجبار، ولا شك أنه قد فكر قبل الإقدام على منحها لهذه الجهة، إنها أنسب مكان ليستفيد منها المهتمون، والدارسون والزوار!؟ وحين سأله أحد المقربين من الضريح السيد الرئيس عن هذا التصرف، أجاب بأن تلك اللوحة تشوه جمال الجدار؟؟؟!!!.
فقصدية هذا السلوك النَّيِّئ، حسب السيد الرئيس، أنه يريد أن يُقدِّم الضريح للوافدين، وللزوار في حلة جميلة!!!!!!!
أتساءل: أي حُلَّة في الدنيا أجمل من حلة العلم؟ وأي شيء يُعلق على جدار أنفس من الوثائق النادرة التي يَعِزُّ وجودها الآن؟.
والمطلوب فعله من لدن السيد الرئيس - الذي أهان وثيقة "شهداء غزوة بدر الكبرى"- هو أن يصحح سلوكه حيال هاته المواقف والوثائق، ويبوئها ما تستحق من عناية، ويرد إليها الاعتبار بانتشالها من بين ركام الأواني والأفرشة والغبار وخيوط العناكب... لأن ذلك إهانة، في حقها وفي حق صاحبها، لا تُغتفر!.
لا بأس من أن أنوه – حتى يستفيد السيد الرئيس- إلى أن حداثة البروتوكولات والاستقبالات، في مثل هكذا معاقل للعلم، يتشرف القائمون عليها بإبراز مثل مواقف هذا الرجل الورع النزيه الذي منح الضريح هذه الوثيقة، وبإحلال "شهداء غزوة بدر الكبرى" المحل الكريم والمقام السليم، لأن في ذلك تعزيز لتكريم العلم، وترسيخ للإيثار، وتثمين لروح المبادرة في وهب أشياء لا تقدر بمال ولا ثمن، وإعطاء المثل الحسن، ضدا عمن سلب ونهب، وتوارى وانسحب.
سؤال: هل ستعود الوثيقة إلى موقعها الأصل على جدار القبة المقابل للخزانة؟؟؟ أم أننا سنبحث عنها يوما ويُقال لنا إنها سلكت نفس طريق وثائق "دار العدة"؟؟؟.
( يتبع... )