زايد جرو / جديد انفو
انتظر المغاربة بشوق كبير وتلهف غير مسبوق المفاجأة السارة والمفتاح السحري الذي سيقلب الوضع الاجتماعي للمغاربة من الانقباض للانشراح، والكل انتظر يوم الإضراب ليعلن فيه السيد الرئيس الحل السحري لمآسي المغاربة للتخفيف من درجة الاحتقان والغضب ، و الكل انتظر المسح بالدواء على الجروح الغائرة في الأجسام المندوبة والجيوب المثقوبة الباردة من توالي الأزمات والزيادات المتتابعة والاحتجاجات غير المتناهية......فتمخض القول وولد مقامات زمن عهد جديد بُنيت على التشويق .
رئيس الحكومة بديع زمانه قام بدور الموجه القائد العارف والمتحكم في تمويه الأحداث فبدل أن ينشغل الناس حول الإضراب ونسب نجاحه، رمى بعقدة مبنية على انتظار الفرح الذي سيزفه للجميع زمن الاحتجاج بكلام فيه تسويق وتسويف قد لا يجيدهما الكثير في الخطابات السياسية المغربية، ويجب على السياسيين المعارضين أن يبحثوا عن القواعد التي يتمأسس عليها الكلام البنكراني عوض الاهتمام ببريق المفاجآة وضرورة إعادة قراءة الخطاب الحزبي للعدالة والتنمية حتى لا تبقى تأويلاتهم أحادية وقصرية ،بمعنى آخر فخطاب بنكيران تجاوز التأويل المجتمعي الأحادي المبني على الرؤى الصغيرة التي تهم الحياة النفعية المحدودة في الزمان والمكان.
المفاجأة الأولى وهي عقدة المقامة الكبيرة والتي أراد بها تقييم الإضراب قبل الإنجاز تتمثل في صدور تقرير جديد عن البنك الدولي يتعلق بتقييم مناخ الاستثمار والذي يحمل تحسنا كبيرا لترتيب المغرب عالميا ،وبهذا الخبر السار سيتأكد للجميع نجاعة الخيارات السياسية والاقتصادية...فالمغاربة ينتظرون حلا لمشاكلهم اليومية من فواتير الكهرباء والماء والبطالة والزيادات المتتالية وتجميد الأجور وتدهور حالة المغاربة وسمعتهم خارج الوطن.... فهناك من سيقضي نحبه قبل دخول المستثمرين للمغرب ....وهناك من سيدخل السجن بالديون .....وهناك من سينقطع أبناؤه عن الدراسة فقرا.....والمغاربة جميعهم ينتظرون الفرجة لأنهم لم يعرفوا للفرح طريقا ولم يضحكوا نشوة منذ مدة.
المفاجأة الثانية هي إفراج الحكومة عن مشروع مرسوم يقضي بتحديد شروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة، ومبلغ وطرق صرفه، حيث يرتقب أن تصادق عليه في المجلس الحكومي لاحقا ... فرئيس الحكومة استغاث بالحوار ولا حوار جدي في كل اللقاءات ،واستغاث بالأقرباء للتوسط مع الفرقاء ،ولم يفلح في منع الإضراب ، ولعب بورقة المستضعفات من النساء كما لعب ببطاقة رميد التي لا تجدي نفعا في المستشفيات، هذه الورقة هي الاهتمام بالأرامل والمطلقات عله يظفر بدعاء صالح مستجاب في يوم قد تنفع فيه الشفاعة.
وفي كل مقاماته يبدو السيد الرئيس خياطا ماهرا للكلام، يحسن البسط والسبك والنظم والبيان والبديع والأخذ والحذف والقلب،أمام مخلوقات بشرية محدودبة بالبرلمان، تتقن الهجم بالسواعد والتهجم بالهزال والسخف من الجمل ،ورؤيتهم تضحك الغضبان وتجَوّع الشبعان وتزيل الهموم والأحزان.
المقامة البنكرانية "نحن وبنكيران" على مقام حكاية " نحن والسندباد" حكايات عجيبة يحضر فيها العجائبي والغرائبي وهي لامتناهية في الخطاب السياسي و الأدبي والخيالي والسحري ،ويجب أن تنضاف كتاباته لاهتمامات المشتغلين في الحقل السميائي لإبراز طابع الغرابة في بنيتها السردية وارتباط السابق واللاحق في أحداثها ومتنها وفي علاقات قواها الفاعلة ...والمتلقي المغربي لبساطته يبتلع المضامين ويستهلكها دون مضغ ويجري وراء الوهم الحكومي ،وبالأكيد هذا الشعب الجوعان العريان سيتبلد إحساسه وسيفقد صوابه وانضباطه وتحكمه في نفسه ذات يوم .