زايد جرو / جديد انفو
سجلماسة الثانوية التأهيلية اسم موشوم بذاكرة الجنوب الشرقي ،إليها حج الطلبة من كل مدن وقرى قصر السوق العتيق ، منذ كان الصراع التاريخي بين النحن والآخر، من أجل إثبات الهوية الوطنية في الثلاثينيات من القرن الماضي، حين كانت القوى الظلامية المستعمرة، تسعى جاهدة لطمس الهوية الوطنية وفرنسة كل الشعوب المغلوبة ،بتسييس التربية لتكوين بيادق فرنسية تابعين لها لتثبيت الوعي القومي الفرنسي في القلاع النائية البعيدة العميقة. وقد ولجها المتعلمون رغبة أو عنوة آنذاك، فتوسعت بعد الاستقلال لتشمل الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي ،وتم توسيع حجراتها التي لم تكن تتجاوز الستة آنذاك.
قصر السوق الضارب في الوجدان كان محج كل طلبة المدن والقصور المجاورة والذين يلتحقون بالقسم الداخلي بجلابيبهم الصوفية ذات الصنع المحلي،وقلّ منهم من كان بالهندام الجميل والبنطلون الطويل، زادهم في الأكل المصاحب التمور المعجونة بالأرجل،والمتاع البسيط ،وبالتنافس الكبير في التحصيل وبالتجمعات والحلقات وتلاقح الأفكار رفعوا نسب النجاح تحت مراقبة صارمة من الحراسة الداخلية والخارجية ،والتي لا تتساهل ولا تتوانى في هدر زمن التعلم، أو الخروج خارج الأسوار إلا نهاية الأسبوع في الخرجة الكبيرة بالنسبة للداخليين.
قَبل مغربة الأطر التربوية، كان معظم المدرسين من الفرنسيين، بينما يشرف بعض المغاربة على تدريس مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، وعلقت بذاكرة قدماء تلاميذ سجلماسة،أسماء وازنة من الأساتذة الفرنسيين ولا يمكن نسيانهم بالقطع مثل ، كولد، وديلفين، مونيي، وفيدال وأسماء كبيرة من الأطر المغربية ،منهم من قضى نحبه، ومنهم من أطال الله في عمره حتى اللحظة ،ونتحفظ كثيرا من ذكر الأسماء حتى لا ننسي البعض بعدم الذكر، وننعت بالتجاهل والتقصير والحيف ،الزمن الجميل بها بقى عالقا محفورا وجريحا بذاكرة الكل ،فرادى وجماعات ولا يمكن طمس أو بخس أو نسخ آو مسخ هذا الإرث الثقافي الأصيل المتأصل ، بل لا يمكن تصويره أو ترجمته بدقة لأنه حالة شعورية خاصة بكل فرد والمس به هو خدش للأنا الفردية والجماعية.
المؤسسة تأسست وقامت على أعمدة من رجال التعليم الذين رفعوا من قيمة العلم وطالبيه تفانيا وحقا وواجبا ،وبتنظيم إداري قوي محكم وبالتضحيات الجسام بالصبح والعشي،ولم يكتب لمعظمهم طيلة العمر أن يحظوا بالتكريم المعنوي ذات يوم ،فعاشوا الغصة والحز والتحسر على الذي مضى لكنه لم يمض، وظلت الذكرى عالقة ولم ينته الوجع ،ولم يزدهم ذلك إلا كرها للمهنة وللذين تحملوا المسؤوليات العالية في زمنهم، لأنهم تنكروا للتضحيات الجسام والتعايش التربوي القوي السليم ،فكل الذين يمرون بالأسوار أو بجوانبها يتحسرون على العمر الذي مضى ولم يتبق منه غير أطلال أبت الرحيل ، منهم من يطل من الباب خلسة، ومنهم من يلج الأبواب للتذكر ،ومنهم من يقول :آه يا زمان الوصل، ومنهم من يستحضر عشق الحبيب الأول ،ومنهم يستقري التاريخ معكوسا، والكل يشترك في زمن الحكي بمقاطع سردية تتفاوت وتتباين بين البدء والنهاية وفي الطول والقصر لكنها تشترك جميعها في عبارة" في البدء كنا هنا جميعا".
المؤسسة حاليا فيها رجال ونساء أشاوس مازالوا حاملين للمشعل رغم الوضع التعليمي الحالي ،منهم من كان ذات يوم طالبا ،وعاد اليوم متفقها بروح تتراوح بين الانقباض والانشراح ،حيث حل زمان مكان زمان وأناس مكان أناس، وحل بالمكان متعلمون تربيتهم مختلفة ورؤاهم للواقع متباينة باهتمامات متنوعة ومتعددة ،فاخترعوا الطاحونة وممر القطار من الأسماء لقبا لأمكنة، ونعتوا أطرهم الصبورة المكافحة بألقاب مختلفة رفعة أو انتقاصا أو مزحة ،وتستمر الحياة تبيع العيش للجميع بالقسط والميزان ، وتبقى المؤسسة خالدة برجالها ونسائها ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ولنا العودة بالأكيد لها بالمستملحات والنوادر والاعترافات ، ويجب التفكير جميعا في كيفية جعل المؤسسة من التراث الخالد بجهة درعة تافيلالت لأنها كونت ومازالت تكون الأجيال ، وظلت صامدة بجهد الجميع ،وتحية عالية لكل الذين مروا منها ذات يوم طلبة أو مربين أو إداريين وتحية للصامدين فيها حاليا بجهدهم وعطائهم التربوي ، وبتنظيمهم الإداري لعدد كبير من المتعلمين قد يفوق 1800 ، ونقول لهم جميعا شكرا لكم لأنكم صنعتم الحدث برسائلكم النبيلة وبجهدكم التنظيمي المستمر أيام العمل وخارجها،ولن يكفي الاحتفال بكم في يوم واحد موحد عالميا مرة في السنة ، أو اختزال جهدكم بجرة قلم أو في خطبة عصماء في الخامس من أكتوبر من كل سنة ، بل أنتم العين والنبع وأنتم العيد في العيد، وأطال الله عمركم جميعا أيها الأسياد، ويبقى اسم سجلماسة من الزمن الجميل خالدا وحصنا جامعا مانعا، وحد الذاكرة الجماعية المشتركة بالجنوب الشرقي رغم تقلب الأحوال في الأزمان.
الصورة من الارشيف