الزهرة إبراهيم - مكناس / جديد أنفو
الجموح السادس
زاوية سيدي عبد الجبار العلمية بفجيج بين أمجاد الماضي وانتكاسات الحاضر
ماذا عن الرابطة الممزقة؟
من الإشارات اللامعة التي كان ينبغي التقاطها من الالتفاتة الملكية السامية، منذ ما ينيف على عقد من الزمن، لضريح الشيخ العلامة سيدي عبد الجبار الفجيجي الإدريسي الحسني - والمتمثلة في هبة مالية سنوية يتم تسليمها إلى عقبه بمناسبة ذكرى وفاة المغفور له الحسن الثاني التي يجري تخليدها عبر ربوع المملكة، حيث يتم إحياء أمسية دينية بمراسمها الأصيلة في الجامع الكبير بقصر المعيز، تحضرها السلطات الإقليمية والمحلية وجموع المواطنين- أن يفكر عقب هذا الرجل الورع، والعلاّمة الفذ في إعادة الإشعاع إلى هذه الزاوية الدينية والعلمية، التي تميزت، طيلة تاريخها، بابتعادها عن البدع والتطرف، ومظاهر الشعوذة التي تطال العديد من الأضرحة بالمغرب، لأن أعلام هذا المعقل الديني والعلمي، عُرفوا بمناعتهم ضد كل ما يشين مناخ الزوايا، متسلحين بسعة اطلاعهم، وانفتاح مداركهم على مختلف المعارف ومباحث الفكر البشري، فلا غرابة أن نحصي في ذاكرة "دار العُدَّة" ما لا يُحَدُّ من المؤلفات عددا، ونوعا، وقيمة.
إن فكرة إعادة جمع عقب هذا الولي الصالح في إطار ما يسمى "رابطة الشرفاء" تبدو إيجابية في الحدود التي تخدم تاريخ هذه المعلمة الذائعة الصيت حاضرا، ومستقبلا، شرقا، ومغربا، وغربا، وأقصد بالغرب الفرنسيين والألمان، وكل من وقعت مخطوطات الخزانة العتيدة بين أيديهم، لكن واقع الحال ينم عن خيبة وركود بسبب سوء تسيير شأن هذه الرابطة، بحيث لم ينجح أفرادها في أن يستفيدوا من هذا اللقاء السنوي الهام الذي بدا يحج إليه كل آل عبد الجبار من جميع مناطق المملكة، ليجددوا صلات الرحم، وليتشبعوا بالأجواء الروحانية لهذه الليلة الطيبة، ثم ليستعيدوا شأنها العلمي والاجتماعي والحضاري الذي تجاوز في القديم حدود فجيج ليبلغ حواضر علمية بعيدة. ولعل ما بدأ يظهر منذ سنوات من اختلالات في التسيير أجبر عددا من المعنيين، حتى من داخل المكتب، على التخلي عن مواقعهم، وفتور استعدادهم لخدمة الصالح العام ليس للرابطة فحسب، بل لفجيج بكاملها، وذلك بسبب الآتي:
1. غياب رئيس الرابطة الدائم عن فجيج بحكم عمله بما يزيد عن 800 كلم عن لارتباطه بوظيفته، وعدم البروز إلا في المناسبات والبروتوكولات، بحيث يستحيل عليه متابعة مشروع بناء ملحقة الجامع الكبير، وتدبير الأمور بشكل مضبوط على مدار السنة، لكنه تمسكه يستميت للتمسك بهذا المنصب لأسباب يعرفها أكثر من غيره.
2. غياب الديموقراطية في تجديد مكتب الرابطة سنة 2012، حيث لم يدع عددا من أعضاء المكتب السابق للاجتماع بطريقة قانونية، لا مراسلة، وهذا هو المطلوب، ولا حتى مهاتفة، بل الأخطر في ذلك، هو إقدامه على تعيين عضو في المكتب، دون علم هذا الأخير، ووضعه في لجنة وهمية، ثم تقديم الملف للسلطات ناقصا من وثائق المعني بالعضوية (الصورة الشمسية- نسخة البطاقة الوطنية- السجل العدلي) ليتصل به هاتفيا، بعد ذلك، مرارا، ويطالبه بموافاته بها، إلا أن ذلك العضو رفض هذا الخرق السافر للقانون، وانسحب من مكتب الرابطة، وكأن هذه الأخيرة رقعة شطرنج يملك السيد الرئيس حرية التصرف فيها كما يشاء، أو كأنه ولي أمر على قاصرين يتصرف مكانهم، ويقرر بدلا عنهم.
3. انعدام الشفافية في طرح وتدارس مجموع من القضايا المهمة الخاصة بالزاوية وأوقافها، بحيث يُشْتَمُّ من المناخ العام للتسيير وجود كولسة ودوائر مغلقة لمباشرة عدد من المطالب تُغَيَّبُ إجراءات مباشرتها عن الأغلبية، مما يفسح المجال للعديد من التوجسات والقراءات التي لن تساهم إلا في تمزيق الرابطة. وسنعود إليها بتفصيل لاحقا .
4. اتخاذه مبادرات أحادية الجانب من دون العودة إلى جميع المعنيات والمعنيين بأمر الرابطة، ومن دون استثناء، ما دامت مصداقيته، بصفته رئيسا، تتوقف على الرأي والرأي الآخر لكل أفراد الرابطة نوعا، وعددا، وسنا، سواء الموجودين بالمغرب أو القاطنين خارجه. من تم، فلا يحق له أن يقدم على أي أمر كان دون إشعارهم، أولا، وحيازة موافقتهم، ثانيا، لأننا في زمن القبول بالاختلاف، وبالحوار، والبقاء للأصلح وللأنجع في إطار توافقات مشروعة.
5. تخطيطه لإقصاء كل من يختلف معه في وجهات النظر ليخلو له الجو حتى يصول ويجول كما يرغب. ويكفي أن نعد عدد المستائين والمنسحبين بسبب سوء تسييره لشأن الرابطة لنجس تراجعها عما خطته لمسيرتها من برامج ثقافية، وآفاق فكرية. فمن العار أن يمر هذا اللقاء السنوي فارغا من أية فعالية تذكر، لا سيما وأن بعضا من هؤلاء "الشرفاء" لا زالوا يعتقلون ذخائر "دار العدة" التي استحوذوا عليها نهبا وعدوانا، ليتركوها تتآكل في ظلمة الصناديق، وتحت غبار الرفوف بعد أن باعوا نفائس منها للغرباء، أو تقربوا بها زلفى لقضاء مصالح شخصية. ولا نجد أنسب من هكذا لقاء للإفراج عنها، وعفا الله عما سلف من عهود الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء ليدشن المهتمون والباحثون عهدا جديدا من البذل المعطاء، والجهد الوضاء لاسترفاد هذه الكنوز في قراءات جديدة ونوعية.
6. عدم التزامه بالسهر على إنجاز البرامج التي يتم الاتفاق حولها في مواعيدها المحددة باعتباره المسؤول الأول عن الرابطة، علما بأن الرئاسة تكليف لا تشريف.
إن ما سبقت الإشارة إليه في مقالنا حول "حمى المجتمع المدني بفجيج" ينطبق، في مستوى ما، على تسيير رئيس هذه الرابطة، والذي يكشف جهلا أو تجاهلا، وبالتالي، خرقا لقانون الجمعيات، خصوصا ما يتعلق بقوانين تجديد المكتب، والانتخابات، وما يتصل بذلك من برامج ومواعيد تظل حبرا على ورق، لأن تزكيته مرات عديدة على رأس هذه الرابطة رهين بما يقدمه من يافطات إشهارية لبرنامج مليء بالمتمنيات والوعود، فارغ من المنجزات والالتزام بالعهود. أمام وضع مثل هذا، حري إذا، بكل من تسول له نفسه الارتماء في هذا النوع من المسؤوليات، لغاية في نفس يعقوب، أن يكون مؤهلا تواصليا، ومعرفيا، وقانونيا بمقتضيات، وأدبيات، ومطالب، ومخاطر تسيير الشأن المدني الذي يصبح، أكثر دقة وحساسية، حين يتصل بسياق الزوايا والأضرحة والوقف.
أليس هذا النوع من الممارسات التي تمزق آصرة السلالة، وتنشر الضغائن والأحقاد بين عائلاتها، وتؤلب طرفا ضد آخر هو ما دفع الشيخ إبي إسحاق إبراهيم بن عبد الجبار خلال القرن العاشر الهجري إلى أن يترك فجيج إلى الأبد، ويلوذ بصحارى السودان الغربي، فترقد نفسه راضية مَرْضِية في ثرى الحاضرة المالية جَنِّي Djenné) )؟ يقول:
تغيرت البـلاد واحلولك الليـــل وشب ضرام الشر وانهمر السيـل
وآن الرحيل من بلاد تآمـــرت بها المفسدون واستمر بها الهــول
فــلا فتنة إلا وتنسيـك فتنــــــة ولا فتنة إلا ويدخلها الهـــــــــــول
ولا صلح إلا إثره ألف غــــدرة ولا قول إلا غيره العقد والفعـــــل
أتسكن أرضا ليس ينتهي سفيهها ولا يتقي فيها قصاص ولا عــدل
ولا يأمن الأخيار شر شرارهـــا على خطر يبقي بها من له الفضل
تعيّن فرضا أن يهاجـر منهــــم إلى الله من لـه البصيرة والعقـــــل
التاريخ مهيأ، على الدوام، أن يعيد نفسه، بالإيجاب كما بالسلب، وصاحب البصيرة والحكمة هو من يحسن صيغة استعادة التاريخ، لا سيما في ألفية لا بقاء فيها سوى للديموقراطية ولروح العلم، وللسمو في المبادئ والمقاصد.
( يتبع ...)