
زايد جرو – تنغير / جديد أنفو
مدينة تنغير عاشت التهميش والإقصاء لسنوات وعلى مستويات عدة حتى تآكلت بنياتها التحتية وتلاشت معدات تهيئتها القديمة ،وكل المجالس المتعاقبة تحاول اللترميم قبل أن تعري الأمطار العيوب في فصل الشتاء ،وبعد إحداث العمالة بها ، تبين للكل أن المدينة لا تساير النمو المفترض، ومن اللازم البحث عن التمويل من أجل وجه جديد نقي لها ،فبدأت التهيئة واستبشر الناس وهلوا بالمنجزات التي بدأت تتحرك ،والجميع يراقب وهو معجب بالتحول الحاصل على مستوى الأرصفة و الإنارة والبستنة والحدائق ،الأسر والعائلات وجدت لأطفالها ولها بعض المتنفس في مناظر طبيعة أو الاصطناعية ،فتبادلوا صورها عبر حساباتهم الخاصة على المواقع الاجتماعية بشكل سريع،والمهاجرون يتابعون الحدث عن قرب،وهم منتشون فرحون بهذا التغير أمام الجاليات المتنوعة.
والمتجول في الشارع نهارا أو ليلا ،يتوسم الخير في مستقبل المدينة الذي لم يأت سهلا ولا رخيصا مسترخصا: الأشجار الطرية على الأرصفة التي بالكاد تثبتت عروقها في التربة الجديدة التي لم تتعود عليها في النشأة، تيجانها بدأت بالكاد تمتص وتتذوق طعم مياه تنغير الجوفية ،لتتأقلم مع مناخ ووسط جديدين،عروشها طلعت شامخة مغردة بالسنة السعيدة واستأنست بالأهل والوُلد،وهي التي من أجلها دفعت الجهات الأموال لتبقى واقفة بهامة منتصبة للظل الوارف،ولمتعة وراحة العين مستقبلا،والذي يؤسف له أن هذه الأشجار ندبت حظها البئيس من أيادي شبابية ليلية طويلة،خبيث فعلها لوت أعناق خمس شجيرات وكسرن أفنانها وقطعت رؤوسها حتى أصبحت كالأوتاد، وهم العدميون من القوم، والعدميون من البشر الذين تحولوا إلى بقر بأعين كبيرة مفتوحة وبالكاد تنظر الأمام .
وبجانب الباشوية تجد هذه الأوتاد الأشجار ، والفعل هو انتقام من المخزن ،على اعتقاد أن كل ما يوجد في الشارع أو المؤسسات الإدارية العمومية هو ملك للدولة لا للشعب والمجتمع، ويجب تدميره، ونهج سياسة الإحراق والأرض اليابسة، انتقاما من الهُو، من غير أن تدري الأنا شروط ومفهوم المواطنة، فليس من المواطنة أن ندمر ما سهر عليه الكل من أجل الكل فهذه الأشجار هي ملك كل الناس ،ومن الضروري أن يتحرك المجتمع المدني والجمعيات من أجل الحفاظ على الوجه الجديد الذي انتظرته الساكنة للمدينة اعواما متتالية.
فمن حق الشباب الذين يسارعون ويصارعون الفراغ ويمقتون رداءة الزمان،أن يلعبوا لعبهم الليلية في بعض المقاهي حتى وقت معقول ،لكن عند الانتهاء من اللعب والنزول بشكل جماعي نحو الدواوير القريبة الواجب عليهم أن يحترموا حرية الآخرين ، الأصحاء منهم أو والمرضى والمعظوبين، والأطفال والعجزة، وأن يحافظوا على الممتلكات العمومية، فالتخريب المستبلد ما كان يوما من الشيم النبيلة، وما الفعل إلا تعبير عن الرداءة والهرولة... فتنغير الحالية والتي ستأتي، انتظرها الجميع بعيون عسلية ،وبابتسامة ودودة ،وبشمس صبوح، وبقمر قسماته فضية، وبانتشاء طري ، ومن العيب أن يقتل المخربون خيوط الشمس الذهبية ،التي تقبل وترتشف أفنان هذه الأشجارفي الصباح والعشي ،خلف الجبال والهضاب التلية.