زايد جرو – تنغير / جديد انفو
المقاهي تنامت وتناسلت بتنغير بشكل ملفت ومثير في السنوا ت الأخيرة ، بعد تحول المدينة إلى عمالة ، وهي مشاريع سريعة لا تتطلب الكثير ،لذلك تكاثرت في كل الشوارع بخدمات متفاوتة في الجودة للزبناء وبأثمنة استهلاكية غير موحدة للمشروبات اعتمادا على معيارية الخدمات المقدمة وحسب ما أنفقه صاحب المشروع على مشروعه وحسب المكان الذي يتواجد فيه أيضا.
ويمكن التمييز بين أنواع من المقاهي : منها التقليدية التي غالبا ما يجتمع فيها الزبناء وهم من إغرم واحد ، حيث يتم التداول عادة حول الجديد والقديم بالدوار، أو الأمر المستجد بتنغير، بعيون تدور ذات اليمين وذات اليسار مراقبة للمارين قصد اصطياد مزحة أو فرجة تكون موضوع حديث الساعة أو ساعات أخرى لاحقة ،وغالبا ما يكون المشروب " براد شاي " واحد أو اثنين، وإذا اتسعت الدائرة قد يزيد العدد، فتسمع من حين لآخر صوتا جهوريا من الجماعة للنادل يقول " أهيا عاود أتاي" لكي يسمعه كل الجالسين بالدائرة أو الجوار . والجلوس الجماعي للشباب أو الشيوخ بالمقاهي بتنغير هو نمط عيش مستوحى من ثقافة إغرمان بالواحات، وجلوس النساء بها من أهل تودغى فهو ضرب من المحال، لا للكبيرات ولا للشابات لأن النساء اللواتي تقبلن على المقاهي للاتكاء والحديث في الرؤيا الشعبية والوجهة الأخلاقية الواحية هن من صنف آخر ، وقد تجلسن في مدن أخرى خارج البلدة للمطالعة أو التجمع ، لكن بالمدينة فذاك ممنوع بالقطع إلا للواتي هن من مدن أخرى وذاك قليل ،أو العابرات للمكان في سفر او قضاء مهمة إدارية، أما الأسر طبعا فمن حين لآخر يكون ذاك مقبولا مستساغا في مقاهى خارج وسط المدينة.
النوع الآخر من المقاهي وهي العصرية وتكون غالبا ملآى بزبناء غالبيتهم من مدن أخرى رمت بهم ظروف العمل بالمدينة بعد توسعها ،فحملوا معهم ثقافة مدنهم ،وتسمع من كلامهم أحيانا سخطا على المكان بلغة مستهجنة لا تليق وثقافة وطيبوبة أهل تودغى في التواصل وحسن الجوار، على مسمع بعض من شباب المدينة أو كهولها الذين يمتعظون من الفعل فتنحبس أنفاسهم مقتا ويمر الحدث انقباضا كما تمر الحرارة والبرودة .....وقد تجلس بعض من النساء في أسلاك وظيفية مختلفة وهن من خارج البلدة ولا عيب في ذلك حسب ثقافتهم وثقافتهن. وهذا النوع من المقاهي مزود ب " الويفي " للعمل أو لغير العمل وحسب نوع العمل.
وما يُضفي السمة المميزة على النوعين من المقاهي سواء أكانت تقليدية أو عصرية ،ليس هو نوع الزبون بل الخدمة المقدمة من النادل أو "القهويجي "الذي يكون في الغالب من أهل المدينة أو أماكن مجاورة، ولا تسمع على شفاهه غير "مْرحْبا "وهو سلوك أصيل متأصل وليس بالسلوك الدخيل والمصطنع، بالكلام اللبق والعين المحتشمة يحييك ويستقبلك ولا ينتظر منك إكرامية بعد الخدمة ، إلا إذا كنت حاتما معطاء وجوادا سخيا وقد طُبع على العفة من خلال تربيته التقليدية، أما النادلات في المدينة فهن قليلات .
ومن خلال حواري ولقائي مع بعض القهويجيين تحقيقا في المهنة من أجل اقتحام عالمهم ونقل معاناتهم أو رضاهم في العمل فقد تبين لي العجب من حيث عدد ساعات الاشتغال والراتب الشهري ونوع العمل الذي يمارسونه لحظة العمل وردود فعل الزبناء بعد تقديم الخدمة للزبون الذي قد يردد أحيانا :"هذا المشروب حْلو بزاف "، وهذا" مر بزاف "وهذه قهوة محروقة " وآتيني بولاعة وجريدة من فضلك وخذ منفضة الرماد هذه فقد زكمت أنفي .... التغيب عن العمل مرفوض بالقطع ،لا راحة طيلة الأسبوع عند الكثير منهم ،ولا يجب أن يمرض أو يتمارض، وبدون تصريح في الضمان اجتماعي ولا تغطية صحية أوتأمينا ضد حوادث الشغل إلا القيل منهم ،وهو مهدد بالطرد التعسفي غير مصرح به في أنظمة التقاعد، ومن اللازم أن يصبر ويبتسم على الدوام ،بهندام لائق وبحساب دقيق للعائدات ، وتشطيب أنيق للمكان، و ولا يجب أن يكسر كوبا أو يشعل " الزفة" على أحد ،وحضوره واجب في السادسة صباحا بردا وحرا وبأجرة بين 600 درهم و1200 درهم في الشهر وقد تزيد قليلا أو تنقص كثيرا دون الوصول بالقطع للحد الأدنى للأجور في ظل شح إكراميات الزبائن وجور مدونة الشغل التي لم تنصفهم ، ويجهلون بل يخافون الانخراط في أي تنظيم أو اتحاد نقابي عمالي أو مهني خوفا من فقدان شغلهم ،وعلى المراقبين التابعين للضمان الاجتماعي أن يقوموا بالدورالمنوط بهم في مراقبة مالكي المقاهي في ما يخص حق المشتغلين في المقاهي الذي يكفله لهم القانون.
وفي ظل الوضعية المزرية للقهويجيين هل يجني أرباب المقاهي ربحا من أجل الرفع من راتب المشتغلين ، ومنحهم بعضا من حقوقهم وواجباتهم المهنية ؟ فحسب ما صرح لي بعض "القهويجيين" أن ربح أرباب المقاهي في تزايد مستمر في غياب وضع تسعيرة محددة وموحدة للمشروبات ، فسوقهم عامر وحر في الأسعار حسب ما يرونه مناسبا لتنمية أرباحهم وهو ما يفسر تهافت العديد من المستثمرين على الاستثمار في مشاريع المقاهي، حتى ولو كانت مصففة في شارع واحد وبين المقهى والمقهى مقهى آخر ،فذاك لا يؤثر على الأرباح ، فثمن الكوب الواحد من القهوة وبدون حليب بتنغير يتراوح بين 5 دراهم و و 12 درهما وقد يزيد الثمن في الفنادق طبعا ، والكيلوغرام من مادة البن المستعمل في العصر من النوع الجيد يصل إلى 90 درهما، وبعد عصره يُعطي 90 كوبا، إذا كانت النزاهة ،لكن ما يحدث أن " العصرة " الأولى تقدم للزبون المياوم و العصرة الثانية والثالثة لنفس الكمية المستعملة تقدم للعابرين، بمعنى آخر يمكن للكيلوغرام الواحد أن يُعصر منه 270 كأسا أو يزيد ، والكل يتقن العد والضرب، فالكوب الواحد قد ينفق عليه رب المقهى بين 30 سنتيما ودرهما واحدا ، وثمن البيع يتراوح بين 5 دراهم و 12 درهما كما أشرنا سابقا بهامش ربح كبير بين 4.50 دراهم و 11.50 درهما في الكوب الواحد ، لذلك يجب دائما أن ينتبه الزبون: هل ما يشربه من مادة " القهوة " هل هو من العصرة الأولى أو الثانية أو الثالثة أما إذا تم استعمال نوع غير جيد من البن فثمن الكيلوغرام الواحد لا يتجاوز 70 درهما.
أما الشاي المستهلك بكثرة فقد يُنفق عليه المستثمر أقل من 30 سنتيما حسب الطبخة الأولى أما الثانية فتسمى " المُلَقَّمة" وهي من الربح الخالص وقد تكون الثالثة أيضا ، لذلك تحس بالإبريق في الكثير من الأحيان ثقيلا والثمن دائما هو ثمن كوب " القهوة " أما المشروبات الغازية" كوكا " مثلا فهي توزع من بابا المقهى ب أقل من 3 دراهم وتباع بنفس ثمن الاستهلاك بين 5 دراهم و 12 درهما ...
إنه الربح الذي لا يعد ولا يحصى بعد خصم ثمن الكراء والحليب والسكروالغازوالضرائب ....والتجهيز الذي قد يصل إلى ما فوق 20 مليون سنتيما والماء والكهرباء ... لكن بعد سنة أو سنتين سينتهي ثمن التجهيز ويبقى الربح صافيا وافرا كبيرا وقد يتراوح بين مليون سنتيم وأربعة ملايين سنتيم شهريا وقد يزيد بقليل أو ينقص حسب فصول السنة .
فكل الذين يتخوفون من فشل الاستثمار في مشاريع المقاهى نقول لهم :لا تترددوا فكلها ربح في ربح ،وكل المقاولين المتوسطين الذين فشلت مشاريعهم في قطع استثمارية أخرى فليحولوها لمقاهي دون تخوف، وعلى الزبائن المدمنين على المقاهي أن يطلبوا العصرة الأولى من " القهوة" أو الطبخة الأولى من الشاي وما عدا ذلك فهم لا يشربون غير البقايا والأوساخ ، ولم نتحدث هنا في هذا التحقيق عن الحليب ولا القهوة الممزوجة به، ولا عن عصير الليمون ولا التفاح ولا الموز ولا" بناشي" و لا " لافوكا " الذي يترواح ثمن بيعها بين 10 دراهم و17 درهما فما فوق أما في المدن الكبيرة الأخرى فتلك قصة أخرى.