زايد جرو – جديد انفو

أصبحت الهواتف الذكية من  أساسيات  الحياة  العامة والخاصة ،وأداة تنظيمية وترفيهية ،وقد انتشرت بشكل مهول ومفرط  في الأوساط المغربية ،ولم يعد المستهلكون يكتفون بالواحد  بل تعدد  التملك للاثنين والثلاثة فما فوق حسب الأهمية أو حسب درجة " التخلويض" التي أصبحت سلوكيات عادية  حيث تقاس شطارة المرء في عصرنا بقدرته على تدبير" التبزنيس  "والنفاق والتلفيق.

وقد تسربت الهواتف  الفيروسية النقالة إلى عمق كل الأسر وحتى  الشريفة العفيفة والمحافظة منها لم تسلم من الأذى  فتكسرت  حشمتها وقل وقارها ، فبعدما كانت بعض الأفلام  المتلفزة  إلى عهد قريب لا تشاهد بشكل جماعي احتراما للسلطة المعنوية للأب  فقد  تغير الحال وأصبح الجهاز متجاوزا ويظل مشتعلا بالليل والنهار يحرق الطاقة ولا أحد يستطيع إطفاءه بحجة أن الكل يتابع البرامج وحقيقة الأمر أن كل واحد في عالم الفيسبوك أو اليوتوب أو الوات ساب.

كل الأسر تعيش وضعا كارثيا بالاستعمال غير المعقلن للهواتف الذكية ،وكل يحفر في شاشته ،تدخل البيت تقرأ السلام ولا من مجيب ،تنادي للأكل ولا من مستجيب، تصرخ ولا من مستغيث، تعثر على  الهواتف بين  الأضلع وفي المناطق الحساسة من الجسد، وبين الكتب وتحت المخدة وبين الملابس التحتية وفي المحافظ وفي حجرات الدرس وفي الساحات المدرسية ،ويظل المربون ينبهون ويزجرون ويلعنون ، ولا من يصغي لنصيحة رغم القوانين الداخلية والخارجية وقد أصبح في الحقيقة مصدر قلق  لأنه أبعد الهوة بين الآباء والأبناء  والمربين وصعب التصالح  بانتظام مع الرقابة الأسرية والمدرسية والمجتمعية.

الهاتف المحمول، يستهلك وقتا، لاشعوريا، من أي كان، رجلا، امرأة، شابا، شابة، طفلا، راشدا، قاصرا، حيث هيمن استعماله الردئ على الجميع وشغلهم لمدة زمنية ليست باليسيرة، يصرفهم عن القيام بمهامهم وينسيهم صلواتهم  وصلة أرحامهم وواجباتهم وارتباطاتهم وأعمالهم اليومية بل أصبح عامل اضطرابات ونزاعات على الصعيد الاجتماعي والتربوي فكم من رسالة قصيرة شتت أسرا وكم من مكالمة فرقت بين خطيبين قبل الزواج أو بين الأزواج أنفسهم وكم من عروس هاتفت أسرتها في الحين لأتفه الأسباب لتخلق مشاكل عديدة بين الأسر وكم من سر مصون شاع وذاع صيته بالمحمول ناهيك  عن المصاريف  التي قد ترتفع ارتباطا بالمتطلبات اليومية ،وقد أصبح الشك يتسرب للأباء الذين يعثرون على هواتف ذكية بالبيوت غالية الثمن والجودة وهم يطرحون السؤال الضمني الذي يصعب الإجابة عنه  جهرا خوفا من حياء الوجه والنفس والذي مفاده ": من أين لابنتي أو ابني بهذا المحمول الغالي الثمن والذي يساوي أحيانا ضعف مدخولي  الشهري، فلو أردت اقتناءه لنفسي لما لجأت للاقتراض من المؤسسات البنكية".ثم يلجم اللسان ويبتلع الريق خوفا من الجواب  الجريح.

لقد تسمم الجو العائلي واضطرب  بالهواتف وساءت العلاقات بين أفراد  الأسرة، نفسها وبين الأسر والجيران، تحت وطأة اختلاف الثقافات وأساليب التربية والنظرة الذاتية للقضايا في ارتباطها بالمستوى الثقافي ونمط العيش ، واضطرب المناخ الأسري تحت رحمة خلافات تنبعث من لاشيء، حيث دبت الشكوك في العلاقات  ولا مواضيع للنقاش و  لا تشاور في القضايا الآنية أو السابقة أو المستقبلية ،ولابد للأسر أن تعيد العد بعد توصلها بنتائج تحصيل  أبنائها للدورة الأولى فالمتعلمون أصبحوا مصابين بشتى الأمراض النفسية بالهواتف النقالة وتطبيقاتها  وبالأكيد أن هزالة نتائجهم تعود في أكثرها  إلى الاستعمال المفرط للهواتف حيث صرفتهم عن أداء واجباتهم المدرسية، فلا هم يراجعون دروسهم السابقة، ولا هم يستعدون لدروسهم اللاحقة، فتراكم لديهم ضعف التحصيل الدراسي، ليصبح مصيرهم الفشل، وربما الانقطاع عن الدراسة ومغادرة الأسلاك الدراسية لاحقا  ليعززوا ظاهرة الهدر المدرسي التي تبذل الوزارة كل ما في الجهد للحد منها أو التخفيف منها على الأقل .