زايد جرو- تنغير :جديد انفو
في رمضان وغير رمضان تتزاحم الناس في الأسواق بتنغير، ويتم احترام النساء اللواتي قلما تتزاحمن مع الرجال فيها أو في مداخلها ،سيرا على عادات مغربية عالية متوارثة والكثيرات منهن في البيوت قاعدات، ويقوم الرجال في الغالب الأعم بمهمة التبضع على طباع أصيلة بالجنوب الشرقي، وكل له مكانته الاجتماعية في البناء الهرمي الأسري والعائلي التقليدي ، دون تداخل في الأدوار والمهمات، فقلّت بذلك التشنجات وساد الود والاحترام لسنوات ،لكن بتحول المجتمع تضاربت المصالح وكثر الاختلاط وأصبح من العسير وضع الحدود بين دور الرجل والمرأة ،في المجتمع وبين الذي يجب والذي لا يجب ،وأصبحت الرجولة من المفاهيم التراثية الوهمية البائدة ، والكثير من الرجال صاروا عجينا .
وفي المجتمعات الواحية عموما، ما زالت الحشمة والاحترام المتبادل هو النمط المعيشي السائد ،وتظهر تجلياته في المناسبات الأسرية والعائلية والدينية ،حيث يحن كل المغتربين عن الواحة سواء داخل الوطن أوخارجه للدفء الأسري الأصيل،رغم الرغد الذي يعيشون فيه،أوالنعيم الذي يحفهم من كل الجوانب ووسائل الراحة التي تيسر عيشهم ، فقلوبهم تهتز وترتجف بمجرد سماع البلدة في وسيلة إعلامية أو ربورطاج مصورحولها ، لأنها سكنتهم وستسكنهم ما دامت الحياة لهم وهم فيها سائرون، لتعليل بسيط مفاده أن الإنسان بالجنوب الشرقي طُبع طبعه على بساطة الأشياء ،ويحن للطفوفة التي نبتت بين دروب وأزقة البيوت الطينية التقليدية، ورائحة الغبار والطين والجير والبهائم....فكل هذه الاشياء تجملها وتزينها الذاكرة وتختزل زمنها لتجعلك تعيش في اللحظة لحظات، وكل ذلك فيه إخلاص ومحبة للموطن والوطن ، ولا يمكن لأحد ان يشاركك في هذا الحنين إلا تجاربك التي تقيسها وتقارنها بما سبق، ولا ينكر ذاك الفضل إلا الذين تنكروا لأصلهم وذويهم وجعلوا انفسهم من هناك وتطبعوا بعادات ليست لهم، يتصنعون فيها وبها، وهم ينافقون أنفسهم ،ويجب أن نلتمس لهم العذر، لأنهم ربما أُجبروا على ذلك تحت ضائقة نفسية أو لغرض انتهازي مرحلي.
والوالج للأسواق أو للأماكن المزدحمة ،أوعندما ترغم على الازدحام وقد لا تقصد ان تؤذي أحدا أو يؤذيك غيرك عن غير قصد أيضا ، لأن الوجوه معروفة والأسماء شبه محفوظة ، قد تتعرض للدفع بكتف أحد المارة، أو بضرب من يده لأنه ألف الكلام المصحوب بالإشارات، أو قد يتعرض وجهك لضربات من فتات الطعام من جارك على الخوان أثناء الوجبات لأنه لم يألف الصمت عند الأكل، أوأن أسنانه الأمامية قد غدر بها الزمان، أو حتى في السير على الطرقات قد يدوس قدمك أحدهم راجلا أو بدراجته النارية أو الهوائية، وقد تتألم كثيرا وتقف لمسح موقع الضرب، والعبارة التي تسمعها منه هي " سامْحاس " بضمير الغائب وليس بضمير المتكلم " سامحي" ،وفي العبارة إذلال غير مقصود وفيها طلب للسماح والعذر بصفة التكبر، وفيها الكثير من التعالي، فالناطق يخلق من نفسه شخصية أخرى لا ينسبها لنفسه، وهي الفاعلة والمسببة للأذى او الشر، وهي لشخص آخر، ويجعل من نفسه شخصيتين واحدة فاعلة للخير وهي له ،والمسببة للضر والبأس وهي لغيره، وذاك سلوك مرضي نفسي فيه من الازدواجية الكثير ،وكأنه أراد ان يقول: سامحه فليس من طبعه ذلك ،ولكن الشخصية الشريرة فيه هي الفاعلة ،ولا يستطيع التحكم فيها ،ويمكن أن تكون للعبارة دلالة قصدية واضحة" سامحاس" أي سامحه فإن لم ترد فافعل ما بوسعك.
العبارة فيها قدح وشتم وإهانة، وقلما ينتبه الناس لعمقها وقصدها ويرددونها ويتناقلونها بالخطأ وراثة ، ولا يحس بوقع ثقل دلالتها إلا المشتغلون في اللغة والباحثون في النحو التوليدي والوظيفي ،و اللسنيون الجدد واللغويون القدامى ،وقد كثرت العبارة هذه الأيام في رمضان وقصدها المدح في غالب الأحيان، و فيها ذم كبير مستور غير جلي أحايين أخرى .... ربنا اغفر لنا ذنوبنا ويسر لنا أمرنا وجنبنا المساوئ ما ظهر منها وما بطن.