زايد جرو - تنغير / جديد أنفو
دعا الحكيم ربه الحوَل بعد أن يئس من إصلاح الرؤى وبعد أن تقدم في السن وبلغ من الكبر عتيا، فلبى خالقه الطلب استجابة لدعوة العبد الملحاح، فانقلبت الأحوال وتبدلت الدنيا سرا وعلانية، فعوض أن يقرأ الحكيم عبارة "خذ الحكمة من أفواه المجانين"، قرأها "خذ المجانين من أفواه الحكمة"، وعوض أن ينطق اسم مدينة لفقيه بن صالح، نطقها صالح بن لفقيه، وعوض أن يفتح نافذة البيت فتح بابها، وعوض أن ينظر لعيني زوجته نظر لعيني ابنته، وعوض أن يمد يده اليمنى للسلام مد يسراه، وعوض أن يقرأ النصوص العربية من اليمين، قرأها مقلوبة من اليسار ...ودخل الحكيم ذات يوم قصر الخليفة تحت الطلب والذي استقبله استقبالا خاصا يليق بأهل الفضل والنهى والتبصر والحكمة رغم أنه لم يقبل الأعتاب ولا النعال، فجلس القرفصاء احتراما لعظمة المكان ،.... وعوض أن يخاطب الخليفة وينظر إليه خاطبه وهو ينظر لجاريته، فاشتد عجب الخليفة من الرجل الذي أمسى على حال وأصبح على حال، فغضب غضبا أفقده الهبة والوقار أمام مجلسه وسجنه سنوات ....ودعا له الحكيم بالحول فلبى ربه الطلب مرة أخرى فانقلبت أمور الخلافة والدولة فأطلق الخليفة عقاله ووهبه حريته وساقيه للريح آملا في عودة توازن البصر والرؤية.... ومشى الحكيم الهوينى في الأسواق وتوقف عند بائع الخضر فخاطبه : كم ثمن البصل وهو يشير ل "دلاحة " كبيرة على الجانب، فاشتد غضب الخضار أيضا ظانا أنه مستخف به، فسبه وشتمه شتما شديدا فانقلب وهو كظيم، فغادر المكان، وتوجه صوب رجل وقور بلحية بيضاء كالثلج وهو بائع تمر وذو شهرة كبيرة وبجانبه ابنه الشاب الوسيم فقال : كم التمر يا بني وهو ينظر للأب عوض الابن، وتكرر مشهد الغضب بشكل أعنف، فدعا الحكيم للناس بالحول ليتساوى الجميع، فلبى الرب النداء وتزوج الأحول با"الحولاء " وتزاحم الأقوام في المراقد فتناسلوا وأنجبوا أطفالا ساد فيهم الحول طويلا وعمرت بهم البلاد وكثر منهم الوُلد والعباد وأنشأوا المباني والطرقات والصناعات... فازداد الحول في الأرجاء القريبة والبعيدة، فبدأ القوم يسيرون خلفا معتقدين أنهم إلى الأمام ذاهبون، وبدل أن تضع النساء السترة على الرأس حزمن بها مؤخراتهن معتقدات أنها الرؤوس، وبدل أن يصوت الناس على علامة الكتاب صوتوا على "البرَّاد "، وعوض أن يدخل الناس أبواب المساجد دخلوا أبواب "الخرابيش " وعوض أن يقولوا لخيرة القوم : أيها الأسياد الأفاضل قالوا أيها العبيد الأنذال... فنمت المصائب وتكاثرت الجرائم واختلط الحلال بالحرام وقتل الخطأ الصواب.. وهم معذورون على مصائب دعوة الحكيم ...وعاد الحكيم لحكمته يناجي ربه ليلا أسفا نادما فدعا الصواب والسلامة له وللقوم لكن دعاءه هذه المرة غير مستحب ولامستجاب..... وقد تصيبنا الدهشة ذات يوم حين نستيقظ ونجد المجتمع كله أحول فنضطر مكرهين لتبديل الصفات وننادي الناس بأسمائهم الجديدة المصابة بالحول، فنقول الأستاذ الأحول والأستاذة "الحولاء"، والنقابي الأحول والقائد الأحول والفقيه الأحول ، والجمعوي الأحول والخضار الأحول والميكانيكي الأحول وقس على ذلك ما تبقى من الأقوام... اللهم استر بلادنا من الحول ما ظهر منه وما بطن، حتى لا نسمع خطاب المغرب الأحول ....