في خطوة استفزازية غريبة من نوعها أقدمت عليها بعض قبائل بالرشيدية وتنغير، وتتمثل في تصرفات مثيرة للجدل صدرت في حق توأم لها رضعت معها من نفس ثدي التهميش والإقصاء، حيث شرعت بموجبها لنفسها بتنظيم احتجاجات ضد من هو متفطن لسياسة نزع الأراضي من مالكها، ومعززة استفزازاتها بنشر وتبادل فيديوهات تهكمية وتهديدات لمواطنين عبر الواتساب وفي العالم الأزرق، ورفع يافطات قبلية مقيتة "قبيلة أيت ... أسود لا تخشى الذئاب" و" الغدر ليس من شيم الأمازيغ الأحرار" و"سيناريو غرداية على أبواب أرفود"...الخ على حساب القيم الإنسانية المتحضرة التواقة إلى الفكر التنويري بأبعاده الكونية. يبدو أن تصرفاتهم هاته مفادها هو وأد للعقل وللحق وللقانون ودعوة سافرة للقبائل الأخرى للعودة إلى عصبية جاهلية عفا عليها الزمن حيث كان آنذاك قانون الغاب هو السائد وقطاع الطرق هم الذين يجوبون بوحدهم الخلاء بربوع البلاد. وفي عصرنا هذا يختبؤون وراء حواسيب ومواقع إلكترونية غير مسؤولة وصفحات فايسبوكية بأسماء مستعارة تعج بجيوش الكترونية يؤججون عبرها لصراعات قبلية وعرقية وينشرون فيها أخبار مزيفة ولا أساس لها من الصحة، كإقحام دولة قطر في أراضي الجموع بإقليمي تنغير والراشيدية، لاستمالة وحشد الرأي العام الأمازيغي ضدا على مواطنين سلميين يؤمنون بدولة المؤسسات ويريدون تجسيد الصفة القانونية لأراضيهم لجعلها رافعة للتنمية بجهة درعة تافيلالت.
هذا الفكر القبلي المشؤوم - عدو للعلم والمعرفة - ومعاكس لتيار الفكر الحداثي الذي ينبني على قيم التسامح والاختلاف والتعددية الثقافية والانصاف وترسيخ الخيار الديمقراطي للبلاد، لاسيما ونحن في زمن تحررت فيه الأمم من ربق الظلم والاستبداد وأصبحت المجتمعات والدول تتكتل في اتحاديات مغاربية كبيرة وإفريقية وفي أقطاب سياسية علها تجد لنفسها موطأ قدم بين مصاف الأمم المتقدمة، بيد أن ممثلي هذه القبائل بالمنطقة لازالوا يؤمنون بهذا النمط من الفكر، لذلك فلم يكن لديهم من حصافة العقل وسداد الرأي ما يجعلهم يستفيدون من الماضي أو يستوعبون الحاضر حتى طفقوا يؤلبون القبائل ويهيجون مشاعر الشباب والشيوخ والنساء والأطفال الأبرياء ويغرسون في نفوسهم قيم لا إنسانية قد تهدد السلم الاجتماعي مستقبلا، عوض تربية الناشئة على قيم المحبة والتعايش واحترام الآخر والمؤسسات.
وفي الوقت الذي يجب أن تتحد فيه مطالب المنطقة حول مطالب تهدف إلى التقدم والرقي والإزهار والترافع لتحقيق العدالة المجالية، والتفكير سويا في كيفية تنظيم الاستفادة من ثرواتها اللامادية والمعدنية التي من بين "نحاس" عقول أفرادها ونعراتها تستخرج شركات خاصة معادن البارتين والنحاس والفضة والذهب، ونصيبهم منها هو الفتات والفضلات السامة و نظرات يعلوها السراب، والتفكير في استغلال تلك الأراضي الجرداء بصفة قانونية لجلب المستثمرين والرفع من قيمتها وتثمين منتوجاتها، لكن للأسف أبى ممثلي القبائل إلا أن يختاروا الهبوط على الصعود والشقاق على الوئام والوفاق فصاحوا بنا: هيا إلى التخلف... هيا إلى الصراع الضيق والتنافس على استعراض العضلات والتباهي بطوابير السيارات... هيا إلى حرب النعرات القبلية التي ستؤدي إلى تآكل رحى مطاحن صخورها من عظام الجماجم البشرية، ... والفخر بالانتماء لفخدة وعظم عرقي معين والطعن في الأنساب ولون البشرة، هيا إلى النزاع على أراض نظمت القوانين كيفية تحصينها واستغلالها. وافتراضا أن الدولة لا تضبط حدودها لتقسيمها وتمليكها لأصحابها عبر نافذة التأطير القبلي الذي بدوره يكرس تنامي هذا النوع من التفكير الذي تغلغل في كيان الجماعات السلالية منذ عهد الحماية بتشكيل مكلف القبيلة والمعينين والشيوخ والمقدمين، فلماذا لا تحتكمون إلى وثائق وأرشيف رسمي لعهد الحماية الفرنسية التي سهرت على تبني تقسيمات أراضي فيدراليات وتحددونها إداريا؟ وبالتالي سيتم إخماد هيجان بركان النعرات إلى الأبد، وتوحد الصفوف نحو التنمية المحلية، ولن تحتاجوا إلى العمر كله لتعلموا غباء قراراتكم فيما بعد، وتصححون بذلك ما خلفه المستعمر.
سيقول البعض، أن عقدة المركز والفكر القبلي هو المميز للمنطقة ومتجدر منذ القدم ومرتبط بوجود الإنسان عبر عصور التاريخ، فنقول لهم، أن الإنسان قد ترقى وانتقل من كائن بيولوجي حيواني إلى كائن نيوندرتالي والكائن العاقل العاقل (Homo sapiens sapiens ) ثم الكائن الثقافي الحضاري المعاصر، ومعرفة الأصول الإنسانية للبشرية تعتبر بمثابة دعوة موجهة لكل ايديولوجيات التفرقة والعنصرية في المغرب، والتي تقيم منظومتها الفكرية والعقائدية والثقافية على أساس الأفضلية والعرق وفكرة تفوق اللون والأجناس والقبائل على بعضها البعض، ومعرفة أصول الإنسان البيولوجية المجهرية بمثابة دعوة للإنسان للتواضع وبأنه كان ضعيفا، والانسجام والتكيف مع متطلبات محيطه الجديد في عصر اقتصاد المعرفة بكل مكوناته ليضمن استمراريته، وإلا سينتهي به المطاف منقرضا في السلم الاستراتيغرافي للمجتمعات كما حصل تماما للديناصورات، ولكن هذه المرة قد يكون بسبب نيزك عولمة الثقافة ومجتمع المعرفة، فهل نأخذ درسا من تاريخ الأرض، بأننا لسنا استثناءً في نظامها الصارم.
وبعد هذا كله تراهم يستعدون لمآدب الحملات الانتخابات لقطف ثمار نيران النعرات التي نفخوا في رماد جمراتها خدمة لأغراضهم الشخصية والانتخابوية، بعدما أن تصبب منهم العرق في طوابير انتظار تنمية محلية لم ينقشع ضبابها بعد. فلنتحد لاستئصال هذا الفكر النعراتي المشؤوم من عقول الأطفال والشباب والناشئة أما الشيوخ فأمرهم صعب لأنهم هرموا وشاخوا في أحضانه و أفنو زهرة عمرهم وأموالهم في ردهات المحاكم حول أمور قبلية تافهة لا تستحق حتى تحمل أعباء التنقل إليها. وأختم بما قاله أحمد شوقي" هجرت بعض احبتي طوعا مني رأيت قلوبهم تهوى فراقي .. نعم أشتاق ولكن وضعت كرامتي فوق اشتياقي .. ارغب في وصلهم دوما ولكن طريق الذل لا تهواه ساقي".